الأدب في معرض "القاهرة للكتاب".. جذب القارئ ولو على جثة النص

إقبال شبابي على روايات الرعب لأحمد يونس- تصوير المراسل
إقبال شبابي على روايات الرعب التي يكتبها الروائي الشاب أحمد يونس (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

امرأة بملامح قط.. شعرها أحمر منسدل، يكسو جسدها هالة من البخار ترتكن إلى باب يجلس خلفه رجل شبه عار يشرع في الاستحمام، تلك اللقطة ارتآها صناع دار "ديير" للنشر والتوزيع مناسبة كتصميم لغلاف رواية "افتح.. أنا نادية" للروائي المصري الشاب تامر عطوة.

عنوان الرواية أثار جدلا على منصات التواصل الاجتماعي، كما زاد تصميم الغلاف الانتقاد، ورغم ذلك حقق العمل نسبة مبيعات مرتفعة مع عرضه خلال فعاليات الدورة الـ51 من معرض القاهرة الدولية للكتاب التي بدأت 22 يناير/كانون الثاني الماضي وتستمر حتى 4 فبراير/شباط الجاري.

"افتح.. أنا نادية" ليست حالة شاذة داخل أروقة معرض القاهرة للكتاب، فيبدو أن كثيرا من المؤلفين الشباب يسيرون على خطى الإثارة للفت الانتباه إلى أعمالهم الأدبية في ظل العدد الكبير من الناشرين المصريين والأجانب.

ووصل عدد الناشرين في المعرض هذا العام إلى 900 دار نشر وجهة، بزيادة 153 دار نشر وجهة عن العام الماضي.

جذب القارئ
يشهد معرض القاهرة للكتاب موجة مرتفعة من الأعمال الأدبية لكتاب شباب مصريين، والتي تحاول أن تلتقط خيط الرواج بين جمهور القراء باستخدام أي وسيلة ممكنة.

من هذه الأعمال رواية "تزوجت أخي" للكاتبة فاطمة صالح التي لاقت كثيرا من الانتقاد بسبب عنوان العمل قبل طرحه في المكتبات.

الاستسلام لاتجاهات سوق القراءة يكون على حساب النص (الجزيرة)
الاستسلام لاتجاهات سوق القراءة يكون على حساب النص (الجزيرة)

ورغم الانتقاد الذي وصل في بعض مراحله إلى التطاول على منتجي "تزوجت أخي" شكرت صالح من روجوا لعملها، معتبرة الهجوم دعاية مجانية للكتاب.

وعلى الدرب نفسه، سار الروائي سيد داود المطعني بروايته "خطيبتي العذراء حامل"، والكاتبة هدى الشعراي برواية "مغتصبة ولكن".

وحاول صاحب "خطيبتي العذراء حامل" الدفاع عن اسم روايته، مؤكدا أن المحتوى يناقش الشائعات المتعلقة بالشرف في مجتمعاتنا، وما يترتب على ذلك من تداعيات على الضحية وعائلتها.

ولا يقتصر جذب القارئ عبر غلاف أو عنوان، فنجد كثيرا من الروائيين الشباب يميلون إلى كتابة محتوى الإثارة والرعب إلى جانب ذلك الذي يتسم بالطابع الرومانسي، وهو ما يجد صدى جيدا لدى القراء من الفئات الأقل عمرا.

وتعد روايات الكاتب الشاب حسن الجندي نموذجا مناسبا لأعمال الرعب التي يتهافت الشباب على اقتنائها، فبحسب مسؤول المبيعات في دار دارك الناشرة لأعمال الجندي تعد كتب الجندي الأعلى مبيعا في الدار.

أيضا سلسلة روايات "نادر فودة" للإعلامي أحمد يونس الصادرة عن دار سما للنشر والتوزيع تصنف أعمال رعب، ويبدو أن لدى كاتبها طموحا لاستمرار السلسلة.

وقال يونس في تصريح صحفي إن القارئ يستوعب الكثير من الأعمال المسلسلة، مشيرا إلى سلاسل أعمال للكاتبين أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق التي حققت نجاحا كبيرا.

وفي دار دون للنشر والتوزيع المعروفة باستهدافها فئة القراء الشباب احتلت روايتان تتسمان بالطابع الرومانسي رأس قائمة الكتب الأعلى مبيعا، وهما "ما رواه البحر" لساندرا سراج، و"ساعتين وادع" لأحمد مهنا.

روايات الرعب تلاقي رواجا في الكتابة والتسويق (الجزيرة)
روايات الرعب تلاقي رواجا في الكتابة والتسويق (الجزيرة)

كتابة عامية
وتحت مظلة الاستسلام لاتجاهات سوق القراءة هناك من غرد بعيدا جدا، فكتب نصوصا روائية كاملة بالعامية المصرية، مثل الروائي الشاب إسلام شاهين في روايته "تانجل".

وقال شاهين في تصريح صحفي إن الرواية أحدثت صدى كبيرا جدا، وفاق الإقبال على شرائها كل التوقعات، لدرجة نفاد أربع طبعات في ثلاثة أيام فقط.

