ناصر عراق: تخيلت الثورة قادمة

الروائي المصري ناصر عراق

ناصر عراق: حلمت بكتابة الرواية منذ 35 عاما (الجزيرة نت)

حاورته: نور الهدى غولي
لم يفقد الكاتب المصري ناصر عراق إيمانه الكبير بقدرة الفن والأدب على استشراف المستقبل وآفاقه المحتملة، وينبه إلى ضرورة أن يتمسك المرء بإرادته في سعيه الدائم إلى تحقيق ذاته حتى لو كان يعيش في بيئة معاندة له.

ويبدي الروائي والفنان التشكيلي سعادته بوصول اسمه إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية، ويرى في ذلك دافعا من أجل بذل جهد إبداعي أكبر. الجزيرة نت التقت صاحب رواية "العاطل" وأجرت معه الحوار التالي:

undefinedما الذي عناه لك انضمام روايتك إلى قائمة جائزة البوكر؟ وما هو الجانب المحمّس في الموضوع؟

ناصر عراق: لا شك أنّ وصول روايتي إلى القائمة الطويلة ثم القصيرة قد أسعدني كثيراً، فالجوائز المحترمة تشعر المرء بأن جهده ودأبه وانكبابه على العمل قد لقي التقدير والإنصاف. وإن كان المبدع الحقيقي لا يكتب من أجل اقتناص جائزة هنا، أو خطف جائزة من هناك، بل يتصدى المبدع للكتابة تحت ضغط إلحاح داخلي، يحثه على الإمساك بالقلم والشروع في الكتابة. وإن كان الفوز بجائزة أمرا مفرحا ومبهجا لا ريب، ويحفز المرء على بذل جهد أكبر من أجل إتقان العمل وتجويده.

undefinedرواية "العاطل".. هي سيرة الفرد المنسحق. إلى أي درجة يمكن للتربية أن تخلق فارقا في الشخصيات والمبادئ وقوة الشخصية؟

الفن الجيد هو الذي يُعد جزءا من، وتعبيرا عن، واقع الحياة الاجتماعية بكل زخمها وتناقضاتها

ناصر عراق: في اعتقادي أن أي فرد منا هو ابن العوامل الوراثية وبيئته الاجتماعية في وقت واحد، وإن بدرجات مختلفة. وقد تساعد البيئة على تأكيد دور الجينات الوراثية، أو تسهم البيئة في شحوب هذه الجينات. بمعنى أنه إذا كان هناك إنسان ورث استعدادا ما أو موهبة ما، ثم عاش في بيئة تكره هذا الفن أو لا تهتم به، فسوف يفقد مع الوقت حماسه وتنطفئ موهبته تدريجيا، لأن بيئته تخاصم الفن! أما إذا كان من المحظوظين، وعاش في بيئة تشجع الفن وتعزز الاهتمام به، فإن الفرص تتاح أمامه. مع ضرورة الانتباه جيدا إلى قدرات الفرد الشخصية في سعيه الدائم إلى تحقيق ذاته حتى لو كان يحيا في بيئة معاندة.

undefinedصوّرت في الرواية انسحاق الذكورة لأسباب تعسفية ونفسية. هل كان ذلك إسقاطا لإلغاء كينونة الشعوب وسحقها من خلال الأنظمة؟

ناصر عراق: لا يمكن اعتبار انسحاق الذكورة في "العاطل" رد فعل مباشرا لإلغاء كينونة الشعوب وسحقها من قبل الأنظمة المستبدة. لأن الفن أوسع من ذلك، فهو يرصد العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ثم يسعى إلى ابتكار شخصيات تناسب هذا الرصد. وعليه، فبطش النظام السياسي له تأثير لا ريب على شخصيات أي رواية ناجحة، وإن كان بشكل غير مباشر. عموما، الفن الجيد هو الذي يعد جزءا من الحياة الاجتماعية وتعبيرا عنها بكل زخمها وتناقضاتها.

undefinedإذا كان "محمد" في الرواية قد سعى لإبطال فشله الذكوري من خلال المصالحة مع الذات و"السلطة الأبوية"..، فكيف -في رأيك- يمكن للشعوب أن تتخلص من خضوعها للأنظمة؟

لا أنكر أنني قد أفدت  كثيراً من دراستي للفنون الجميلة في رسم صورة أكثر جاذبية وواقعية لكثير من المشاهد التي تستلزم ذلك
"

ناصر عراق: الشعوب التي تسعى للتخلص من خضوعها للأنظمة عليها أن تفهم وتعي أمور السياسة وقوانينها وألاعيبها، كما ينبغي للجماهير المطحونة أن تتعلم وتنتبه إلى مصالحها، التي تتعارض مع الحكام الفاسدين، وكيف يمكن أن تنظم نفسها في كيانات سياسية تتحلى بالجسارة. وعليها أن تضع تصورا واضحا للمجتمع الجديد الذي ترغب في تشييده. باختصار على الشعوب أن تواصل الكفاح سياسيا وفكريا واجتماعيا حتى تحقّق أحلامها وطموحاتها، وتتخلص من عبء الأنظمة الفاسدة.

