"هواء جدير بالقراءة".. لغتان في احتضان الديوان

الشاعر شريف الشافعي وديوان "هواء جدير بالقراءة"
الديوان يمثل الإصدار السابع ضمن إصدارات الشاعر شريف الشافعي (الجزيرة)

يمثّل ديوان "هواء جديرٌ بالقراءة" الإصدار السابع في مسيرة الشاعر المصري شريف الشافعي، إذ يشتمل على 71 مقطعًا شعريًّا مكثفًا، ترجمتها إلى الفرنسية الشاعرة المصرية المقيمة في كندا، منى لطيف.

ينشغل التعبير الشعري في المقاطع بمحاولة أن تكون اللغة هي ذاتها "ماهية" ما تقوله، وليست رصدًا أو وصفًا لما تتناوله الكلمات. وهنا، تتعرى لغة قصيدة النثر من صور الزينة، بما فيها الإيقاع الظاهري، وحليّ المجاز، مستندة إلى الاختزال الشديد، والتجريد، والشعرية الخام، والتصالح التام مع الذات، لتفصح عن الحالة البريئة الطازجة (كما هي)، وليس بالحكي عنها. ويقول الشاعر في أحد المقاطع: "قولوا ما تتمنون، عن البرد/ سأصفه بكلمة واحدة، ترتجف".

غلاف الكتاب -الذي أصدرته دار "لارماتان" في باريس- جاء فرنسيًّا في حروف عنوانه وعباراته المثبتة عليه، ومصريًّا في لوحته الفنية التي صممتها مي شريف (طالبة عمرها 14 عامًا).

وكما تليق القراءة بهواء أصلي لم يتم تصنيعه ولا تدويره، فإن غيابًا جزئيًّا أو تامًّا قد يكون حماية من عالم يتلون كثيرًا، ويتبدل من حال إلى حال. الحياة وقتئذ هي التلاشي، والتمزق هو التحقق، والغياب هو الكمال. يقول: "التي مزّقتْ أصابعَها، رسمتْ بعضَ ملامحي/ والتي مزّقتْ لوحتها، رسمتني كاملاً".

وتحت أية حال، يبقى دائمًا النظر إلى الصدق بوصفه منجاة، أو فهو أقل الخسائر حتى إن أتى بفضيحة. يقول: "الأقبحُ من العوراتِ المفضوحةِ/ إصرارُ البعضِ على أن يكونوا: أوراقَ توتٍ". أما الموت، فإنه لا يعني شيئًا إلا إذا كان موتًا للفكرة. يقول: "لا خوفَ من الموت كفكرة/ الخوف من موتِ الفكرة".

‪‬ منى لطيف ترجمت ديوان شريف الشافعيإلى الفرنسية(الجزيرة)
‪‬ منى لطيف ترجمت ديوان شريف الشافعيإلى الفرنسية(الجزيرة)

شاعرة تُترجم لشاعر
ويرى البعض أن انقشاع الظلام على نحو ما، ليس له من معنى غير حلول ضوء ما، بشكل من الأشكال، غير أن ديوان "هواء جدير بالقراءة" للشافعي يطرح في أحد مقاطعه أن الظلام قد لا يرثه إلا ظلام، حتى إن لم يكن بلون السواد.

يقول: "البهجة الكبرى/ بصرفِ العفاريتِ اللعينةِ من المنزل/ لا يجب أن تنسينا/ أن ألف دجّالٍ على الأقلّ/ صارت معهم مفاتيحُ كلِّ الغرف".

وأبسط تجليات الـ"هي" في النص، وأقربها إلى العذوبة، صيغة الأنثى، التي منها هو يأتي، وإليها يعود، وبدونها لا يكون: "بيتي لا يتهدَّمُ أبدًا/ بيتي هو أنكِ تسكنينني". تلك هي حالة الكلام، التي لا يجدي فيها الكلام: "ومن عذوبة كلامي فيكِ/ أبتلعهُ، ولا أقوله". تلك هي الرحلة التي تبتدع كل شيء، حتى الطريق: "رحلتي إليكِ أنجبتْ قدمي/ ومصافحتي إياكِ أنتجتْ يدي".

يُذكر أن الشاعر شريف الشافعي من مواليد 1972، صدرت له في الشعر دواوين: "بينهما يصدأ الوقت" (1994)، "وحده يستمع إلى كونشرتو الكيمياء" (1996)، "الألوان ترتعد بشراهة" (1999)، "الأعمال الكاملة لإنسان آلي1/ البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية" (ثلاث طبعات: 2008، 2009، 2010)، "الأعمال الكاملة لإنسان آلي2/ غازات ضاحكة" (2012)، "كأنه قمري يحاصرني" (2013).

أما المترجمة والشاعرة منى لطيف، فقد صدر لها أكثر من ديوان في مصر بعد ترجمته إلى العربية، منها "ابتهالات" (دار الهاني، 2009)، و"عنبر وضياء" (المركز القومي للترجمة، 2012). وصدر لها بالفرنسية: "عطر الحرية"، و"لحظة.. يا آن"، وأعمال أخرى.

المصدر : الجزيرة