رسالة تعيد للواجهة معاناة الفنانين بالجزائر

المخرج المسرحي الجزائري محمد شرشال رفقة الناقد المسرحي عبد الحليم بوشراكي
الفنان الجزائري محمد شرشال (يمين) يعاني في صمت والناقد عبد الحليم بوشراكي يطالب وزير الثقافة بالتدخل (الجزيرة)

ياسين بودهان-الجزائر

أعادت رسالة وجهها ناقد مسرحي جزائري إلى وزير الثقافة عز الدين ميهوبي -يطالبه فيها بالتدخل لمساعدة فنان مسرحي يعاني أوضاعا اجتماعية وصحية صعبة- الجدل بخصوص الوضعية الاعتبارية للفنانين الجزائريين الذين يعانون في ظل تردي أوضاعهم الاجتماعية والمهنية.

ونيابة عمن سماهم "أحرار المسرح والفكر والثقافة في الجزائر" ناشد الأكاديمي والناقد المسرحي عبد الحليم بوشراكي وزير الثقافة في رسالته التفاتة إنسانية للفنان المخرج محمد شرشال بعد إصابته بأزمة قلبية حادة.

ورغم أن محمد شرشال (52 عاما) يعد أحد المخرجين المقتدرين بالجزائر حسب شهادة بوشراكي فإنه "لاقى صنوفا شتى من التهميش والإقصاء لا يمكن لأحد تخيلها"، فعلى الرغم من تخرجه "قبل 15 عاما من المعهد العالي للفنون المسرحية بالجزائر فإنه حرم من منصب عمل مستقر يحفظ كرامته وكرامة عائلته".

وبرأيه، فإن "الرجل يدفع ثمن مواقفه"، ومع تراكم الخيبات والخذلان ولأنه في عمر الـ52 عاما من دون دخل ولا تأمين فإن قلب الفنان "لم يتحمل كل هذا الضغط والممارسات غير السلمية والبعيدة عن المسرح والأخلاق والإنسانية، وهو الآن طريح الفراش يصارع الألم وحده".

عقباوي الشيخ: الفنان الجزائري يعيش وضعية غير مستقرة(الجزيرة)
عقباوي الشيخ: الفنان الجزائري يعيش وضعية غير مستقرة(الجزيرة)

أزمة الفنان
وخاطب بوشراكي الوزير ميهوبي قائلا "هل تتنقل من الجزائر إلى تونس لتعزية شاعر ندعو له بالرحمة ولا تستطيع أن تدق باب فنان جزائري طريح الفراش؟".

ولأن أزمة شرشال هي صورة عن واقع مر يتقاسمه الكثير من الفنانين الجزائريين فقد بين بوشراكي أن موقفه ليس تعاطفا مع شخص شرشال في حد ذاته، ولكن هو تعاطف مع أزمة وواقع الفنان الجزائري الذي يعيش ظروفا مزرية.

ورغم أن الحكومة صادقت على قانون متعلق بالحماية والخدمات الاجتماعية للفنان في التاسع من يناير/كانون الثاني 2014، وهو القانون الذي يمكن الفنانين من الحصول على بطاقات مهنية تسمح لهم بالانخراط في الضمان الاجتماعي والحصول على تأمين مع ترقية مصالحهم المهنية والاجتماعية إلا أن أوضاع هؤلاء تراوح مكانها.

وفي تقدير بوشراكي أن "قانون الفنان ليس امتيازا أو لعبة سياسية، ولكن هو اعتراف أعمق بدور ومكانة الفنان مجتمعيا".

واللافت أن حالة شرشال ليست سابقة أو شاذة، فالمشهد الثقافي الجزائري عايش الكثير من الحالات الإنسانية المزرية لكبار الفنانين الذين ماتوا في صمت على الرغم مما قدموه للثقافة الجزائرية بمختلف صنوفها، على غرار الممثل يحيى بن مبروك، والممثل الملقب بأسد السينما الجزائرية سيد علي كويرات الذي مات في المستشفى وحيدا بعد صراع طويل مع المرض.

الحكومة الجزائرية صادقت قبل نحو عامين على قانون يتيح للفنانين الحصول على بطاقات مهنية تسمح لهم بالانخراط في الضمان الاجتماعي والحصول على تأمين مع ترقية مصالحهم المهنية والاجتماعية

غياب القانون
ويقول مدير مركز الهيئة العالمية للمسرح بالجزائر عقباوي الشيخ إن الفنان الجزائري يعيش وضعية غير مستقرة، حيث يفتقد أولويات العيش الكريم، وهذا مرده إلى غياب قانون للفنان يحدد حقوقه القانونية، ويجعل الفن كباقي المهن، له تعريفه وخصوصياته الاجتماعية والسياسية.

فمنذ استقلال البلاد -يوضح عقباوي الشيخ- "لم يكن ضمن أجندة المشرع الجزائري تقديم اقتراح في هذا الشأن، واعتماده والمصادقة عليه"، وذلك "لعدة اعتبارات يتقاسمها الفنانون بدورهم مع الجهات السياسية والإدارية"، فالطرف الأول "لم يقم بالضغط اللازم لتحقيق هذا التوجه، والطرف الثاني لم يقدم أي مبادرات جادة لمناقشة مواضيع ذات صلة بوضعية الفنان في قبة البرلمان بغرفتيه".

واعتبر أن ما يقدم اليوم على أساس أنه إنجاز في هذا المنحى لا يرقى إلى طموح الفنانين، ولا يترجم حقيقة ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، فعندما يشكل مجلس أعلى للثقافة والآداب والفنون لتقديم بطاقات للفنانين بهدف ضمان التأمين الصحي للفنانين فإن هذا غير كاف على الإطلاق "لإنقاذ هذه الفئة الفاعلة في المجتمع، والحفاظ على ماء وجهها أمام التقلبات الاقتصادية المتواصلة".

المصدر : الجزيرة