الفن ووسم الإسلام بالإرهاب

حلمي القاعود مع اعتماد الاقتباس التالي: صورة المسلم "الإرهابي" في الأعمال الفنية المصرية والعربية جاءت أشد بشاعة من الصورة التي تصنعها هوليود والعواصم المعادية للإسلام والمسلمين
undefined
حلمي القاعود
 
من منطلق مواجهة ما يسمى الإرهاب، سوغ بعضهم، وخاصة في المجال الفني الإساءة إلى الإسلام وتشويه صورته والسخرية من علمائه، والرغبة في القضاء عليه، ليعيش المجتمع آمنا مطمئنا، دون أن يذكر العوامل الحقيقية في نشوء الإرهاب ونموه داخل مجتمع عرف على مدى تاريخه بالطيبة والتسامح إلى درجة التفريط أحيانا في حقوقه، إيثارا للسلامة.

وقد جاءت صورة المسلم الإرهابي في بعض الأعمال الفنية المصرية والعربية أشد بشاعة من الصورة التي تصنعها هوليود والعواصم المعادية للإسلام والمسلمين، لا مكان فيها للمسلم الطيب المسالم، الذي يتم حرمانه من الحرية والكرامة والأمل والتعبير عن عقيدته وتطبيق شريعته والمشاركة في مسيرة الإنسانية بالعلم والعمل والابتكار!

بعض الأعمال الفنية المصرية والعربية، التي تم إنتاجها في العقدين الماضيين، تخاطب المجتمع مباشرة، وتقدم له الإسلام الإرهابي، وليس الإسلام الإنساني

الإرهاب مصطلح زئبقي يصعب الإمساك به، وهناك آراء كثيرة حول مفهومه ومعانيه. لكن بالنسبة للغرب يدور معناه حول العنف، الذي تمارسه الجماعات التي تقاوم الغزاة المستعمرين.

وقد صدّرته الولايات المتحدة كمفهوم يكاد ينحصر في الإسلام وحده. وبصفة عامة فقد صار التعبير السلمي عن الإسلام رديفا للإرهاب بالمفهوم الأميركي، وصار مصطلح "الحرب على الإرهاب" مساويا للحرب على الإسلام!

وانطلاقا من هذا المفهوم جاء تعبير الأعمال الفنية المصرية والعربية، التي تم إنتاجها في العقدين الماضيين، سواء في السينما أو المسلسلات التلفزيونية أو المسرح، حيث تخاطب المجتمع مباشرة، وتقدم له الإسلام الإرهابي، وليس الإسلام الإنساني.

فالمسلم الذي يمارس الإرهاب في هذه الأعمال حالة مطلقة، لا يقابلها أبدا في هذه الأعمال مسلم يملك التسامح أو الأخلاق الفاضلة أو القيم العليا أو الرغبة في السلام والأمن والتعاون مع الآخرين، اللهم إلا إذا كان شيوعيا أو ناصريا أو منتميا للحزب الوطني المنحل!

لا يوجد وفقا لتلك المقاربة الفنية إرهاب في الداخل أو الخارج إلا مقترنا بالإسلام وأتباعه. مع أن كثيرا من العمليات الإرهابية لم تكن بيد مسلمين مثل: تفجير فندق الملك داود بوساطة العصابات الصهيونية في فلسطين، ومذابح هذه العصابات ضد المدنيين العزل في دير ياسين وكفر قاسم وغزة وقانا وغيرها، وحادث نشر غاز السارين في نفق قطارات اليابان، وتفجير المبنى الفدرالي في ولاية أوكلاهوما الأميركية وغيرها.

ولا تعثر في الأعمال الفنية المصرية والعربية على أي صدى لممارسة الإرهاب من جانب الحكومات العربية المستبدة الفاشية، أو أجهزة القمع الجبارة التي تحمي هذه الحكومات، وتستورد أحدث أجهزة التعذيب والتنكيل بالإسلاميين حتى الموت، فضلا عن أجهزة التنصت ومراقبة الرسائل والاتصالات الخاصة بهم.

قد تكون هناك إشارات خاطفة في الأعمال السينمائية والتلفزيونية إلى بعض أوجه الفساد السياسي، لكن السياق الفني العام كان منحازا إلى الحكومات المتوحشة ضد الإسلام والمسلمين

كذلك لا تجد فيها أي صدى لممارسة الإرهاب الذي تقوم به حكومات الغرب ضد الإسلام والمسلمين في الفلوجة وأبي غريب وقندهار وغوانتانامو ومحطات تعذيب الإسلاميين المتنقلة في بعض عواصم الشرق العربي لحساب الولايات المتحدة والغرب!

قد تكون هناك إشارات خاطفة في الأعمال السينمائية والتلفزيونية إلى بعض أوجه الفساد السياسي والمالي للمستبدين المحليين ذرا للرماد في العيون، وقد تجرأ المخرج الراحل عاطف الطيب، فأشار في بعض أفلامه إلى بعض الممارسات الوحشية ضد المعتقلين السياسيين، ولكن السياق الفني العام كان منحازا إلى الحكومات المتوحشة ضد الإسلام والمسلمين، ويكفي أن الأجيال الجديدة تعد كل صاحب لحية إرهابيا!

ومن المفارقات أن بعض العمليات التي وصفت بأنها إرهابية كانت محل شك في أن السلطة المستبدة الفاشية كانت من ورائها، بغرض تمديد الأحكام العرفية أو حكم الطوارئ أو ممارسة المزيد من أعمال القمع ضد المعارضة لتسهيل مخططات البقاء في السلطة أو توريثها للأبناء، أو الاستمرار في السياسة الاستبدادية الفاشية!

لقد عرف الإرهاب الممول من الدولة زمن الثورة الفرنسية، وسبقهم إلى ذلك الحشاشون في القرنين الحادي عشر والثاني عشر بقتل الآمنين وبث الرعب في قلوب الناس. وقبل الحشاشين قام اليهود بأكبر عملية إرهابية ضد الرومان لاغتيال المتعاونين معهم، ولكن أهل الفن عندنا مصرون على أن الإرهاب مسلم فقط!

لقد شيطنوا الإسلام والمسلمين، لدرجة أن من يريد أن يكون متحضرا عليه التفكير في خلع إسلامه ليرضى عنه السادة المستنيرون الموالون للأنظمة المستبدة وأجهزتها القمعية. وكان من الطريف حين تم تقديم عمل درامي تلفزيوني حول الإمام الشهيد حسن البنا، أن الجماهير في المشرق والمغرب بدأت تبحث عن الرجل تاريخا وفكرا وتنظيما، فطبعت من كتبه عشرات الآلاف من النسخ.

حينئذ انزعجت الأجهزة القامعة، ورأت أن تزيد في المسلسل جرعة التشويه للرجل ومن معه، بل تدخلت لتقضم الحلقات الأخيرة، وتتوقف عند اغتياله على يد القوى الشريرة، وتترك الجمهور في منطقة الحيرة والضبابية حتى لا يتعاطف معه شهيدا!
________________
كاتب مصري

المصدر : الجزيرة