وأضاف أن "الكتابة بالعامية استهوتني، فوجدتها الأقرب للقارئ، وكانت بالفعل مجازفة ناجحة جدا، لكني أعتزم إصدار أعمال باللغة الفصحى في المستقبل القريب". 

وعلى الجانب الآخر، هناك أعمال لكتاب شباب تبدو مكتوبة دون النظر بعدسات مكبرة لاتجاهات سوق القراءة، ومنها رواية "الحاج ألمان" للكاتب إبراهيم أحمد عيسى التي تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الأولى، وتسلط الضوء على مقاومة الأمازيغ للاستعمار الفرنسي والإسباني في المغرب.

وحققت الرواية أعلى المبيعات في منفذ بيع دار كتوبيا داخل معرض القاهرة للكتاب، وفق ما أعلنه مسؤولو البيع في الدار.

وعلى الطريق نفسه سارت رواية "جوائز للأبطال" لأحمد عوني التي تتخذ من ثورة 25 يناير مرثية لمعاناة جيل كامل من الشباب، وفاز العمل بالمركز الأول بجائزة ساويرس الثقافية كأفضل عمل روائي "فئة الشباب" لعام 2019.

شعر العامية
لسنوات طويلة ظلت دور النشر زاهدة في الحماسة لأي نصوص شعرية، ودائما ما كان المبرر على لسان القائمين عليها كون الشعر ليس له جمهور، وبالتالي فإنتاجه يعد من باب حب الخسارة المادية. 

غير أن هذا العام كان خارجا عن المألوف لسنوات، فصدرت الكثير من الدواوين الشعرية وإن كانت أغلبيتها العظمى بالعامية المصرية، وما يطرح باللغة الفصحى يكون من فئة القصيدة النثرية.

"تصبحي على خير" ديوان شعري بالعامية المصرية (الجزيرة)

ووفق ما أعلنته دور النشر، فإن من أكثر الدواوين التي قدمها شعراء شباب ولاقت نجاحا كبيرا خلال أيام المعرض "تصبحي على خير" لعمرو حسن الصادر عن دار الرواق، و"اطمني" لمحمد إبراهيم عن دار دون، و"الزمن" لمصطفى إبراهيم عن دار الكرمة.

ولم يسلم الشعر ممن يقدمون أعمالا تتهم بأنها بعيدة عن مفهوم الإبداع، مثل ديوان "شلح هدوك يا زمن" للشاعرة ماجدة جابر.

وجاء في الديوان "شلح هدومك يا زمن.. واجري بعيد.. ليا لسان وودان وعين.. وليا إيد.. ومهما تطفي فرحتي.. لسه وليد.. عايش حياته بيبي نون.. كائن جديد".

ورصد الرئيس السابق لهيئة الكتاب الدكتور أحمد مجاهد في تقرير عن حالة نشر الشعر في مصر أن نسبة نشر دواوين شعر الفصحى خلال عام 2018 حوالي 1% فقط من جملة الكتب المنشورة، و3.7% من جملة المنشور في الأدب عموما، و25% من جملة المنشور في الشعر فقط.

وأوضح مجاهد أن دواوين شعر العامية الصغيرة التي تطبع على نفقة أصحابها بعيدا عن دور النشر تمثل نسبة كبيرة من نشر الشعر.

وذكر أن أصحاب الدواوين غالبا ما يلجؤون إلى نشر شعرهم بهذه الطريقة، لاعتمادهم في اتحاد الكتاب أو في أندية الأدب بالمحافظات، دون مرور مؤلفاتهم على لجان قراءة وتقييم المنتج الشعري عن طريق جهة حكومية أو خاصة.

بعض دور النشر تخالف قواعد المعرض وتقيم حفلات التوقيع داخل الأجنحة (الجزيرة)
بعض دور النشر تخالف قواعد المعرض وتقيم حفلات التوقيع داخل الأجنحة (الجزيرة)

حفلات التوقيع
بنبرة تحذيرية يصدح صوت من مكبرات الصوت مؤكدا على أجنحة دور النشر في صالات المعرض عدم إقامة حفلات التوقيع فيها، والالتزام بالقاعات المخصصة لذلك.

تلك التحذيرات تحاول تلافي متاهة حفلات التوقيع التي أجريت في دورة العام السابق، حيث كان سوء التنظيم مسيطرا على المئات من الحفلات.

ولا تلقى التحذيرات التزاما من بعض دور النشر، وأقامت حفلات التوقيع داخل دور النشر تسهيلا على الكتاب والقراء، غير أن ذلك سبب زحاما وتكدسا في الممرات بين الأجنحة.

ورغم صعوبة إقامة حفل التوقيع للكاتب فإننا نجد بعض دور النشر تقيم أكثر من حفل للكاتب الواحد على مدار أيام مختلفة خلال المعرض، لجذب القراء للحصول على توقيع المؤلف، وهو ما يعني بيع مزيد من نسخ الكتاب.

وتبدو إستراتيجية تعامل بعض دور النشر مع حفلات التوقيع مرآة للتعاطي مع كثير من النصوص الأدبية الجديدة، فتحقيق المبيعات ثم الأرباح المالية هو الهدف من صناعة الأدب بالنسبة لبعض دور النشر.

المصدر : الجزيرة