كومبارس المغرب.. مبدعون بلا أضواء يلهمون نجوم التمثيل

صورة أرشيفية: عبد الله جاور ممثلين كبار لمدة تزيد عن 44 سنة / المغرب/ مراكش/
صورة أرشيفية من ألبوم ممثل الكومبارس المغربي عبد الله بجوار ممثلين كبار في أحد أعماله الفنية (الجزيرة)

عبد الغني بلوط-مراكش

يعرف عبد الله أسماء المئات من الممثلين والممثلات كما يعرف أبناءه، يتذكر أيضا تدريباته مع زملائه على المواقف الصعبة: ركوب الخيل، أو مواجهة النار، أو الضرب بالسيوف، لكن أغلب الأحاديث التي يتقاسمها معهم تركز على البطالة شبه الدائمة التي يعيشها "فنانو الكومبارس" في واقع مضطرب، وفي ظل غياب أي حماية قانونية أو اجتماعية.

يقول عبد الله -الذي يقترب من إتمام عقده الثمانين- للجزيرة نت كمن يحاكي المثل الفرنسي "يلزمك من كل شيء لتصنع عالما"؛ إن الجميع يقدر دور الكومبارس في كل عمل سينمائي إبداعي.

‪عبد الله يحن إلى الماضي بعد 44 عاما من عمل الكومبارس في السينما المغربية‬ (الجزيرة)
‪عبد الله يحن إلى الماضي بعد 44 عاما من عمل الكومبارس في السينما المغربية‬ (الجزيرة)

صور وذكريات
ووسط بهو مبنى ثقافي بمدينة مراكش، يجلس عبد الله بين زملائه يسترجع أيامه الماضية، يضع سبابته على وجه ممثل عالمي في صورة أرشيفية يظهر فيها هو أيضا بلباسه التقليدي المزركش. صور بين عشرات الصور التي يحتفظ بها في كيس بلاستيكي متين، كمن يريد أن يحمي ذكريات جميلة من الضياع.

يخرج صوته الهادئ من بين لحيته الكثة، وأسنانه التي فقد بعضها، ليقص عليك تفاصيل غريبة في حياة إنسان قضى أكثر من أربعة عقود في عالم السينما المليء بالغرائب، دون أن يكون له نصيب من ضوء كاميرا، أو فقرة في صحيفة، أو صورة في مجلة.

حركاته المتزنة، وتقليده لكبار الممثلين في مشهد كوميدي وآخر درامي، تظهر أنك أمام نجم بلا أضواء.

بدأت صلته بالسينما مبكرا، إذ كان يبيع الساندويتشات خلال الاستراحة بين فيلمي عرض اليوم بجوار قاعة سينمائية. وكان يتسلل ليشاهد لقطات من الفيلم، مما رسخ في ذهنه صورا غرائبية ومشاهد فاتنة عن عالم غريب.

مصدر إلهام
يصل زملاء آخرون إلى البهو تباعا، وتستمر الجلسة الحميمة ذات الشجون، يتابع عبد الله حديثه بنبرة حماسية كمن يلقي تحية عسكرية "الكومبارس يكون مصدر إلهام لكثير من نجوم التمثيل".

يستذكر عبد الله -وقد أعاد جميع صوره الأرشيفية لمكانها- أن أول أجرة تسلمها كانت 120 درهما (12 دولارا ونصف) في اليوم، في حين يقول إن عدد أيام عمله في السنة تتراوح بين 12 و20 يوما.

ويحكي -والحنين إلى الماضي يجتاحه- كيف أن الممثل المغربي المشهور الراحل حسن الجندي عندما عانقه بحرارة بعد انتهاء مشهد مؤثر، في ما يشبه الاعتراف بقيمته الفنية. وهي الحكاية نفسها التي تتكرر مع كل كومبارس بأشكال متعددة.

