منبوذ الفيفا محبوب الشعراء.. مارادونا من الملاعب للأدب

مارادونا (مواقع التواصل)
ألهمت صور نجم كرم القدم الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا العديد من الأدباء والشعراء والروائيين في أميركا اللاتينية (مواقع التواصل الاجتماعي)

لم يكن ملهما لمحبي كرة القدم فحسب؛ بل للروائيين وكتاب القصة القصيرة والشعراء والمسرحيين في قارة أميركا اللاتينية، التي تعتبر فيها كرة القدم، حقا، معبودة الجماهير.

في الشعر والقصة

بعنوان "اليوم، زمنك الحقيقي"، عنون الشاعر الأوروغواياني ماريو بينيديتي قصيدته التي أهداها للاعب الراحل دييغو مارادونا عام 2008. تقول القصيدة "اليوم، زمنك الحقيقي.. لا فضل لأحد عليك.. وحتى لو نسي الآخرون الاحتفاء بك.. ستبقى الليالي بلا حب بعيدة.. وبعيدا سيبقى، الحزن.. ستحيا بآخرين.. لا يهم ما تقول المرايا.. ما زالت لك عينان فتيتان.. تريان ولا تنظران أكثر مما يجب.. ستحظى بالحياة وستحظى بالموت.. ها هو عام يمر تلو عام.. وأنت تنتصر على ظلّك.. هللويا.

كان بينديتي معروفا بشغفه بكرة القدم مثل كثير من الأوروغوايانيين، وفي إحدى مقابلاته أظهر انزعاجه من الطريقة التي يتناول فيها الصحفيون حياة مارادونا، مظهرا تعاطفا وحزنا على ما آل إليه الأخير.

وفي مجموعته القصصية "مغلق بسبب كرة القدم"، وتحديدا في قصة "القرن 21" كتب الأوروغواياني إدواردو غاليانو عن مارادونا "وقد حُكِم على مارادونا أن يصدق أنه مارادونا وأجبِر على أن يكون نجم كل حفلة، وطفل كل معمودية، والموت في كل عزاء. النجاح هو أكثر تدميرا من الكوكايين. ولن يكون بمقدور تحاليل البول والدم أن تكشف عن هذا المخدّر".

وكم أثارت تصريحات وتصرفات مارادونا الجدل، لغرابتها وجرأتها واندفاعها. لم يكن مارادونا دبلوماسيا في حديثه، وكان ناقدا لكل ما لا يعجبه، فضلا عن حياته الشخصية المعقدة والمعروضة مجانا لأقلام وعدسات الصحفيين.

مع هذا، فيبدو أن حالة من التعاطف كانت تغلب على النصوص التي تتحدث عنه. غاليانو نفسه قال في كتابه الآخر "كرة القدم بين الشمس والظل" إن خطيئة مارادونا أنه الأفضل.

وفي عام 1995، تحدث غاليانو لمجلة "إلغرافيكو" عن مارادونا قائلا "علينا أن نفهمه في بعض الأحيان، دون أن نبرر له كل تصرفاته: أنا أيضا أكاد أنفجر غضبا من بعض أفعاله. بالفعل هو شخص يتحدث كثيرا، يقول ويتراجع عن كلامه، متعجرف، عنيد؛ لكن علينا أن نفهمه بل أن نشكره، من أجل الأشياء التي منحنا إياها. آمل أن يتابع عمله.. آمل ألا يعترض مارادونا طريق مارادونا".

هكذا فسّر غاليانو ظاهرة مارادونا، مارادونا اللاعب الفقير الذي شق طريقه بذكاء وحطم الحواجز الاجتماعية، والتفت حوله الجماهير على اختلاف أطيافها؛ بل رأته قديسا وأكثر من ذلك. ومارادونا آخر يحطم نفسه بالغرور أو التصرفات اللامسؤولة.

