قراءات ومراجعات وإبداع.. المثقف المغربي وإحياء زمن الحجر الصحي

المغرب.. ارتفاع عدد الوفيات بكورونا ودخول حالة الطوائ حيز التنفيذ
المغرب كغيره من دول العالم طبق تدبير الحجر الصحي ٣ أشهر (الجزيرة)

الأوبئة مادة خصبة للأدباء والكتاب في العالم، فعميد الأدب العربي طه حسين تناوله في رواية سيرته الذاتية الأيام، كما أنشدته في القصيدة الشاعرة العراقية نازك الملائكة بعنوان "الكوليرا" التي يُقال إنها أول قصيدة من شعر التفعيلة، وكتب عنها الروائي العالمي غارسيا ماركيز "الحب في زمن الكوليرا" وغيرها من الإبداعات والكتابات التي تناولت الوباء أو الأزمات الصحية التي ضربت الإنسانية.

والأديب المغربي بدوره، لم يرتهن لفترة الحجر الصحي، التي مرت في عدة دول بسبب تفشي وباء كورونا، فالكثير منهم اتخذوا زمن الحجر فرصة للقراءة والكتابة والإبداع.

الحجر الصحي والإبداع

كغيرهم من أفراد المجتمع، انخرط الأدباء في الإجراءات الاحترازية، وأسهموا في التخفيف عن الناس من تبعات الحجر النفسية والفكرية. فالكثيرون أتاحوا أعمالهم للقراءة مجانا وأذاعوها صوتا وصورة، وكتبوا عن الحجر يوميات وتأملات.

تأملات تتمنى الروائية المغربية حنان درقاوي في شهادتها للجزيرة نت أن تنشر، وتشكل ذاكرة هذه الفترة التاريخية، وهي فترة لم تغير كثيرا من عادات الكاتبة، وتقول درقاوي "أنا اشتغل من المنزل في مجال الترجمة وكذلك الكتابة اليومية، وبالنسبة للقراءة اقرأ على الأقل ٣ كتب في الأسبوع منذ سنوات مراهقتي، خلال الحجر عدت للقراءة بالإنجليزية باستمرار وهذا يسعدني لأنها لغة جميلة وفيها أعمال عظيمة جدا، وأحب دائما الاطلاع على النصوص في لغتها الأصلية حيث شرعت أيضا في تعلم اللغة الإسبانية".

وتضيف الكاتبة المغربية صاحبة رواية "الخصر والوطن" إن من أقدم الأعمال الأدبية عن الأوبئة مسرحية الملك أوديب للأديب اليوناني القديم سوفوكليس التي تحضر فيها الكوليرا، وبعد قرون تحدث عنها لافونتين على لسان الحيوانات، وجعل أنتونانارتو من الطاعون قوة إيجابية، وتناولها ألبير كامو أيضا، وكذا غابرييل غارسيا ماركيز في الحب في زمن الكوليرا، ولكنه أيضا تحدث عن وباء النسيان في ١٠٠ عام من العزلة وأعمال أخرى، وقد صرح أنه مفتون بالأوبئة ربما لأن فيها تتضخم كل مشاعر الرعب والخوف الإنساني.

وتضيف القاصة والكاتبة حنان أن فترة الحجر التي مرت صححت فيها رواية من أجل النشر، ومجموعة قصصية جديدة وصففت كتابها الأول بالفرنسية عن الأثر الاستشفائي للفلسفة، إضافة إلى كتاب عن "مديح القراءة".

قيمة المثقف

المغرب كغيره من دول العالم، طبق تدبير الحجر الصحي لثلاثة أشهر، حيث كثر الحديث فيه عن دور المثقف والأديب في هذه الأزمة، فرغم تدابير الحجر، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعية بالكثير من الندوات والفقرات التنشيطية المتعلقة بالأدب والفكر والثقافة، عبرت فيها مختلف التيارات الفكرية عن رؤيتها للأزمة والثقافة في ظلها عموما، ما شكل متنفسا معرفيا مهما للمتلقي الذي وجد الفرصة مواتية للتعرف على جديد المثقفين المغاربة، حيث صار الكثيرون من مبدعين يسجلون فيديوهات أو يدونون عن جديدهم أو أفكارهم التي تلقى النقاش.

