"الديكتاتور" فيلم أميركي يستعيد تنميط العرب

ملصق فيلم الديكتاتور
undefined
طارق عبد الواحد-ديترويت
 
يوحي الاستقبال الجماهيري لفيلم "الديكتاتور" بأن المزاج الأميركي مازال مستعدا لتلقي رسائل وشيفرات التصورات النمطية حول العرب والمسلمين ومفردات التمييز الساخرة التي أرستها الذهنيات الهوليودية ورسختها في الوعي الأميركي منذ بدايات القرن الماضي.

والمفارقة التي يمكن التقاطها وتدوير وجوهها، في هذا السياق، تكمن في توقيت صناعة هذا الفيلم وتسويقه وتوزيعه على معظم صالات العرض بالولايات المتحدة، في الوقت الذي يشهد فيه العالم العربي تحولات سياسية واجتماعية بنيوية عميقة أنتجها حراك جماهيري عريض في البلدان العربية، فيما بات يعرف بالربيع العربي.

هذا الربيع لم يواكبه الأميركيون وحسب، بل تأثروا بشرارته الأولى في أعقاب انتصار الثورة التونسية ثم المصرية، واستلهمته الحركات الاحتجاجية في الولايات المتحدة، التي انتشرت على شكل "حركات احتلال" في مئات المدن الأميركية.

 الفيلم يكرر نفس الصورة القديمة التي ابتدعتها السينما الأميركية عن العرب (الجزيرة)
 الفيلم يكرر نفس الصورة القديمة التي ابتدعتها السينما الأميركية عن العرب (الجزيرة)

قصة الفيلم
ضمن قالب كوميدي فانتازي، لا يخلو من السخرية والاستهزاء، تدور قصة الفيلم حول الجنرال علاء الدين (الممثل البريطاني الأصل ساشا بارون كوهين) الحاكم لإحدى دول شمال أفريقيا العربية الغنية بالنفط، تدعى "وادّيا"، والذي يخاطر بحياته من أجل حجب الديمقراطية عن شعبه.

وتجنبا لضربة عسكرية، يضطر الجنرال علاء الدين للسفر إلى الولايات المتحدة، وتقديم خطاب في الأمم المتحدة لإزالة شكوك وهواجس دول العالم حول برنامج دولته النووي. وتتصاعد حبكة الفيلم على خلفية أطماع ساعده الأيمن طاهر (أداء الممثل البريطاني بن كينغسلي) في إزاحته واحتلال مكانه بالتواطؤ مع الصينيين الطامحين بنفط "وادّيا"، وتصل إلى ذروتها حين يفقد الديكتاتور لحيته الطويلة والكثة، بعد اختطافه من قبل أحد رجال أمن الفندق بالتنسيق مع طاهر.

يفقد الديكتاتور منصبه وسلطته لصالح شبيه له تم تحضيره (يلعب بارون كوهين دور الشبيه أيضا) ليكون دمية بيد طاهر، لتبدأ رحلة علاء الدين في استعادة منصبه بالتعاون مع مدير برنامجه النووي، وعبر استغلال الفتاة الأميركية زوي (أداء الممثلة آنا فارس)، الناشطة في مجال الحقوق المدنية، والتي يقع في حبها أخيرا ويقرر الزواج منها، بعد عودته إلى "وادّيا"، مع قرار مخاتل بانتهاج الديمقراطية كنظام سياسي، حيث يجري انتخابات صورية تتوج بزعيم أوحد.

‪الفيلم أثار قبل نزوله لصالات العرض الكثير من الجدل والنقاش‬  الفيلم أثار قبل نزوله لصالات العرض الكثير من الجدل والنقاش (الجزيرة)
‪الفيلم أثار قبل نزوله لصالات العرض الكثير من الجدل والنقاش‬  الفيلم أثار قبل نزوله لصالات العرض الكثير من الجدل والنقاش (الجزيرة)

مفردات التنميط
تعج مئات الأفلام الهوليودية بالتنميط السلبي للعرب والحط من قدرهم وعاداتهم وأساليب حياتهم وتصويرهم على أنهم أغبياء ورعاع ومحدثو نعمة ومهووسون بالسلطة والجنس. ولا يخرج فيلم الديكتاتور عن هذا السياق، لا في عنوانه ولا في مضمونه ولا في شكله، بل حتى إن إسم الجنرال نفسه (علاء الدين) هو أحد الأسماء العربية المستقرة في الذهنية الاستشراقية التي ماتزال تحكم الكثير من الغربيين.

والجنرال علاء الدين، المستلهمة شخصيته على نحو فضفاض من توليف بين شخصيتي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وعلى نحو أكثر وضوحا العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ليس شخصا مهووسا بتصفية كل من يعارضه الرأي (بحركة يده الممررة بحسم قرب عنقه في إشارة إلى القتل، والتي تتكرر كثيرا في الفيلم) بل يصل به الأمر إلى حد الإيماء بالتخلص من زوجته زوي، حين تعلمه في آخر لقطة من الفيلم بأنها يهودية، كما أنه مغرم بممارسة الجنس إلى الدرجة التي يملأ فيها جدران غرفة نومه بصوره مع من قبلوا بمعاشرته مقابل المال.

وتبرز في الفيلم سمة الإضحاك والتهريج على لكنة العرب الإنجليزية، بل وحتى على اللغة العربية نفسها، حيث تدور حوارات قصيرة بلغة مفبركة ذات إيقاع عربي، وبصيغة مبالغ فيها (قد يكون مردها إلى عدم تمكن الممثلين من التكلم بالعربية).

وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن الكثير من الأفلام الأميركية، التي تعتمد حوارات بالعربية أحيانا لا تدرك الفروق بين اللهجات العربية، إذ تقدم خلال الحوار الواحد لهجات متعددة لا تنطبق بالضرورة مع خلفيات الشخصيات الفنية.

وقد أثار الفيلم، الذي أخرجه لاري تشارلز، قبل نزوله لصالات العرض الخميس الماضي الكثير من الجدل والنقاش على خلفيته التنميطية للعرب، وانتقده مثقفون وناشطون عرب أميركيون بالصحافة والإعلام الأميركي، وامتد الجدل لصفحات المواقع الاجتماعية مثل "يوتيوب" و"فيسبوك" اللذين استقطبا مئات آلاف المتصفحين، ولم تخل صفحاتهما من التعليقات العنصرية والتمييزية، صراحة أو إيحاء.

المصدر : الجزيرة