أميرة في أفريقيا وعبدة في فلوريدا.. القصة المذهلة لآنا ماجغين جاي كينغسلي

A Senegalese boy stands at the "Door of No Return" at the Slave House on Goree Island, Senegal
طفل سنغالي يقف عند "باب اللاعودة" بجزيرة غوري (رويترز)

أصبحت قصتها أسطورة في السنغال، إنها الأميرة أنتا ماجغين إنجاي التي تم القبض عليها عام 1806، وبيعت لتاجر رقيق ومزارع ثري من فلوريدا، جعلها عبدة لديه؛ لكنها كانت يده اليمنى لإدارة أرضه.

وفي مجلة "لوبس" (L’Obs) الفرنسية، يروي الفيلسوف سليمان بشير ديان قصة أميرة الوولوف التي أصبحت عبدة، بعد أن أعاد بناءها دانيال إل. شافر، أستاذ التاريخ الفخري في جامعة شمال فلوريدا في كتابه "آنا ماجغين جاي كينغسلي".

ويقول ديان في مقدمته للكتاب الذي صدر اليوم عن دار "ألبين ميشال" الفرنسية، إن هذا الكتاب يمثل قصة هوس، بدأت عام 1972 عندما قام كاتبه بجولة كسائح في "مزرعة كينغسلي" الواقعة في جزيرة فورت جورج، وسمع من المرشد مع رفاقه في الرحلة، القصة المذهلة لأميرة من السنغال هي أنتا ماجغين جاي، التي وصلت إلى العالم الجديد في هافانا كعبدة.

قصة هذه العبدة التي اشتراها ثم حررها مزارع من فلوريدا، واعترف بها رسميا كرفيقة وفية وأم لأطفاله، وورثت عنه ممتلكاته واسمه كينغسلي، وصلت إلى آذان المؤرخ الذي رأى فيها دعوة لاستكشاف تاريخ العبودية في فلوريدا من أجل تحديث نقشها في "المحيط الأطلسي الأسود"، كما أطلق عليه المؤرخ البريطاني بول غيلروي الذي كان مهتما بتاريخ العبودية.

ومن جزيرة غوري السنغالية التي تسمى بوابة وداع الأرض الأفريقية، بدأت مغامرة هذه الطفلة التي كانت في 13 من عمرها عندما مرت من "باب اللاعودة" الذي مر منه العديد من الأسرى المتجهين إلى الأمريكيتين؛ إلا أنها أصبحت مالكة لمزرعة وعبيد في بلادها الجديدة.

إعلان إنسانية

وقال الكاتب إن هذه القصة تتجمع فيها الحقائق التاريخية التي جمعت بصبر من خلال المحفوظات والمقابلات مع المؤرخين؛ لكن أيضا مع المغنين السنغاليين (وهم حافظو تاريخ الملوك عند مجتمع الوولوف)، إضافة إلى الفرضيات التي تكمل هذه الحقائق، دون نسيان جانب الخيال الضروري لفهم أفضل لملحمة أنتا/آنا إنجاي ودراما العبودية.

ونوه ديان بما تمثله قصة تجارة الرقيق في المشهد الكبير عبر الأطلسي، وكيف ربطت بين مملكة جولوف ومدينتي غوريه ورفيسك في السنغال، وهافانا وفلوريدا وهايتي وأماكن أخرى من العالم الذي يسمونه "الجديد"، من خلال ترابط أقدار العديد من الشخصيات بحُرها وعبدها وأبيضها وأسودها وخلاسيها.

وهكذا يكشف كتاب آنا -كما يقول الكاتب- مشاعر كل هؤلاء الأشخاص، ويحول القصة إلى مسرحية تستعرض ما كان يُعرف باستعباد السود في جنوب الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي.

وبعد استطراد لثورات العبيد في هايتي وتوسان لوفرتير، ينبه الكاتب إلى أن هذا الكتاب يمثل "إعلان الإنسانية" كما قدمته تلك الثورات؛ لأن الشخص الذي كان من المقرر أن يعيش حياة أميرة الوولوف، لا يعرف أحد بالضبط تحت أي ظروف خطفت واغتصبت، ثم صعدت على متن سفينة عبيد لتباع لرجل يكبرها بـ3 عقود وهي حامل في 13.

ابنة مملكة جولوف الفخورة

ورغم كل هذا -يقول الكاتب- كانت هذه الطفلة قادرة على النهوض من جديد، وحافظت على حياتها كلها باسمها وبهويتها؛ لأن إنجاي، تذكرها بالأرض التي كانت ابنتها، وبأنها كانت من ذرية إنجاديان الأول مؤسس مملكة جولوف بالسنغال، وماجغين تحيل على أمها، في حين أن اسمها أنتا، وإن حرِّف إلى آنا؛ لكن لم يتغير فيه شيء.

ورغم أن أنتا انتزعت من وطنها في سن 13، فإن قصة حياتها كامرأة تظهر بالفعل أنها حتى بعد اجتيازها "باب اللاعودة" لم تتوقف أبدا عن أن تكون ابنة جولوف، كما يُطلق على سكان مملكة طفولتها.

واستعرض الكاتب بإيجاز تاريخ مملكة جولوف التي حكمت مجموعات سكانية مختلفة في سينيغامبيا وجنوب موريتانيا اليوم، بين منتصف القرن 14 ومنتصف القرن 16.

امرأة قوية

وتظهر حياة آنا -كما يقول الكاتب- أن أنتا أصبحت امرأة قوية فرضت احترامها على سيدها، الذي سرعان ما حررها، واعترف بها زوجة له من خلال تكليفها بإدارة ممتلكاته.

وأبدت هذه المرأة شجاعة غير عادية -حسب الكاتب- خلال انتفاضة عام 1812، التي شجعتها الولايات المتحدة لضم فلوريدا الإسبانية، عندما ذهبت لإشعال النار في منزلها، لمنع استخدامه كمقر لأفراد الميليشيات، الذين خاطروا بالعودة من هايتي إلى فلوريدا بعد الحرب الأهلية.

ويلاحظ الكاتب أن أنتا في مرحلة معينة من حياتها لم تكن ودودة تجاه السود الأحرار، رابطا ذلك بمحاولتها التمسك بميراثها من زوجها، ولذلك تقول المؤرخة النسوية السنغالية بيندا مبو "كنا نود أن تكون المرأة التي أوجدت حولها مجتمعا من الرجال والنساء الملونين الأحرار، تجسد روح المرأة الوولوفية في الشتات الأفريقي، إذ ما كان لها أن تمتلك العبيد الذين آلوا إليها مع الممتلكات، وتتركهم إرثا بعدها حسب الوصية التي كتبتها عام 1860، قبل وفاتها بـ10 سنوات".

ويبقى أن يشار إلى أن أنتا ماجغين إنجاي استطاعت أن ترمم حياة كان من الممكن أن تدمر إلى الأبد منذ المراهقة، مما يظهر أن الإنسان لا يقهر، خاصة إذا كان إنجاي لأن "إنجاي" هو أيضا اسم الأسد وترنيمة الحرية.

المصدر : لونوفيل أوبسرفاتور