ملاحظات على "جائزة الصحافة العربية"

أمجد ناصر - عنوان المقال: ملاحظات على جائزة الصحافة العربية


أمجد ناصر

مرت عشر سنين على "جائزة الصحافة العربية" التي أطلقها "نادي دبي للصحافة". الفكرة سبَّاقة عربياً غير أن الحصاد مخيب للآمال، إذ إنها أعادت إنتاج السائد ولم تلق حجرا واحداً في المياه العربية العكرة. فكانت الجائزة على صورة التيار السائد في الحياة العربية (سياسية واقتصاداً وثقافة)، الذي جعل ملايين الشبان العرب يخرجون إلى الشوارع مطالبين بأعمق أشكال التغيير السياسي في عالمنا العربي.

هنا بعض الملاحظات السريعة ولكنها صريحة على مشوار الجائزة التي حاولت في دورتها الأخيرة ملامسة ما يجري في العالم العربي ولكن، تقريبا، بنفس الأدوات والرؤى والحدود التي حكمت انطلاقتها.

أزعم أن هناك ضرورة لوجود جائزة للصحافة العربية، وقد جاءت "جائزة الصحافة العربية" التي أطلقت في دبي قبل عشر سنين كي تكون الأولى، على الأغلب، في مضمارها. تلعب الصحافة، كما نعلم، دوراً مهماً في إشاعة الوعي بين الناس وممارسة دور الاعتراض والانتقاد ووضع اليد على مكامن الخلل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في محيطها.

إن من هو غير ديمقراطي وغير مهنيٍّ في الصحيفة التي يترأس تحريرها لن يتخذ خيارات ديمقراطية ومهنية في تحكيمه داخل الجائزة. ولا يمكن لمن يضعه النظام العربي على رأس مطبوعة ذات خط سياسي معين أن يكون نزيهاً في تعامله مع الرأي المختلف

إنها مهنة تسعى إلى البحث عن الحقيقة، أو تحاول أن تفعل، وتسائل القوى والأفراد المؤثرين في الحياة العامة، وتضع يدها، من دون وجل، في أعشاش الدبابير، وليس صدفة أنها سميت، في الغرب، بالسلطة الرابعة. هذا دور الصحافة الفعلي الذي أعاقته، عربياً، قوانين الرقابة وخطوط التعبير الحمر ورغبة الأنظمة الحاكمة في لجمها، أو في تحويلها إلى جوقة مديح لها.

لون واحد
استبشر الصحافيون العرب خيراً بالجائزة عندما أطلقت للمرة الأولى، وشاع نوع من الترقب لسير عملها ونتائجها بين جمهرة الصحافيين العرب، ولكنها، للأسف، لم تعط الثمار المأمولة منها. فقد أعادت الجائزة، منذ انطلاقتها، تقريباً، إنتاج ما هو سائد في الحياة الصحافية العربية، وتكريس ما هو موجود، وخضَّت الماء العكر نفسه. فلم توفَّق، عموماً، برؤساء لجان التحكيم الذين تسلموا قيادة عملها، فأغلب المحكّمين كانوا من لون سياسي واحد تقريباً، ومعظمهم رؤساء تحرير، أو مديرو تحرير، صحف رسمية أكل الدهر عليها وشرب، بل إن بعضهم مارس قمع الصحافيين الذين يعملون تحت إمرتهم، وعلى شخوص هؤلاء علامات استفهام لجهة نزاهتهم المهنية والمالية وتطبيلهم لرؤساء وحكام بلادهم، من دون أن أخوض في ذكر الأسماء تاركاً للقراء والمهتمين أن يراجعوا قوائم رؤساء اللجان وأعضاء لجان التحكيم على مدار السنين العشر الماضية.

من نافل القول إن من هو غير ديمقراطي وغير مهنيٍّ في الصحيفة التي يترأس تحريرها (أو يدير تحريرها) لن يتخذ خيارات ديمقراطية ومهنية في تحكيمه داخل الجائزة. ولا يمكن لمن يضعه النظام العربي على رأس مطبوعة ذات خط سياسي معين أن يكون نزيهاً في تعامله مع الرأي المختلف. هكذا غاب، تقريباً، الرأي الآخر، اللون المختلف، التغريد خارج السرب، عن معظم دورات الجائزة وحصد الجوائز صحافيون من نفس اللون والاتجاه، وليس غريباً، والحال، أن صحفاً ومحطات تلفزة عربية تحظى بشعبية في أوساط القراء والمشاهدين العرب لم تنل جائزة واحدة على الإطلاق ولا في أي حقل من الحقول.

راجعوا أسماء الحاصلين على الجوائز، أفراداً ومؤسسات، ستجدون أنها، تقريباً، ذات لون واحد، أو متقارب، ونادراً ما شذّ الأمر عن ذلك. هكذا انصرف الترقب الصحافيّ العربيّ عن الجائزة ولم تعد موضع انتظار من قبل جمهرة الصحافيين، حتى إن أخبار الجائزة لم تعد تثير اهتمام القطاع الأوسع من الصحافيين العرب، لأن الجائزة، بهذا المعنى، هي أقرب إلى المكافأة أو العطاء منها إلى الجائزة القائمة على الاعتبارات المهنية.

