صناعة الآلات الموسيقية حرفة تصارع الزوال بالجزائر

آلات موسيقية من صنع الجزائري محمد بلبيض تصوير ياسين بودهان الجزيرة نت
آلات موسيقية من صنع الجزائري محمد بلبيض (الجزيرة نت)

ياسين بودهان-الجزائر

في محله العتيق بالحي القديم المسمى "السويقة" وسط مدينة قسنطينة الجزائرية، يسعى محمد بلبيض إلى الحفاظ على حرفة "صناعة الآلات الموسيقية" التي توارثها أبا عن جد، رغم ما يواجهه من متاعب في سبيل ذلك.

ورغم أن قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لعام 2015، والتي تزخر بتراثها الموسيقي المتنوع الذي يعد "المالوف" أحد أبرز سماته، فإن عدد ممتهني حرفة صناعة الآلات الموسيقية التي تستعمل في هذا النوع من الغناء لا يتجاوز أصابع اليدين.

الجزيرة نت زارت قسنطينة (430 كيلومترا شرق الجزائر العاصمة)، والتقت الحرفي محمد بلبيض المرابط يوميا بمحله العتيق بحي السويقة، من أجل الحفاظ على هذه الحرفة التي يرى فيها إرثا عائليا وجب التمسك به، والحفاظ عليه، رغم ما يواجهه من تحديات في سبيل ذلك.

وقال بلبيض إن قصة العشق التي تربطه مع هذه الآلات فصولها قديمة، وبدأت حينما كان طفلا صغيرا، ومن خلال ملازمته جده بن ناموس الذي كان من أشهر صانعي الآلات الموسيقية بالمدينة.

وبيّن أن الآلات التي تشتهر بها موسيقى المدينة تختلف عن تلك التي تستعمل في مناطق أخرى من الجزائر، ومن بين الآت المشهورة بالمنطقة العود العربي الأصيل، وآلات الإيقاع المسماة "الدربوكة" والنقارات والكمان و"الفحل"، التي تسمى أيضا "الجواق".

‪صانع الآلات الموسيقية بالجزائر محمد بلبيض في ورشته‬ (الجزيرة نت)
‪صانع الآلات الموسيقية بالجزائر محمد بلبيض في ورشته‬ (الجزيرة نت)

خطر الزوال
وعن واقع هذه الحرفة وممتهنيها اليوم مقارنة مع السابق، أكد أن الحرفة كانت تمارس سابقا من قبل الشيوخ المعروفين في المدينة بأداء موسيقى المالوف أيضا، فهم الذين يقومون بصناعة آلاتهم الموسيقية، وهم من يقومون أيضا بإصلاحها.

ولكن اليوم -بكل أسف- تواجه هذه الحرفة خطر الزوال، ليس في مدينة قسنطينة فحسب، بل على مستوى الجزائر ككل، والسبب في ذلك المشاكل التي تواجه الحرفيين الذين أصبح عددهم قليل جدا، ولا يتجاوز على مستوى البلاد أصابع اليدين.

وسجل جملة من المشاكل التي يعاني منها، أهمها ندرة مادة الحطب التي تستعمل في صناعة مختلف الآلات الموسيقية العربية الأصيلة، فالخشب الذي تصنع منه أغلب الآلات يجب أن يكون قديما، ومخزنا لمدة تقارب ستين عاما، حتى يكون جافا جدا، ويساعد على صناعة آلة تساعد على تقديم أداء موسيقي راق.

وبيّن أن هذا النوع من الحطب نادر، ومن الصعب الحصول عليه، وأن استعمال الحطب الجديد لا يعطي نتائج جيدة.

وأوضح أن سعر الحطب القديم يصل المتر المربع الواحد منه إلى أكثر من 1300 دولار، وأن سعر العود العربي الأصيل المصنوع من هذه المادة يصل إلى نحو سبعمئة دولار، في حين لا يتجاوز سعر نفس العود المصنوع من الحطب الجديد نحو 160 دولارا.

‪رزيوق‬ (يمين) يؤكد أن هذه الحرفة لم تعد مصدر رزق بل مجرد مهنة إضافية(الجزيرة نت)
‪رزيوق‬ (يمين) يؤكد أن هذه الحرفة لم تعد مصدر رزق بل مجرد مهنة إضافية(الجزيرة نت)

ندرة الحطب
ورغم الشكوى المتكررة للمسؤولين الذين وعدوه بالحصول على محل لائق لتعليم هذه الحرفة للجيل الجديد من الشباب، فإن تلك الوعود -حسب قوله- لم تتحقق حتى الساعة.

من جانبه، يؤكد الحرفي رزيوق عمار أن هذه الحرفة لم تعد كما في السابق مصدر رزق، بل باتت مجرد مهنة إضافية، وفق تعبيره.

وأوضح أن تسويق الآلات الموسيقية أمر صعب جدا، بسبب المنافسة الشرسة للمنتجات الآسيوية التي تباع في الأسواق الجزائرية بأثمان زهيدة، كونها منتجات غير أصلية، ونوعيتها رديئة.

كما أن المشاركة في بعض المعارض الفنية -على قلتها- تجعله يضطر إلى دفع مبالغ من ماله الخاص من أجل نقل مختلف الآلات الموسيقية إلى مكان إقامة المعرض، دون أن يحصل على تعويض مادي نظير جهده.

المصدر : الجزيرة