البيروقراطية تهزم التاريخ.. غضب مصري بعد هدم وكالة العنبريين

‎⁨شكل شارع المعز لدين الله الفاطمي بعد هدم وكالة العنبريين - الجزيرة نت -13-2-2019 (2)⁩.JPG
صدمة في الشارع المصري بعد هدم السلطات المحلية "وكالة العنبريين" الأثرية بالقاهرة (الجزيرة)

حسن المصري-القاهرة

علامات الدهشة والاستنكار تخيم على الشارع المصري بعد قيام السلطات المحلية بهدم مبنى تاريخي يطلق عليه "وكالة العنبريين" داخل شارع المعز في قلب القاهرة، وهو أحد أبرز الشوارع التي تحتوي على آثار إسلامية بمصر والعالم العربي.

المبنى التاريخي راح ضحية البيروقراطية وتبادل إلقاء الاتهامات وتحميل المسؤولية، حيث نفت وزارة الآثار مسؤوليتها عن الهدم، باعتبار المبنى غير مسجل كأثر، محملة جهاز التنسيق الحضاري بوزارة الثقافة المسؤولية، في حين تتنازع محافظة القاهرة قضائيا مع مالك العقار.

يعود عمر "وكالة العنبريين" لنحو تسعمئة عام، حيث بناه الفاطميون ليكون سجنا تحت اسم "حبس المعونة"، وفي عهد المماليك تحول السجن إلى وكالة لتجارة العنبر على يد السلطان قلاوون عام 1281، ومنذ هذا الوقت وهو مكان مخصص لبيع العطور، حيث أطلق عليه المصريون اسم "وكالة العنبريين"، وازدهرت التجارة فيه خلال عهد العثمانيين.

يقع المبنى المهدوم بمنطقة شارع المعز التاريخية، التي شهدت عمليات تطوير مستمرة بتمويل من منظمة اليونسكو، باعتبارها أكبر متحف مفتوح في العالم للآثار الإسلامية.

أحد أهالي شارع المعز يقف أمام المبنى المنكوب (الجزيرة)
أحد أهالي شارع المعز يقف أمام المبنى المنكوب (الجزيرة)

غضب شعبي
في محيط المنطقة المتهدمة، يقف أهالي شارع المعز في غضب وذهول مما يجري، قابلنا أحد الأهالي الذي أبدى حزنه على هدم المبنى العتيق، مستنكرا في حديثه للجزيرة نت تبريرات الحكومة بأن المبنى قديم ومعرض للسقوط في أي لحظة، متسائلا بسخرية "إذن فلنهدم كل الآثار لأنها قديمة، وماذا عن علم الترميم المخصص لصيانة الآثار والمباني التاريخية".

اللافت أن محمد عبد العزيز، المشرف على مشروع القاهرة التاريخية بوزارة الآثار، برر هدم الوكالة التاريخية بكونها أصبحت أنقاضا وموقعا للقمامة، لافتا في تصريحات تلفزيونية إلى أن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني حاول تسجيل الوكالة كأثر إسلامي عامي 2004 و2015، لكن اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية رفضت تحت ذريعة عدم حمله أية قيمة أثرية أو تاريخية.

غير أن المتحدث الرسمي لهيئة النيابة الإدارية المستشار محمد سمير أكد في تصريحات تلفزيونية وصحفية أن لجنة من كلية الآثار وأثريين كبار انتهت إلى أن المواصفات الخاصة بالمباني الأثرية متوفرة بالمكان.

قضية قومية
مختار الكسباني أستاذ الآثار الإسلامية ومستشار الأمين العام السابق للآثار المصرية، أوضح أن هناك الكثير من المباني التراثية القديمة بالقاهرة والإسكندرية غير مسجلة كجزء من الآثار المصرية القديمة، كما هي الحال بالنسبة لوكالة العنبريين القديمة، وهو الأمر الذي لا يمكن لوم جهة واحدة عليه كوزارة الآثار، خاصة أن وزارة الآثار لا تستطيع وحدها تحمل تكلفة الترميم.

واعتبر الكسباني -في حديثه للجزيرة نت- أن المشكلة عميقة وتشير إلى غياب الخبرة في التعامل مع قضية مهمة كهذه، لافتا إلى أنه كانت هناك محاولات من وزارة الآثار لتحويل الكثير من المنازل القديمة إلى أماكن تدر عائدا ماديا على الدولة، لكنها واجهت رفضا من قبل ملاك تلك المباني.

ولفت الخبير الأثري إلى أن المشكلة تحتاج إلى إعادة نظر بالكامل في الإجراءات المنظمة لها، وتحويلها إلى قضية قومية مشتركة بين وزارة الآثار والمحليات، حتى لا يتكرر ما حدث بوكالة العنبريين التي أزالتها المحليات تحت سمع وبصر وصمت الجميع.

‎حواجز الحماية المدنية تحيط بالمبنى الأثري بعد هدمه (الجزيرة)
‎حواجز الحماية المدنية تحيط بالمبنى الأثري بعد هدمه (الجزيرة)

سوابق أخرى
لا ينفصل ما تعرضت له وكالة العنبريين عما يجري من إهمال للمباني التراثية في مصر، حيث فقدت مصر 75% من مبانيها التراثية والتاريخية، وفقا لتصريحات سابقة لسمير غريب الرئيس الأسبق لجهاز التنسيق الحضاري.

ويبلغ عدد المباني التراثية في مصر نهاية عام 2018 نحو 6700 مبنى، وفقا لرئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري محمد أبو سعدة.

وتعد محافظة القاهرة أكثر المحافظات التي تذخر بالمباني التراثية، وهي أيضا أكثر المحافظات التي تعرضت لهدم المباني خلال الفترة الماضية.

وكانت أبرز المباني التي تم هدمها "بيت المهندس" التاريخي بشارع سوق السلاح (وسط القاهرة)، الذي تم تشييده في عهد محمد علي منذ أكثر من مئتي عام، حيث تم هدمه عام 2014، رغم كونه الملتقى التاريخي للملوك ورجال الأحزاب في العهد الملكي، وشهد حضور ملوك وملكات أوروبا خلال افتتاح قناة السويس عام 1869.

لا يختلف الأمر داخل محافظة الإسكندرية (شمال القاهرة)، حيث تم هدم فيلا عبود باشا، وهو أحد كبار رجال الدولة بالحقبة الملكية، التي تعود لعام 1912. وفيلا شيكوريل الثري اليهودي التي بنيت عام 1930، وتم هدمها عام 2015.

المصدر : الجزيرة