"لا تتركني".. فيلم بوسني عن معاناة أيتام سوريا بتركيا

بوستر فيلم لا تتركني للمخرجة البوسنية عايدة باجيك
فيلم "لا تتركني" للمخرجة البوسنية عايدة باجيك يصور معاناة الأيتام السوريين في تركيا عبر قصص تمزج الدراما بالواقع (الجزيرة)

خليل مبروك-إسطنبول

تجرد المخرجة البوسنية عايدة باجيك الأحاسيس الإنسانية من أغلفة السياسة والتاريخ واللغة، لتثبت أن جميع البشر يتمسكون بالأمل والحب بالطريقة ذاتها، تماما كما يتشابهون جميعا في طريقة إحساسهم بالألم.

وصلت باجيك إلى تلك الخلاصة بعد عام ونصف العام من عملها في فيلم "لا تتركني" الذي ستفتتح به غدا السبت شاشات مهرجان أنطاليا الدولي الذهبي للسينما في تركيا بدورته 54 بمشاركة أفلام عالمية.

وتصور المخرجة في الفيلم معاناة الأيتام السوريين في تركيا عبر قصص تمزج الدراما بالواقع الذي لا يعترف بالفوارق بين معاناة البشر؛ بوسنيين وأتراك وعرب وصينيين، كما تقول.

ففي الفيلم يتمسك الطفل عيسى الدملخي بحب مدينة حلب التي رحل عنها جريحا في انفجار قتل فيه والده، وأصيب هو بجروح بليغة نجا منها بأعجوبة، وتم نقله بعدها لتركيا، حيث كتبت له فيها حياة جديدة مع أشقائه الأربعة وأختهم؛ وأصبحوا أيتاما ولاجئين.

أما أحمد حصرم، ذو الأعوام العشرة، فلا زال يتمسك بأمل عودة أبيه الذي اختفت آثاره في الحرب الدائرة بسوريا، وهو ما حاولت باجيك إبرازه في الفيلم الذي تم تصويره في ولاية شانلي أورفا (جنوب تركيا).

تصوير خارجي لأحد مشاهد فيلم
تصوير خارجي لأحد مشاهد فيلم "لا تتركني" في شانلي أورفا بتركيا(مواقع التواصل)

ومن بين ممثلي الفيلم رضيع كان عمره شهرين فقط، وقتل والداه في الحرب، فاصطحبه أقرباؤه لتركيا، ليعيش حياته الجديدة في مخيم اللاجئين.

واقعية ودراما
يعيد الأطفال الثلاثة تمثيل مشاهد ما كابدوه من معاناة كأنهم يجيبون على سؤال المخرج الروسي الرائد سيرغي أيزنشتاين: "لماذا نستخدم الممثل ليتقمص شخصية الفلاح في الوقت الذي يمكننا فيه أن نخرج ونصور الفلاح الحقيقي؟"

ويحول سيناريو الفيلم قصص الأطفال السوريين لأدوار بطولة ما كانت لتنضج لولا العشرات من ورش العمل والدورات التي خضع لها الممثلون لإدخالهم الأجواء الدرامية.

ولم تتوقف حكاية تمثيل الواقع عند الأطفال السوريين الأيتام، فقد شاركهم الأدوار آباء أتراك فقدوا أبناءهم بطرق مختلفة، ليلتقي الأيتام والثكالى على صعيد واحد في تبادلهم المشاعر الإنسانية القاسية.

يتضمن فيلم "لا تتركني" حوارات يؤديها تفاعل نحو مئة ممثل من 13 بلدا منحوا الفيلم الواقعي أحاسيس إنسانية عابرة للحدود، ويسط الفيلم الضوء على دور الأطباء الأتراك الكبير في إنقاذ حياة آلاف الجرحى من اللاجئين السوريين، كما تسجل مخرجته الشكر لتركيا على استضافتها ملايين اللاجئين.

المخرجة عايدة باجيك تتحدث إلى الأطفال السوريين الذين يمثلون في فيلم
المخرجة عايدة باجيك تتحدث إلى الأطفال السوريين الذين يمثلون في فيلم "لا تتركني"(مواقع التواصل)

ويتطرق الفيلم لجوانب من الحياة الجميلة بمقاطعة شانلي أورفا التي تصفها المخرجة بأنها من أجمل بقاع الأرض. وقالت باجيك في حوار صحفي "أعددت الفيلم في أرض يتكلم الناس فيها لغتين، لكنهم يعيشون كيانا واحدا، هذا أعاد لي الأمل في الإنسانية وبقدراتنا على تحطيم الحدود بيننا إن أردنا ذلك".

ولفتت النظر في حديثها لمواقف السياسيين الغربيين ودورهم في الأزمة وهم يلقون الخطابات دون أن يفعلوا شيئا لوقف نزيف الدم السوري، ودون حل قضية الهجرة واللجوء وغير ذلك من تداعيات الحرب، وتطرقت المخرجة أيضا لقضايا اجتماعية سياسية عابرة للحدود منها قضية تنامي الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد المسلمين.

ويبدو التأثر بحرب البوسنة (1992-1995) جليا في تعبيرات المخرجة باجيك، وفي توجهاتها الدرامية، فقد سبق لها أن قدمت ثمانية أفلام تعالج أجواء اجتماعية نجمت عن حرب البوسنة، منها فيلما "الثلج" و"أطفال سراييفو".

وسبق لباجيك (46 عاما) أن نالت جوائز عالمية دولية من مهرجانات متخصصة بالسينما، أبرزها الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي، كما عملت محاضرة بقسم الإخراج بأكاديمية سراييفو الجامعية منذ 17 عاما، وهي الآن رئيسة القسم.

المصدر : الجزيرة