كابوس الانتحار يتزايد عالميا وعربيا.. ماذا يقول الفلاسفة والعلماء عن سلب الحياة؟

Omran Abdullah - تشهد بلدان عربية أبرزها مصر تزايداً في نسب المنتحرين بحسب تقرير أممي، الجزيرة - سلب الحياة من منظور الفلاسفة.. كابوس الانتحار يتزايد عالمياً وعربيًا
جميع الأديان تدين الانتحار وإزهاق النفس (الجزيرة)

إذا اتبعنا طريقة الفيلسوف والكاتب الفرنسي المولود بالجزائر ألبير كامو في التفكير، فهناك مشكلة فلسفية وحيدة خطيرة حقا وهي الانتحار، والإجابة عن تساؤل هل تستحق الحياة العيش أم لا؟ هي موضوع الفلسفة الرئيسي.

وبعيدا عن إجابة كامو حول "عبثية الحياة" تصبح محاولات الانتحار بشكل متزايد لاسيما بين الشباب أسرارا عائلية لا يحقق فيها ولا يتعامل معها بطرق قد تحمي الآخرين من مواجهة مصير مماثل، في حين يرى أطباء نفسيون موضوع الانتحار أقرب لمجال الصحة النفسية من أسئلة الفلسفة.

وفي تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية تناول الزيادة المخيفة في حالات الانتحار بما في ذلك البلدان العربية، قدرت المنظمة الأممية حالات الانتحار في البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل بنسبة تزيد على الثلاثة أرباع حالات الانتحار عالميا.

الانتحار بالأديان والفلسفة
وبحسب ماثيو شمالز أستاذ الأديان بأميركا فإن كل الديانات السماوية تدين الانتحار، في حين نظر بعض الفلاسفة بتعاطف إلى المنتحرين يأسا من إيجاد معنى للحياة. 

وفي مقال نشر بمنصة كونفرذيشن نقل شمالز اقتباسات يهودية من العهد القديم وكاثوليكية من القديس أغسطينوس والشاعر الإيطالي دانتي أليغري، وحتى الهندوسية والبوذية، وأحاديث لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم تجرم فعل الانتحار وتدينه بشدة.

واعتبر أفلاطون أن الانتحار أمر مشين وأنه يجب دفن مرتكبيه في مقابر لا تحمل شواهد، ورأى أرسطو أن القتل الذاتي الطوعي خطأ في حق الدولة والمجتمع والأعراف الإنسانية، ويبدو في خطاب الفلاسفة القدماء غياب خطاب الحقوق الفردية ورفاهية الإنسان الحر التي أصبحت هاجسا لدى فلاسفة الزمن الحديث.

وجادل الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت من منظور علم الأخلاق في أن الانتحار غير متسق مع الفكرة الإنسانية كغاية، ويقول إن اختيار الانتحار يستلزم اعتبار المرء لنفسه وسيلة لتحقيق غاية، وهو ما يرفضه معتبرا أنه يجب ألا يكون الإنسان مجرد وسيلة، ولكنه غاية في حد ذاته، وحسب كانت فمن غير الأخلاقي الانتحار لإرضاء نفسه.

ويرفض كل من الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز والتجريبي جون لوك حق الأفراد في التخلص من حياتهم الخاصة، ويدعي هوبز في كتابه "اللفياثان" أن القانون الطبيعي يحظر على كل إنسان أن يفعل ما يدمر حياته أو يسلب منه وسائل الحفاظ على نفسه، معتبرا أن خرق هذا القانون الطبيعي غير منطقي وغير أخلاقي.

كابوس الموت
وفي مقالها الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، قالت الكاتبة جين برودي إن وفاة الابن تعتبر بمثابة أسوأ كابوس للوالدين، ويزداد الأمر سوءا عندما يكون ذلك جراء ضرر ذاتي أحدقه الطفل بنفسه. 

وفي السنوات الأخيرة، أضحت هذه المأساة شائعة بشكل متزايد بين الشباب، وتبعا لذلك ينبغي أن يتساءل أولياء الأمور والمعلمون والأطباء والسياسيون عن السبب الذي يدفع الكثير من الشباب لاتخاذ مثل هذه الخطوة وما الذي يمكنهم فعله لمنعهم من ارتكاب مثل هذه الجرائم بحق أنفسهم.

وبحسب ما صرحت به مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة خلال أكتوبر/تشرين الأول، ارتفع معدل الانتحار بين الذين تتراوح أعمارهم بين عشرة و24 عاما بشكل كبير، بنسبة 56% بين عامي 2007 و2017، مما يجعل الانتحار السبب الرئيسي الثاني للموت في صفوف هذه الفئة العمرية، بعد الحوادث على غرار حوادث السيارات.