الشاعرة المغربية مليكة العاصمي، إحدى رائدات القصيدة، تؤكد أن المهم هو الاستفادة من دروس أزمة كورونا، معتبرة مسألة ما قبل وما بعد كورونا، لا علاقة لها مع الأدب، فهو يتطور دوما، واعتبرت أن "الدولة لا تعير الاهتمام للمثقف والأديب والمعلم والمفكر أو أية كفاءة، في مقابل الاهتمام ببعض الأصناف مثل المطربين والراقصين".

وتتابع الشاعرة القول إن حضور المثقف كان كبيرا وفقط بجهوده، وتضيف العاصمي التي قدمت للمكتبة العربية العديد من الدواوين، رغم أزمة كورونا لم يتوقف الأدب، لكن للأسف ليست ثمة مؤسسات رسمية تحتضن الأدباء، بالتالي يجب على الدولة النظر لكل المجالات بتوازن، بحسب قولها.

أزمة كورونا نقمة أم نعمة؟

الدكتور عبد الجبار العلمي، تساءل أيضا، هل من اللائق القول "إنَّ كلَّ نقمةٍ في طيِّها نِعْمَة"؟ ويجيب قائلا للجزيرة، إن الحجر الصحي كان فرصة لنفض الغبار عن بعض الكتب التي لم تكن الظروف تسمح بتصفحها، خاصة المكتبة العربية والنقدية القديمة، فقررت "أن أقرأ في كل مصدر من هذه المكتبة بعض الصفحات، فقرأت من أجزاء الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني الذي يعتبر من أغنى الموسوعات الأدبية القديمة كما يصفها أستاذنا الدكتور أمجد الطرابلسي؛ وقرأت صفحات من " خزانة الأدب" للبغدادي الزاخرة بالنحو والإعراب والشعر والأمثال العربية، وقرأت أيضاً من كتاب "الحيوان" الذي يجمع بين المعارف والأدب، كما قرأت أبوابا من كتاب الموشح للمرزباني الذي نجد فيه نقدا دقيقا للعلماء بالشعر للشعراء. أما في الشعر فوضعت برنامجا حاولت أن أجمع فيه بين القديم والحديث والمعاصر".

ويرى الكاتب أيضا أن المعاناة تولد الإبداع، حيث كانت الأعمال الأدبية الجيدة المؤثرة عالميا وعربيا ثمرة معاناة أصحابها وخوضهم التجارب القاسية المريرة، نذكر منها تمثيلا: دون كيشوت لثيربانتيس، وأعمال دوستويفسكي أو أعمال الصحفي الأميركي هيمنغواي، وتلك الرائحة لصنع الله إبراهيم، وكان وأخواتها لعبد القادر الشاوي، وبالنسبة إلى العلمي "كانت جائحة كورونا دافعا لي للتفكير في جمع مادة كتاب حول الشعر بعنوان "الخطاب الشعري العربي المعاصر".

ومما أبدعه العلمي في الحجر:

دَعْوَةٌ لِلأمَل

في " نَرَنْخُوسَ " كُورونا؟؟؟

اطْمَئِنِّي يـَاصَديقَة

إِنَّ فيروسَ كُورُونا

غائِبٌ في حَجْره الصّحِي بَعيداً

عَنْ عَبيرِ اليَاسَمينْ

وَخَريرِ المَاءِ يَجْري في الْحَدائِقْ

إِنَّه المَحْجُورُ، لاَ الإِنْسانُ مَنْ يَبْنِي الْحَيَاةْ

يَكْرَه ُالقبح َويَهْفُو للجَمالْ

يقهرُ المَوتَ ويَسْمو للْكَمالْ

المصدر : الجزيرة