وبينما كان موقف غاليانو واضحا في كتاباته عن مارادونا، كما هو واضح في موقفه السياسي اليساري والقريب لفكر مارادونا، فإن رأي الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا، الحائز على نوبل للآداب 2010، كان مختلفا.

يُحسب يوسا على الاتجاه السياسي اليميني عبر الكثير من تصريحاته. أما رؤيته لمارادونا فلم تكن واضحة. عام 2006، نشر في مجلة "دينر" متحدثا عن مارادونا "ذلك الوجه الحالم الساذج المليء بالنوايا الحسنة، يستميل مثبطي العزيمة والمحبطين، وهم أنفسهم الذين يحيطونه ويعتنون به؛ إلا أن المؤكد هو أنه وفي لحظة النزول للملعب، يتقن اللعب بقوة -يمكن أن نقول- إنها لا تتوافق مع جسده".

بيد أن يوسا -المعروف بتناقض تصريحاته- انتقده خلال أحد لقاءاته في البرازيل عام 2013، بقوله "لم يعد الناس يرغبون الآن بالتقاط صورة مع كاتب؛ بل مع موسيقي أو لاعب مشهور مثل مارادونا، الذي لا يعرف التفكير سوى بقدميه". ولئن كانت نية يوسا أن يقلل من أهمية مارادونا في تصريحه هذا؛ لكنه في الحقيقة مدحه من حيث لا يعلم، فالقدم سر نجاح "البصل الصغير" كما يلقب مارادونا في الأرجنتين كناية عن قصر قامته.

منبوذ الفيفا محبوب الأدباء

وفي كتابه "الآلهة المستديرة" أفرد الروائي المكسيكي خوان بيورو فصلا لمارادونا قال فيه "كان لمارادونا طابع الوحش، كان الاختلاف. كان يكفي أن تصل قدميه تمريرة فينهي المباراة لصالح فريقه. ربما أثرت تلك القوة نفسيا عليه… خلق مارادونا عالما مشابها لرغباته، وتجاهل الواقع، ذلك الضباب الخالي من السحر والمحيط بالملعب".

وفي موضع آخر يقول "لنوقف الأسطورة في الهدف الأخير، فبعد التسجيل، ركض دييغو مبتهجا، وفجأة شاهد كاميرا التلفاز، فتوجه مباشرة نحوها وصرخ أمام عدستها مثل حيوان جريح. الأسد المنبوذ في عيون الفيفا، كان قد عاد إلى منطقته. كان دييغو، ضحية إعجاب الجماهير به وكان يبحث عن انتقام، لكنه لم ينفذه".

الروائي إدواردو ساشيري، كاتب رواية "السر في عيونهم"، كتب أيضا قصة قصيرة بعنوان "عليكم أن تغفروا لي"، وبها يعود إلى الهدف الذي سجله مارادونا في المرمى الإنجليزي عام 1986، وكأنه في نصه يقول إن ذلك الهدف يغفر لمارادونا عثراته.

بيد أن ما كتبه الكاتب الأرجنتيني إرنان كاسياري في مؤلفه "احترمني، أنا أمك"، يقترب أكثر لما كان مارادونا يمثله بالنسبة للأرجنتيين.. "هل تعرف لماذا أصلي؟ لأنه كان هناك لحظات لم يكن فيها لدينا شيء، لا شيء على الطاولة، لكنك منحت السعادة لعائلتي. كان ألفونسين يثير الفوضى وحمدا لله أنه في تلك اللحظة بالتحديد، وقع علينا خبر فوزك بالمونديال من السماء.. كم أرغب في إخبار العالم أننا حظينا بأوقات فرح قليلة خلال 20 عاما الماضية، وقد كانت تلك الأوقات القليلة، بفضلك. في المستقبل لن يذكر أحد عجرفتك وألفاظك البذيئة؛ بل سيقولون إنك كنت قادرا على النهوض بشعب حزين وإسعاده حد الجنون، حتى في الأوقات الأكثر سوداوية، وكي لا تموت تلك اللحظات، أصلي".

المصدر : الجزيرة