أدباء سوريون بين منفيين في ألمانيا

مؤسسة هاينريش بول الثقافية الألمانية
undefined

فاتنة الغرة-هاينرش بول
 
تستضيف مؤسسة هاينرش بول الألمانية حاليا عددا من المبدعين السوريين والفلسطينيين المقيمين في سوريا، الذين أجبروا على المنفى فكانت بعض المدن الألمانية الوطن البديل الذي نجوا فيه بكتاباتهم بعيدا عن الحرب التي تأكل الروح قبل الجسد.
 
عدد من هؤلاء -ممن استاضفتهم المؤسسة- لم يستطيعوا كلهم الكتابة عن تجربتهم، فقد اعتذر الشاعر والناقد خضر الأغا عن المشاركة، حيث يشعر بأن لا شيء لديه يقوله، وهو ما قاله أيضا الشاعر دارا عبد الله والذي أوضح أن الحال لا تحفز على الكتابة وأن لا شيء يقوله أيضا.
 
بين الحرب والمنفى يجد الكاتب السوري نفسه الآن معلقا كما وجد الكاتب الفلسطيني وفق تعبير الشاعر الفلسطيني السوري رائد وحش، حينما يقارن بين الحالتين فيقول إن "ما حدث في سوريا جعلني أعاين الدراما الفلسطينية التي تكبر، على اعتبار أن ما يجري في سوريا هو صورة مكبرة، زمانيا ومكانيا لمأساة فلسطين في سيناريو أشبه باللعنة".
 
‪رائد وحش: ذاكرة الآباء عن اللجوء والمنفى أصبحت واقعا لدى الأبناء‬ (الجزيرة)
‪رائد وحش: ذاكرة الآباء عن اللجوء والمنفى أصبحت واقعا لدى الأبناء‬ (الجزيرة)

الحرب والمنفى

ويضيف صاحب ديوان "عندما لم تقع الحرب" أنه سمع حكايات الحرب كثيرا من قبل، كما سمع حكاية اللجوء من قبل، وهو يراها الآن تتجسد أمامه، حيث بات يعيش -كما يقول- في لحظة استثنائية أصبحت فيها ذاكرة الآباء واقعا لدى الأبناء.
 
أما الشاعر والناقد السوري محمد المطرود -الذي جاء مع عائلته الصغيرة إلى ألمانيا- فيقول "نحن الذين استطعنا بأعجوبة النفاذ من الحواجز الكثيرة وبراياتها المختلفة وضربنا الحدود ليلا لنتنقل بين أكثر الأمكنة، الأقل وطأة من وطن صار وطنا عاطفيا لا مكانياً" فالوطن صار فكرة أكثر منه مكان بحدود جغرافية.
 
وعن فكرة العزلة التي يعشونها والفرصة التي تتيحها للكتابة يرى صاحب "سيرة بئر" أن حالة المنفى باعتبارها لا تزال طازجة والتواصل مع المشهد السوري لا يزال بالحرارة والالتصاق ذاتهما، لا يشعر الواحد أنه غادر كليا، بل ربما لن يشعر أنه غادر، وهذا بحد ذاته مضاعفة لحالة المنفى، حيث المكان حاضر تماما ولكن الخلل في الزمان فقط.

ويوضح المطرود أنه في المكان الجديد (هاينرش بول) -بيت الشاعر المناهض للنازية والحائز على جائزة نوبل- تشعر أنك "في عزلة الكاتب، العزلة التي يتمناها، عزلة صادمة في البدء" وأن الذين جاؤوا بكل القلق والأزمة كانوا بحاجة إلى صوت أعلى يخرس الأصوات المتصارعة في داخلهم، في البدء.

فيما بعد -كما يقول المطرود- حصل التعايش مع طبيعة يفرضها المكان وطبيعة أخرى لا سيما في غياب الرقيب الذي أمسك جمجمة الكاتب والمبدع وغيبها، أما الكتابة في بلد غير البلد الأصلي(سوريا) مختلفة بالضرورة.

رائد وحش:
كل عربي هو منفي ولاجئ ونازح، حتى في الوقت الذي كان فيه السلام في أوج زيفه

غربة الداخل
ولا تحضر الكتابة لدى وحش الآن كما كان متوقعا، حيث الهم الأكبر هو متابعة ما يحدث للأهل والأصدقاء في سوريا وخاصة في مخيمه خان الشيح، رغم أنه أصدر ديوانا عن الحرب حينما كان يعيش تحت رحاها إلا أنه حينما ابتعد عن دوي القذائف والبراميل المتفجرة صار الوطن بالنسبة إليه قلقا أو كما عبر عنه بقوله "كلما كثر الشهداء قلّ الوطن".

أما أحد أهم شروط الكتابة من وجهة نظر المطرود فهي "توفر الحرية والوقت والطمأنينة"، والقول إن الكتابة وليدة معاناة هو أمر لاحق للشرط، فلايمكن -كما يقول- "أن نكتب ونحن ننتظر نزول برميل متفجر، يمكن الكتابة عن هذا البرميل المتفجر فيما بعد أي في غياب السبب الميكانيكي الذي يمنع ويحول دون إفراغ الشحنة العاطفية.

وينظر وحش -ككاتب يعيش لجوءا مزدوجا- إلى اللاجئ كخلاصة للعربي، "فكل عربي هو منفي ولاجئ ونازح، حتى في الوقت الذي كان فيه السلام في أوج زيفه، بفارق أن اللاجئ الفلسطيني منفي لأسباب واضحة: احتلال واقتلاع وتشريد، بينما العربي موجود في مكانه دون أن يكون موجوداً فعلاً"،

ويرى وحش أن ما كشفته الثورات حقيقة، أنه فجأة وجد الجميع -والمبدع أولهم- أنفسهم في مصير فلسطيني جماعي، كأن الفلسطيني سابقا هو الاسم الحركي للعربي دائما.

يذكر أن هاينرش بول -المولود في مدينة كولونيا الألمانية عام 1917- يعتبر أحد أعظم الأدباء الذين أنجبتهم ألمانيا على مر التاريخ، فهو الذي سجل اسمها على لائحة الفائزين بجائزة نوبل للآداب مع غونتر غراس، وهو الذي جعل الأدب الألماني يخترق الحدود عن طريق ترجمة رواياته العالمية إلى مختلف اللغات، وتحويلها إلى أفلام سينمائية عالمية، لاقت نجاحاً لا نظير له.

وكانت المؤسسة هاينرش بول قد استضافت سابقا من العالم العربي الشاعر البحريني قاسم حداد وزوجته الشاعرة موزة الشعلان ومن العراق الروائي برهان شاوي والشاعر سركون بولص والروائي على بدر.

المصدر : الجزيرة