ليس غريباً أن صحفا ومحطات تلفزة عربية تحظى بشعبية في أوساط القراء والمشاهدين العرب لم تنل جائزة واحدة على الإطلاق ولا في أي حقل من الحقول

غاب النقاش
أعرف أن كلامي هذا لن يسرَّ القائمين على الجائزة فهم يتوقعون، على عادتنا العربية السائدة، إشادة وتطريباً بحقها وليس نقداً. وبهذه المناسبة علي أن أقول إنني كنت، لمرة واحدة، عضو لجنة تحكيم في جائزة الصحافة العربية ووجدت إجراءات التحكيم فيها غريبة، خصوصاً وقد عملت محكّماً في لجان لجوائز عربية ودولية مرموقة منها جائزة "يوليسس" التي تمنحها المجلة الألمانية المعروفة "ليتر" (جائزة للريبورتاج الصحافي الدولي) وآخرها لجنة تحكيم "الجائزة العالمية للرواية العربية" (البوكر العربية) التي تثير أكبر قدر ممكن من الترقّب والجدل بشأنها بين المثقفين العرب رغم أنه لم يمض على وجودها أربع سنوات، ومردّ هذا الجدل والترقب صعوبة توقع الفائزين، بينما يكاد الصحافيون العرب أن يعرفوا مسبقاً من هم الفائزون بجوائز "جائزة الصحافة العربية"، أو على الأقل يعرفون الصحف التي ينتمون إليها.

الجوائز، على ما أعلم، لا تعطى "بالريموت كونترول". ليس بالعلامات التي يضعها المحكمون أمام خانات وحقول وكل واحد منهم في بلد. ولضغط النفقات، على ما يبدو، صار هذا هو طابع "جائزة الصحافة العربية". هكذا غاب النقاش، الذي هو أساس عمل لجان التحكيم، بين المحكمين لاختيار الأفضل فعلاً.

قبل فترة قصيرة طلبت مني إدارة الجائزة، بوصفي عضواً سابقاً في إحدى لجان تحكيمها، أن أدلي باقتراحاتي لمناسبة الذكرى العاشرة على انطلاق الجائزة، فأكتب إليهم رسالة تتضمن وجهة نظري بمسار الجائزة وحصادها وآلية عملها (مضمونها هو هذه المقالة).

حدث ذلك قبل هبوب "الربيع العربي" ولكني لم أتلق رداً على رسالتي وإن كنت وجدت بعض الصدى لما قلته في جوائز الدورة الأخيرة. أبرز ما اقترحته على إدارة الجائزة هو إعادة النظر في مجلس أمنائها، فمعظمهم (إن لم يكن كلهم) من لون سياسي واحد، وهم لا يمثلون أطياف الصحافة العربية المختلفة. وجود أسماء في هذا المجلس القيادي للجائزة تمثل تنوعاً فعلياً في الميول السياسية مهم لجهة تأكيد مصداقية الجائزة وتمثيلها للاتجاهات الرئيسية للصحافة العربية، وهذا، تقريباً، لم يحصل على مدار عمر الجائزة.

ستكون أولى ثمار "الربيع العربي" تغيراً في المشهد الصحافي وهذا ما نراه، الآن، في تونس ومصر وفي غيرهما من البلدان العربية التي ارتفع فيها سقف التعبير، إلى هذا الحد أو ذاك، بحكم ما جرى وسيجري

إلغاء الاستمارة
كما اقترحت أن تلغى فكرة الاستمارة لأنها غير لائقة بجائزة للصحافة. فطرح خيار معين والدفاع عنه ينبغي أن يكونا ثمرة نقاش بين المحكمين. أنا، شخصياً، لم أكن واثقاً من جدارة الفائز في الفرع الذي شاركت في تحكيمه ولا أعرف رأي زملائي الآخرين في اللجنة بذلك الفائز. ومن بين ما اقترحته كي تكون الجائزة مرآة للصحافة العربية أن يمنح الشباب فرصة في التسابق والتحكيم، فقد لاحظت غياباً لهذه الفئة الحيوية في مجتمعاتنا (التي لها شرف فتح صفحة جديدة في التاريخ العربي) عن الجائزة مشاركة وتحكيماً.

وأخيراً أقول للقائمين على الجائزة الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء الردّ على اقتراحات طلبوها، إن العالم العربي الذي نعيشه اليوم لا يشبه ما كان عليه عندما انطلقت الجائزة. أنظمة عاتية سقطت وأخرى في سبيلها إلى ذلك، ولا تزال عاصفة التغيير تحوِّم في سماء المنطقة وهي لن تتوقف، على ما يبدو، إلا ونحن أمام صورة للحياة العربية لم نشهدها من قبل، الأمر الذي سينعكس على الصحافة، بل ستكون أولى ثمار "الربيع العربي" تغيراً في المشهد الصحافي وهذا ما نراه، الآن، في تونس ومصر وفي غيرهما من البلدان العربية التي ارتفع فيها سقف التعبير، إلى هذا الحد أو ذاك، بحكم ما جرى وسيجري.

في مثل هذا العالم العربي لن ينفع، بعد الآن، على ما نرجو، "تبويس اللحى" والتربيت على الكتف وثقافة المجاملات والتنفيعات، وما لم تقم جائزة الصحافة العربية بـ"نفضة" شاملة تبدأ بمن يسير أمورها من الباطن، مروراً بمستشاريها ورؤساء لجانها المؤبدين، وتنتهي بوضع مسطرة جديدة تتواكب مع ما حصل، وإلا فعليها أن تقرأ على نفسها السلام.

المصدر : الجزيرة