الناشر الليبي الخراز.. عقود من التنوير

الشعالي الخراز( يسار) بالمركز الثقافي المصري إبان الخمسينيات من القرن الماضي ( الجزيرة نت).
undefined

خالد المهير-بنغازي

 
سبعة عقود قضاها الناشر الليبي الشعالي الخراز بين أكوام الكتب والمجلات بثاني أقدم مكتبة في بنغازي، وهي مكتبة الوحدة العربية بشارع عمر بن العاص، وحتى آخر أيامه وهو يصارع المرض وتقدم السن (70 عاما) واظب الراحل يوميا على الإشراف بنفسه على توزيع المطبوعات الليبية والعربية والدولية على أكشاك ومكتبات المدينة.
 
لم يُفرق بين الخراز والكتب والثقافة سوى الغيبوبة التي دخل فيها وغرفة العناية المركزة بمركز بنغازي الطبي والموت هذا الأسبوع "حتى إن الغبار سرعان ما غطى أبواب المكتبة".
 
وبدأت علاقة الخراز بالكتب والمعرفة من خلال عمله بالمركز الثقافي المصري في خمسينيات القرن الماضي، وما إن توطدت علاقاته بالناشرين المصريين حتى سارع إلى افتتاح مكتبته، وأصبح من أقدم الناشرين الليبيين.

استعداه نظام القذافي، وصادر أملاكه ومكتباته مع هجوم العقيد الراحل معمر القذافي على الثقافة والمثقفين مطلع الثمانينيات، لكنه لم يرتح له بال إلى أن استرد أغلب أملاكه في أواخر التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة.

‪مكتبة الوحدة العربية ببنغازي لصاحبها الخراز أقفلت أبوابها بعد رحيله هذا الأسبوع‬ (الجزيرة)
‪مكتبة الوحدة العربية ببنغازي لصاحبها الخراز أقفلت أبوابها بعد رحيله هذا الأسبوع‬ (الجزيرة)

مشروع معرفة
يقول ابنه حسام الخراز -وهو أستاذ هندسة في إحدى الجامعات الأميركية- خلال زيارة الجزيرة نت لبيت العائلة في بنغازي، إنه استفاد من تجربة والده في مجال الكتب والمعرفة، وقال إنه كان ينصح من يود الدخول إلى هذا العالم بأنه لن يستفيد منه إذا وضع في حسبانه الربح والخسارة، مؤكدا أن والده كان مشروع ثقافة ومعرفة، وليس مشروع تجارة.

ويحكي حسام أن والده الراحل كان يأخذهم في إجازات الصيف إلى مخازن الكتب بدلا من اللعب في الشوارع، وأنه غرس فيهم حب الاطلاع والقراءة، وقد رفض شخصيا في أكثر من مناسبة تحويل المكتبة إلى محل تجاري أو تأجيرها لأغراض أخرى.

ويشير إلى عادة يومية كان يقوم بها والده بتوزيع الصحف والمجلات على جميع أفراد العائلة يوميا عند رجوعه من المكتبة الواقعة عند ناصية شارع أسنيدل وسط بنغازي، وهي من الجيل الثاني للمكتبات في المدينة بعد مكتبة أبوقعيقيص في سوق الحدادة ومكتبة غوقة.

ويعتبر الكاتب والقاص رمضان بوخيط في حديثه للجزيرة نت استمرار المكتبة طيلة العقود الماضية إنجازا وطنيا وتاريخيا وتحديا كبيرا لرجل عصامي مثل الخراز، على حد تعبيره.

ويؤيد هذا الرأي الفنان التشكيلي صالح بن دردف الذي عاصر دور المكتبة في نشر الوعي والثقافة، ويقول للجزيرة نت إنها كانت قبلة لجميع الكتاب والمثقفين، مؤكدا أن رحيل صاحبها عن الدنيا "خسارة كبيرة" للمثقف والقارئ الليبي.

‪‬ المخرج الليبي أحمد بورقيد: يتذكر كيف كان يقف في طوابير أما مكتبة الخراز للحصول على مجلته المفضلة(الجزيرة)
‪‬ المخرج الليبي أحمد بورقيد: يتذكر كيف كان يقف في طوابير أما مكتبة الخراز للحصول على مجلته المفضلة(الجزيرة)

نقطة توزيع
ويتذكر الباحث مراد الهوني أنه كان يحصل على مجلات "السوبرمان" و"الوطواط" و"لولو" مجانا من عمه الخراز، كما يحب وصفه، ويقول للجزيرة نت إنه كان يحب من يشاركه رغبة القراءة.

ويتحدث الهوني عن دور الخراز في خدمة الثقافة بجهوده وإمكانياته المتواضعة التي ظلت لسنوات تتحدى الأوضاع الصعبة في ليبيا، واصفا عمله في المكتبة بغير المسبوق، وقد  تحولت إلى نقطة توزيع لأهم الجرائد والمجلات والكتب العربية والأجنبية، منها المجلات اللبنانية "الحوادث" و"الكفاح العربي" و"الموقف العربي".

ويشير الهوني إلى مقالة للكاتب عبد السلام الزغيبي قال فيها إن مكتبة الخراز كانت توزع صباح كل يوم جريدة "الحقيقة" الشهيرة، إلى جانب توزيعه صحيفتي نيوزويك وتايم الأميركيتين. ويقول الهوني إن مجهودات الخراز "عظيمة وعملاقة "ويحسب له أنه كان في يوم من الأيام مصدر إشعاع. ولا يستبعد الباحث الليبي أن يكون الراحل هرّب الكتب السياسية والثقافية إلى ليبيا أيام حكم القذافي، وذلك في سبيل خدمة الثقافة.

يتذكر المخرج التلفزيوني أحمد بورقيد -الذي يسكن على ناصية شارع مكتبة الوحدة العربية- في حديث للجزيرة نت كيف كان يقف في طوابير الأطفال الصغار منتصف الستينيات للحصول على مجلات "ميكي" و"السندباد"، بينما تقف النساء لشراء مجلة المرأة التي ترأسها آنذاك الكاتبة المرحومة خديجة الجهمي، والرجال في طوابير طويلة لشراء صحيفة "الحقيقة"، مشهد الطوابير الباحثة عن المعرفة والحقيقة قال إنه لم يشاهده في عهد القذافي طيلة 42 عاما.

المصدر : الجزيرة