الثقافة في ليبيا.. ولادة جديدة

جانب من إحدى الندوات التي باتت تنظم وتناقش مختلف القضايا بلا خوف ولا رقابة أمنية

جانب من إحدى الندوات التي باتت تنظم وتناقش مختلف القضايا بلا خوف

المحفوظ الكرطيط-طرابلس

على غرار باقي مناحي الحياة العامة في ليبيا، يبدو المشهد الثقافي في البلاد خارجا من فترة بيات طويل، ليطل برأسه باحثا عن آفاق جديدة للإبداع في ظل مناخ الحرية والتعددية، بعد أشهر الثورة الطويلة التي وضعت حدا للرؤية الأحادية التي فرضها نظام العقيد معمر القذافي في كافة المجالات، بما فيها الحقل الثقافي الذي جعله يدور في فلكه.
 
ومع أولى نسائم الحرية التي هبت من ثورة 17 فبراير بدأت حركية جديدة تدب في المشهد الثقافي، من خلال سلسلة ندوات ومنتديات تناقش مختلف القضايا التي تهم البلاد بكل حرية، بعيدا عن هواجس الرقابة والمضايقات الأمنية التي كانت سائدة في ظل النظام السابق.
 
ويصاحب ذلك الحراك ظهور عدد من الصحف الخاصة التي تولي مزيدا من الاهتمام للشؤون الثقافية، وخاصة إبداع الأصوات الشابة، وقد باتت بعض الصحف مخصصة بشكل كامل للشأن الثقافي.
 
وقبل أن تنجح الثورة بشكل نهائي، ظل عدد من الأدباء والكتاب الليبيين طيلة الأشهر الماضية متوارين عن الأنظار تجنبا للمضايقات الأمنية، ولكي لا يتم الزج بهم في العمل الإعلامي الدعائي الموالي للنظام، في مقابل أصوات أخرى انبرت للتطبيل للنظام لكنها تبخرت بنهايته.
 
وبعد نجاح الثورة، دخلت الحياة الثقافية مرحلة الفرز لتبين من كان محسوبا على النظام السابق، ومن كان ينأى بنفسه بشكل من الأشكال عن أساليب النظام في بسط سيطرته على مختلف مفاصل الحياة في البلاد، بما فيها الحياة الثقافية.
 

مفتاح قناو: الحياة الثقافية في ليبيا تشهد ولادة جديدة بالخروج من الشيء إلى نقيضه
مفتاح قناو: الحياة الثقافية في ليبيا تشهد ولادة جديدة بالخروج من الشيء إلى نقيضه

عودة الرابطة
ويتطلع الكتاب والأدباء الليبيون إلى عودة رابطة الأدباء والكتاب الليبيين التي كانت عنوانا وإطارا لعملهم، قبل أن يدهمها النظام ويدجنها عام 2005 بفرض أمانة عامة مكونة من أشخاص معروفين بقربهم من النظام وبولائهم له، وليس بإنتاجهم الأدبي والفكري.
 
وقبل تلك المرحلة كانت الهيئة -بحسب إبراهيم حميدان الذي كان نائبا لرئيسها بين عاميْ 2000 و2004- تسعى لأن تنأى بنفسها عن النظام، وألا تكون أداة للدعاية والتطبيل له، لكنه أجهز عليها فتحولت إلى قوقعة فارغة لا حياة فيها، إلى أن جاءت الثورة فأصبح الكتاب الليبيون يتوقون لإحيائها من رميم بانتخاب أمانة عامة جديدة تعكس بصدق واقع الحراك الثقافي الجديد في البلاد. 

وفي انتظار تفعيل ذلك الإطار، ينتظم الكتاب الليبيون في اتحادات محلية في عدد من المدن، بينها اتحاد الكتاب والأدباء بطرابلس الذي ينظم سلسلة ندوات ثقافية وفكرية تحظي باهتمام واسع في صفوف المهتمين بالشأن الثقافي في المدينة.

إلهام الثورة
وتعليقا على المشهد الثقافي في ليبيا، قال رئيس اللجنة التسييرية لاتحاد الأدباء والكتاب في طرابلس مفتاح قناو إن الحياة الثقافية في البلاد تشهد عملية ولادة جديدة بالخروج من الشيء إلى نقيضه، ومن مرحلة الكبت إلى مرحلة الحرية، ومن مرحلة الفوضى والغوغائية إلى مرحلة النظام.
 
وبشأن مواكبة الأدب الليبي لثورة 17 فبراير، قال قناو للجزيرة نت إن المبدعين الليبيين لا يزالون في حالة اندهاش وذهول وتأمل إزاء الثورة، وإن استلهامها روائيا وشعريا وقصصيا سيتم في وقت لاحق.
 
وعزا قناو ذلك الوضع إلى ضخامة وقوة الحدث الذي يصعب التعبير عنه بسرعة من خلال أعمال روائية، ولفت إلى الأشكال الإبداعية التي تفاعلت بشكل سريع مع الثورة وأجوائها، وهي الشعر الشعبي من خلال قصائد باتت تترد على ألسنة الليبيين من مختلف الأعمار، والأغنية والمقال السياسي.

أسماء الأسطى: نأمل أن يتم التأسيس لبناء ثقافي حقيقي وليس على رمال متحركة
أسماء الأسطى: نأمل أن يتم التأسيس لبناء ثقافي حقيقي وليس على رمال متحركة

تفاؤل
وفي الجانب المؤسساتي، تعيش دائرة الثقافة التابعة للمجلس الوطني الانتقالي فترة التحول بطريقتها الخاصة.

حيث تجري حاليا عملية حصر موجودات وممتلكات المؤسسة العامة للثقافة لتصبح تابعة للدائرة التي يتوقع أن تكون نواة لوزارة الثقافة في الحكومة المقبلة، والتي يعول عليها الكتاب الليبيون لتوفير الدعم لحركة النشر والإبداع.
 
وأبدى عدد من المبدعين تفاؤلا كبيرا بالمرحلة الجديدة التي دخلتها البلاد، وقالت الكاتبة أسماء الأسطى إنها تأمل أن يكون مستقبل الثقافة في البلاد مشرقا وأن تنحسر سطوة الرقابة، وأن تتيح التشريعات المقبلة مساحات شاسعة للحريات والحقوق، وأن يتم التأسيس لبناء ثقافي حقيقي بعد أن كان في الماضي على رمال متحركة.

المصدر : الجزيرة