‪الطيب ومحمد لطيب يؤكدان أن مهنة الكومبارس بلا هوية ولا اعتراف من مسؤولي السينما‬ (الجزيرة)
‪الطيب ومحمد لطيب يؤكدان أن مهنة الكومبارس بلا هوية ولا اعتراف من مسؤولي السينما‬ (الجزيرة)

الاعتراض ممنوع
بعقد عمل أو بدونه، يضطر عبد الله لقبول أدواره في ظل ضعف العرض، وحين تتمعن في العقود تجد أكثرها يتضمن عبارة "التزام الكومبارس بعدم اعتراضه على التصوير".

ويقول الطيب -وهو أيضا كومبارس- إن هذه المهنة بلا هوية وبلا اعتراف من مسؤولي السينما، في حين يشدد زميله عبد الصمد بكثير من الحسرة على أنهم يعملون بدون إنصاف.

يتحسر كل هؤلاء على كون المجال أصبح مرتعا للشللية والمحسوبية، ويتحدثون والأسى يملأ قلوبهم؛ فعدد من الأفلام تصوّر الآن في المدينة أو في الضواحي، لكنهم وجدوا أنفسهم خارج حساب المسؤولين عنها.

‪مسراتي يعتقد أن مهنة الكومبارس تحتاج إلى تقنين‬ (الجزيرة)
‪مسراتي يعتقد أن مهنة الكومبارس تحتاج إلى تقنين‬ (الجزيرة)

احترافية كبيرة
لا أحد يستطيع أن يجادل في رأي عبد الله بخصوص مكانة الكومبارس، كما يؤكد المخرج السينمائي محمد كومان، لكنه ينبه في حديث للجزيرة نت إلى أن دور الكومبارس في الأفلام المغربية يختلف كثيرا عن دوره في الأفلام الأجنبية المصورة في المغرب.

ويشرح بأن الأخيرة تتوفر على ميزانية ضخمة، مما يتيح توظيف عدد كبير منهم والعمل معهم باحترافية كبيرة.

أما حميد مسراتي -الذي يعمل مساعدا للمخرجين في اختيار الكومبارس- فيقول للجزيرة نت "يختلف الأداء العام في هذه الأدوار من شخص لآخر، لكن عبد الله وبوجهه المميز وبشاشته وقدرته على التمثيل، متفوق في مجاله". ويضيف "في العديد من المرات يتحول عبد الله إلى ممثل كامل الأوصاف"، حسب تعبيره.

ويعتقد كومان أن علاقة المخرج والممثل مع الكومبارس يجب أن تبنى على الاحترام، لأن ذلك يدفع الكومبارس لأداء دوره بعمق، ويسهم في إنجاز الفيلم وإنجاحه.

تنظيم وحماية
يقول مسراتي، وهو يظهر ألبوم الكومبارس مرتبا بصورهم وأعمارهم والأفلام التي شاركوا فيها، إن عددهم في مدينة مراكش وحدها نحو ألفي شخص ذكورا وإناثا. ومثل ذلك في مدينة ورزازات التي يوجد فيها أستوديو للتصوير.

ويضيف أن هؤلاء بحاجة للانضمام لمؤسسة تدافع عنهم، كما أن هذا الميدان يلزمه وضع قوانين تنظيمية.

أما كومان فيشدد على أن مزاولي هذه المهنة بحاجة للتأهيل المستمر لتطوير إمكاناتهم وتفاعلهم مع صناعة المشهد السينمائي، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة تقنين المجال وحمايته من الوساطة والسماسرة وحماية حقوق هؤلاء والاعتناء بهم من التهميش والمعاملة غير اللائقة، وتطوير إمكاناتهم وتفاعلهم مع صناعة المشهد السينمائي.

وتشهد مدينة مراكش وضواحيها تصوير عدد من الأفلام المغربية والأجنبية، وتعد الوجهة الأولى لعدد من الأفلام في المغرب، لما يوجد بها من مناظر طبيعية بتضاريس متنوعة، ولحسن استقبال الأهالي -بتعبير مسراتي- كما يمكن أن تنتقل من مناخ شبه صحراوي إلى مناخ بارد وبارد جدا في مدة لا تزيد على الساعة.

المصدر : الجزيرة