جوخة الحارثي: الأدب العربي انتقل للعالمية والعوائق لوجستية فقط

صورة للكاتبة العمانية جوخة الحارثي
جوخة الحارثي: المحلية لا تتنافى مع العالمية، وأي قارئ يستطيع أن يجد صدى ما يخصه في الرواية (الجزيرة)
بعد أن حصلت ترجمة روايتها للإنجليزية -التي جاءت بعنوان "أجرام سماوية"- على جائزة "مان بوكر" العالميّة لعام 2019، قالت الروائية العمانية جوخة الحارثي إن الرواية العربية انتقلت إلى العالمية بالفعل، بعد أن فازت روايتها كأول رواية عربية بهذه الجائزة، وأضافت أنها تثق بجودة الأدب العربي وقدرته على المنافسة عالمياً رغم العقبات التي وصفتها "باللوجستية".

وتشاركت الحارثي الجائزة -التي تقدر قيمتها بخمسين ألف جنيه إسترليني (نحو 63 ألف دولار)- مع مترجمتها الأميركية مارلين بوث، لتصبح أول روائية عربية تفوز بتلك الجائزة المرموقة، وتنتقل بحكايات بلدة العوافي العُمانية إلى العالمية عبر صور جماليّة ممتعة ولغة خلابة.

وحصلت الحارثي -وهي أكاديمية وأديبة عمانية- على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الكلاسيكي في جامعة إدنبرة، وهي حالياً أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس.

ونشرت الحارثي مجموعات من القصص القصيرة وثلاث روايات، وحصلت على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عن روايتها "نارينجا" (البرتقال المر) عام 2016.

وتسافر شخصيات الرواية -التي تكاد تكون هاربة من كتاب تاريخي- على ظهور الحيوانات، ومتن السيارات والطائرات، وتعيش زمن الاستعمار الإنجليزي وتهريب السلاح والتجارة الممنوعة، وتنتقل بين الصحاري العربية والحضر بسلاسة مثلما تنتقل في الزمن الدائري المتشظي.

الجزيرة نت أجرت هذا الحوار مع الحارثي، التي لم تعش زمن الرواية بأكمله، واعتمدت على مصادر من الأرشيف البريطاني، ومن التراث والفلكلور العُماني، لتنسج ملامح الشقيقات الثلاث وعلاقاتهن العاطفية والاجتماعية، وتصور مشاهد من الحياة العُمانية القديمة، مثل تجارة التمور وصيد اللؤلؤ والعبودية والفقر والعادات والتقاليد الشعبية.

 الرواية تدور في مجتمع محلي لكنها صارت "رواية عالمية".. كيف ترين ذلك؟

الرواية فيها ثيمات محلية كثيرة، لكن القيم التي تطرحها وتتساءل بشأنها هي قيم عالمية، ونحن كبشر نتشارك فيها جميعاً، مثل قيم الحب والحرية والنظرة إلى الحياة، فالمحلية لا تتنافى مع العالمية، وأظن أن أي قارئ يستطيع أن يجد صدى ما يخصه في الرواية مهما كان المكان الذي نشأ فيه.

رئيسة لجنة التحكيم قالت إن الأفكار والخبرات الواردة في الرواية لا توجد عادة في الإنجليزية، فكيف عبرتي عنها بالعربية؟ وكيف تمت ترجمتها خاصة مع احتواء الرواية على مقاطع باللهجة العُمانية؟

اللغة العربية هي لغتي وشغفي، وهي اللغة التي أعشقها وأحب الكتابة بها، وأنا مرتبطة بها أيضاً عبر النشأة في أسرة أدبية وعبر دراسة الأدب العربي الكلاسيكي، فبالنسبة لي ليست مشكلة.

 

وبالنسبة للترجمة مارلين بوث فهي مترجمة قديرة، وحسب رأي استطاعت أن تنقل العالم المكتوب بالعربية إلى الإنجليزية بشكل يحافظ على وهج النص الأصلي، وهو تحد كبير يجعلني مدينة لها بهذه القدرة.

وكان بيننا حوار دائم، وتحاورنا في بعض المقاطع والأمثال، وأحياناً كنت أرسل لها صورا لأشياء معينة مثل "المندوس" حتى تستطيع تصور الأشياء، فكان حواراً جميلاً، وتعمدت مارلي أيضاً أن تترك بعض الكلمات العربية داخل النص لكي تعطي الإحساس بالإيقاع للقارئ الغربي.

هل تصنفين روايتك كملحمة عائلية على غرار "مئة عام من العزلة" و"الحرافيش" لنجيب محفوظ؟

لا أصنفها، بل أترك التصنيف للقارئ فهو أحق بالتصنيف.

 من أين كانت مصادر الإلهام للرواية؟ وهل عدت لمصادر مثل الأرشيف البريطاني لوصف الحياة في زمن الرواية؟

مصادر الإلهام كثيرة، فقد نشأت في بيئة غنية بالحكايات والثقافة العمانية متنوعة، ولها لغات كثيرة ومذاهب مختلفة وثقافات إثنية مختلفة، وتاريخ غني جداً؛ فأنا نشأت في كل هذا من صغري.