صحة عقلية
صرحت جين توينجي الباحثة بعلم النفس الاجتماعي في جامعة ولاية سان دييغو ومؤلفة كتاب حول اتجاهات الصحة العقلية بين المولودين منذ عام 1995 قائلة "نحن في مرحلة متقدمة من أزمة صحة عقلية يعاني منها المراهقون والشباب، وهناك الكثير من الأدلة القوية والمتسقة للأعراض التي تكتشف لدى الشباب وسلوكهم على حد سواء". 

وأكدت الكاتبة أنه إلى جانب حالات الانتحار، كانت هناك زيادة تقارب 400% على الصعيد الأميركي في محاولات الانتحار بالتسمم الذاتي بين الشباب منذ سنة 2011.

وأوضح هنري سبيلر مدير مركز السموم في أوهايو -الذي وصف هذا الاتجاه بأنه "مدمر"- أن محاولات الانتحار التي يرتكبها الشباب تضاعفت أربعة أضعاف على مدار ست سنوات، ومن المرجح أن تكون الأرقام المتعلقة بهذه المسألة أكثر من المصرح به.

ولمواجهة تلك المشكلة يجب إنفاق المزيد من الوقت والمال على تحديد الأطفال الأكثر عرضة للخطر، ومساعدتهم على الاستجابة بفعالية لحالات التوتر التي تنتابهم، وتعليمهم ما يمكنهم القيام به عند مواجهة أية أزمة، وفق ما اقترح جون بيكر أكرمان عالم النفس الإكلينيكي ومنسق الوقاية من الانتحار بمستشفى الأطفال الوطني في كولومبوس.

أسباب الانتحار
وأردف أكرمان "فُحص حوالي أربعين ألف طالب لمعرفة ما إذا كانوا يعانون من الاكتئاب، مما نتج عن اكتشاف المئات من الحالات" مشيرا إلى أن سؤالهم عما إذا كانت تساورهم أفكار عن الانتحار أو الموت لا يساهم في زرع هذه الأفكار في عقلهم، بدلا من ذلك، فمن شأن ذلك أن يجعلهم يشعرون بالراحة ويقلل بالفعل من نسبة خطر الانتحار، لاسيما وأن ذلك يساعد الأطفال على التحدث عن هذه المشاعر الصعبة.

وأوضحت الكاتبة أنه على الرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يدرك سبب تنامي الظاهرة بين الشباب، فإن الخبراء يستشهدون بعدة عوامل قد يتمكن الآباء والمدارس وغيرهم من تعديلها أو السيطرة عليها.

ويعزو د. سبيلر الزيادة في محاولات الانتحار إلى حد كبير إلى مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية تواصل المراهقين والشباب مع أقرانهم.

وأضاف أنهم متصلون بالإنترنت على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع حتى أنهم يتوجهون إلى السرير رفقة هواتفهم الذكية، ومن المحتمل أنهم يتعرضون للتنمر الإلكتروني بالإضافة إلى أشياء كثيرة أخرى.

كما اكتشف الباحثون زيادة في محاولات الانتحار خلال أشهر مزاولة المدارس الأولى.

وبينت الكاتبة أن د. أكرمان أشار إلى أن أدمغة الشباب أقل مهارة في التعامل مع المواقف المعقدة، ويعتقد أن مواقع التواصل تلعب دورا مهما في أزمة الانتحار بين الشباب.

لذلك يعتبر أكرمان أن هناك حاجة لمساعدة المدارس في التصدي لها، مضيفا أنه يمكن تدريب الموظفين على تشخيص مثل هذه الحالات.

وأضاف أنه يمكن أن يكون الانتحار نتاج مزيج من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية إلى جانب مشاكل الأسرة والمدرسة التي تتراكم على عاتق الأطفال، في حين أنهم "ليسوا مستعدين بما يكفي لمعالجتها".

وكشفت العديد من الدراسات وجود صلة بين الإنترنت واستخدام مواقع التواصل، ناهيك عن اضطراب النوم بين الشباب التي تتسبب في مجملها بظهور أعراض الاكتئاب على الأطفال والشباب.

ونتيجة لذلك، توصي د. توينجي بتجنب النظر إلى الأجهزة خلال ساعة من وقت النوم، والعودة إلى استخدام المنبه، مؤكدة أن التكنولوجيا لا تمثل بحد ذاتها المشكلة بل طريقة استخدامها. لذلك "ينبغي علينا أن نستخدمها بحذر أكبر".

ورغم أن هذه الدراسة تمت في البلدان المصنفة بأنها "متقدمة" وتشهد أقل من ربع حالات الانتحار فإنها تعطي لمحة عن أسباب الانتحار المتزايد حول العالم، وفي البلدان الأكثر معاناة وتأزما بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية.

المصدر : الجزيرة