undefinedفي روايتك الأخيرة التي كتبتها قبل ثورة يناير حديث عن هامش ثوري..، فهل ترغب في أن تشير إلى فكرة التنبؤ؟ أم ترى أنه كان مجرد حديث عابر قد تعود بعض الفنانين الإشارة إليه بحكم العادة؟

ناصر عراق: أنا من الذين يؤمنون دائما بأن الفن الجميل يجب أن يطرح بحذق تصوره للمستقبل، ويستشرف آفاقه المحتملة. لذا كنت أعتقد على الدوام أن نظام مبارك سيسقط، وأن مشروع التوريث لن يتحقق على الإطلاق، لأن الجيش المصري سيرفض ذلك. وأن فكرة الانقلاب العسكري واردة بقوة، والشعب سيؤيدها تماما.

كما كنت أتخيل أنّ الشعب المصري لن يتحمل كل هذه العذابات، وأن ثورته على نظام مبارك قادمة لا محالة. وعليه حاولت أن أنبه إلى هذه المسائل عرضاً في رواية "العاطل"، وإلا كان الناشر سيرفض نشرها.

 رواية
 رواية "العاطل" لناصر عراق مرشحة لنيل جائزة البوكر للرواية العربية (الجزيرة نت)

وهناك نبوءة أخرى وردت في سياق الرواية حول اقتحام الجماهير لأجهزة مباحث أمن الدولة، كما كان يتوقع بدر المنياوي وهو يحذر الضباط الذين اعتقلوه، وهو ما حدث بالفعل بعد الثورة، حيث اقتحمت الجماهير الغاضبة مقرّات أجهزة مباحث أمن الدولة.

undefinedتدور روايتك في عوالم المثقفين والصحفيين، هل هو تكريس لأجواء تعرفها تماما، أم رغبة في إيصال هذه الأجواء إلى شريحة أوسع من الناس والقراء؟

ناصر عراق: لا شك في أنني تأثرت بأجواء المثقفين والصحفيين التي أعرفها عن قرب، كما أنني كنت أطمع في نقل هذه الأجواء إلى أكبر شريحة من القراء. لأنني أعتقد أن عالم الصحافة والثقافة غامض ومليء بالأسرار والصراعات الإيجابية والخسيسة عند كثير من القراء العرب، وهم بحاجة إلى اكتشافه والتعرف إليه، خاصة أن دور الإعلام في تشكيل وعي وذائقة الملايين في ازدياد مستمر.

undefinedفي كثير من مشاهد الرواية نتعثر بالمشهد الكليّ، كأن تصور لنا الجو العام لجلسة معينة من لباس وأثاث وسجّاد..، هل تدعمك في ذلك ثقافتك التشكيلية لتكمل مشاهدك الروائية؟

ناصر عراق: اهتمامي هذا يعود بالأساس إلى ضرورات العمل الروائي الناجح من وجهة نظري، حتى يعيش القارئ في أجواء المكان. لأنّ الرواية عبارة عن شخصيات تعيش في مكان وزمان محددين. ولا أنكر أنني قد أفدت كثيراً من دراستي للفنون الجميلة في رسم صورة أكثر جاذبية وواقعية لكثير من المشاهد التي تستلزم ذلك.

كما أنني أمارس النقد التشكيلي، ولي كتابان في هذا المجال. لكن علينا الانتباه جيداً، لأن الإفراط الشديد في رسم تفاصيل المشهد قد يصيب القارئ بالضجر، فهو بحاجة ماسة إلى متابعة وقائع وأحداث الرواية.

undefinedربما عُرفتَ روائيا أكثر منك فنانا تشكيليا..، فهل لأن الثقافة التشكيلية لا تزال لها نخبتها الخاصة فقط؟ أم ترى أنه كان يجب أن تكون منذ البداية كاتبا روائيا؟

كنت أتخيل أنّ الشعب المصري لن يتحمل كل هذه العذابات، وأن ثورته على نظام مبارك قادمة لا محالة

ناصر عراق: أستطيع أن أزعم أن انشغالي بالرواية يعود إلى سنوات الدراسة الأولى، وأنني أحلم بكتابة رواية منذ أكثر من 35 عاماً، وأن افتتاني بهذا الفن المدهش لا يوازيه افتتان آخر.

وقد أصدرت روايتين من قبل هما "أزمنة من غبار"، و"من فرط الغرام"، كما أنني أنهيت روايتي الرابعة "تاج الهدهد"، وفي جعبتي مشاريع روائية أخرى.

أما الفنون الجميلة أو الرسم، فأنا أتعامل معه باعتباره هواية جميلة أمارسها يومياً، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن أرسم الكثير من البورتريهات بأسلوب سريع وكروكي. لكنني لم أطمح يوما إلى ترك أثر مهم في هذا المجال، لكنني أطمع في أن تحتل رواياتي صفحات مميزة في كتاب السرد العربي العامر بالنصوص الروائية المدهشة.

المصدر : الجزيرة