وبالنسبة للرواية فقد استمعت لكثير من كبار السن عن قصص حدثت أو يخيل لهم أنها حدثت.

وفي الوقت ذاته، رجعت للجانب الأكاديمي ومصادر من الأرشيف البريطاني كي أفهم على نحو أفضل كيف كانت الحياة في بدايات القرن العشرين في سلطنة عمان.

 وبالنسبة لزمن الرواية الدائري أو المتشظي.. هل عشت هذا الزمن أم تعتمدين على المصادر؟

الرواية فيها قصة عائلة عبر ثلاثة أجيال؛ تبدأ من أواخر القرن 19 وحتى نهاية القرن العشرين، بالطبع لم أعاصر كل هذه الأحداث، ولكن كنت أستند إلى مصادر أكاديمية من جهة والخيال من جهة أخرى.

وماذا عن تعدد الأصوات في الرواية.. كيف مزجت بين أسلوبي السرد؟

بالنسبة لي ككاتبة كانت تقنية تعدد الأصوات مفيدة لإعطاء وجهات نظر مختلفة حول الحادثة نفسها، يعني مثلاً "عبد الله" يرى حادثة معينة من وجهة نظره ثم نكشف أن زوجته "ميّا" تراها من وجهة نظر مختلفة؛ ولأنه يتحدث بضمير المتكلم فلا نعرف إلا ما يفكر فيه فقط، لكن عندما يأتي الراوي العليم يخبرنا بما تفكر به "ميّا"، وهو شيء مختلف عما يفكر فيه "عبد الله"، فهذا يعطيني مساحة لإعطاء أصوات متعددة لشخصيات متعددة في الرواية.

 وعلى ذكر تعدد الشخصيات ووفرتها في الرواية، بعض النقاد اعتبروا أن ثمة صعوبة في الاستثمار في قصصهم الفردية بسبب كثرتها، فما رأيك؟

لا أرى ذلك، وأظن أن القارئ يحصل على جائزته ببذل بعض الجهد مع الشخصيات وفي التعرف عليها.

 وبالنسبة لحدود الحقيقة والخيال في الرواية، هل قرية العوافي حقيقية؟

(تضحك).. بعض الناس قالوا لي إنهم يبحثون عنها في الخريطة، لكنها قرية متخيلة في الحقيقة.

 والشخصيات كذلك؟

نعم، تعرف أنه قد تكون هناك جذور حقيقية بشكل أو بآخر لبعض الشخصيات، لكن بالنسبة لي لا أستطيع أن آتي بشخصية من الواقع كما هي وأضعها داخل الرواية، يعني المسألة أكثر تعقيداً من ذلك، والخيال يلعب دوراً كبيراً في صياغة الشخصية وجعلها مقنعة روائياً.

 ظهرت فكرة الحب والرومانسية في المجتمع المحلي أو القبلي، كيف جرى التعبير عن هذه الفكرة؟

بالنسبة لي ككاتبة، القيم الإنسانية الكبرى مثل الحرية والصداقة والحب موجودة في أي مجتمع في العالم، مهما كانت حدوده وأعرافه، وتظهر بطرق مختلفة في كل مجتمع، والناس كانوا وسيظلون للأبد يدورون في فلك هذه القيم.

 وما رأيك في تغيرات المجتمع العماني التي انعكست في الرواية؟

لست متخصصة في علم الاجتماع، ولا أعطي نفسي هذه الصفة، ولكن كروائية هذه مادتي للكتابة، أنا أراقب المجتمع وأراقب التغيرات، وهي تغيرات سريعة جداً قياساً بما عاشه الناس. في القرنين 18 و19 وبدايات القرن العشرين كان الإيقاع أبطأ بكثير من الإيقاع الذي نعيشه نحن اليوم، وبالطبع هذا يؤثر على حياة الناس، وعلى قيمهم ونظرتهم لأنفسهم والحياة من حولهم.

 هل سيشكل هذا الفوز إلهاماً لآخرين في العالم العربي؟

نعم، أتمنى أن يكون هذا دافعاً وباباً للأمل لكل الروائيين العرب، لأن الأدب العربي يستحق وهو جدير بأن يقرأ وأن يعرف وأن يثق الكتاب بأنفسهم وقدرة أدبهم على المنافسة عالمياً.

 إذن هل ينتقل الأدب العربي للعالمية؟ 

ليس لدي شك في هذا.

 وما أهم التحديات التي يمكن أن تواجه الكتّاب العرب حتى يقدموا أدباً عالمياً؟ 

المشكلة تتعلق بخطوات الترجمة ودور النشر، وهناك تحديات تتعلق أكثر بجوانب لوجستية، أبرزها خطوات الترجمة ودور النشر وانتشار الكتاب، لأنها خطوات معقدة جداً في الحقيقة، وهذه في رأيي أكبر التحديات.

أما من ناحية الأدب نفسه، فليس لدي شك في جودة الأدب العربي.

المصدر : الجزيرة