"حنين" عرابي وأيقونة الزمن الجميل

من معرض الفنان السوري أسعد عرابي في دبي

معرض أسعد عرابي في دبي كان مخصصا لأم كلثوم (الجزيرة نت)

جهاد هديب-دبي

يمثل معرض "حنين" في دبي مرحلة جديدة من الإبداع الفني للتشكيلي السوري أسعد عرابي الذي تمتد تجربته لأكثر من أربعين عاما، ليس بسبب الثيمة الكبرى "أم كلثوم" وزمنها الخاص والتي تجمع في أفقها أنواعا متعددة من المتلقين مختلفي المستويات الثقافية فقط، بل أيضا بسبب الجانب الأسلوبي والتقني المتقد بالعاطفة على صعيدي اللون والشكل.

بهذا المعنى، يمكن القول إن المعرض تذكّر لألوان وروائح، وطبْع ومزاج، إذ أدخل إليها رموزا وحالات من ذاتها تتصل بالأحاسيس والمشاعر مثلما تأخذ بعض اللوحات إلى مزاج اللوحة التعبيرية، إذ يُحدث الفنان فيها بعض التشويهات الجمالية التي تنقل مزاج التصوير من الفوتغرافي إلى التصويري بواقعيته ولاواقعيته معا.

من لوحات المعرض (الجزيرة نت)
من لوحات المعرض (الجزيرة نت)

حضور طاغ
في هذه الأعمال المتعلقة "بالستّ" حضور طاغ، إنها دوما في مركز اللوحة أو يمينها أو يسارها، مع ذلك هناك حضور لافت لأعضاء فرقتها الموسيقية، بل -وبقدر من الإفراط في المبالغة- يلحظ المرء أن الفنان يقيم علاقة خاصة بين "الست" وأفراد هذه الفرقة، أو أن يقوم تأويل علاقته بهؤلاء الفنانين وفقا لتأويل ما يجد معادله الفني في الصور وخاصة الفنان محمد القصبجي بعلاقته الصوفية بها وبموسيقاها وغنائها.

ففي الكثير من لوحات المعرض هذه يسعى الفنان عرابي إلى إبراز قدر كبير من الانفعالات الفنية سواء في طبيعة الإمساك بالآلة الموسيقية: العود والتشيلّو والناي تحديدا، أو في الكيفية التي يجلس فيها الفنان خلف "الست" وعيناه لا تشيحان عنها.

كل ذلك يحوّل هذه الأوركسترا اللونية إلى دفق من المشاعر المختلفة، إلى حدّ أن المرء يخال إليه أن عرابي لا يرسم فناني الأركسترا وحدهم بل تصوراتهم عن أنفسهم أيضا، إنما في سياق إحساسه الشخصي بالتجربة الجامعة ككل للفنانة الكبيرة والفنانين الذين برفقتها على خشبة المسرح، وبأهمية هذه التجربة على صعيد الثقافة العربية الحديثة ككل.

ربما يعزز هذه الفكرة التي قد تتبادر إلى ذهن الناظر إلى أعمال المعرض، أن العديد من اللوحات تكاد تظهر فيها وجوه فناني الأوركسترا، فرغم أن الناظر بوسعه أن يدرك تماما أن هذا العازف هو القصبجي وأن عازف التشيلو هو محمود رمزي وعازف الناي هو سيّد أحمد وسوى ذلك، فإن حضور هذه الشخصيات حضور طيفي لوجوه وأجساد وحركات تتأرجح بين الحضور والغياب وكأنها تبنثق للتو وتتبلور أمام عين المخيلة بالإشارة والإيماء وليس بالتجسيد المكتمل.


undefinedأبعاد رمزية
أحيانا يجنح الفنان أسعد عرابي باتجاه رمزية من نوع ما، إذ يضع ذلك الكرسي الذي كانت تجلس عليه "الست" قبل الشروع في الغناء إما مقلوبا أو غير مقلوب، ومرسوما بلون محايد وبارز هو الأبيض، غالبا كأنما يشير بذلك إلى الفراغ الذي تركه رحيل أم كلثوم دون أن يملأه أحد، فهو ليس بأكثر من كرسي خشبي بسيط يشبه ذلك الموجود في المقاهي الشعبية ولا يحتمل إفراطا في التأويل أكثر من ذلك.

في أعمال "حنين" يجعل عرابي اللوحة في متناول المتلقي دون أن يضطر إلى اجتهاد في خلق أكثر من تأويل أو إبداع نص مواز للنص البصري الذي أمامه كي يدرك المعنى تماما، فالفنان يترك للناظر إلى لوحاته أن يتلقاها وفقا لتجربته الشخصية وثقافته الخاصة، ربما لذلك هي أقرب ما تكون إلى وعي يمكن وصفه بالقول بأنه وعي طبقة وسطى وليس وعيا نخبويا تماما أو عاديا تماما.

يذكر أن عرابي مولود بدمشق عام 1941 وتخرج في كلية الفنون الجميلة فيها، ويحمل الدكتوراه في علم الجمال من جامعة السوربون، ويقيم في فرنسا منذ عام 1975، وقد عرضت أعماله في عدد كبير من المعارض العربية والدولية، وله مجموعة كبيرة من الكتابات الفنية باللغتين العربية والفرنسية.

المصدر : الجزيرة