الصين تصعد إلى القمر بأسطورة الحب الجميل

"النجم الأحمر فوق الصين" وفوق القمر أيضا
عزت شحرور-بكين
 
أساطير الصين حاضرة في الحياة المعاصرة مثلما هي في التاريخ. ويتمسك الصينيون بثقافتهم وتقاليدهم بوصفها جزءا من كينونتهم، فتتسابق الشركات والمطاعم الكبرى على الغوص في ثنايا التاريخ الصيني، وتقوم ببعث أبطال وشخصيات أسطورية لاستنباط أسماء منها.
 
آخر تلك الاستنباطات هي "تشانغ آ" وهو الاسم الذي أطلق على أول مركبة فضائية صينية غير مأهولة إلى القمر.
 
تروي الأسطورة الصينية أن "تشانغ آ" كانت زوجة لرامي السهام المشهور "خو إي" الذي أنقذ البشرية -حسب الأسطورة- من كارثة محققة كادت تؤدي إلى إنهاء الحياة على كوكبنا الجميل. وفي الحكاية أنه كانت عشر شموس في السماء ترسل حراراتها فتؤذي كوكب الأرض.
 
واستطاع رامي السهام البارع خو إي أن يسقط تسع شموس ويبقي على العاشرة كي ننعم بدفئها ونورها. ومكافأة له على عمله الرائع منحته الآلهة "إكسير الحياة"، فخبأه مع زوجته الجميلة والوفية "تشانغ آ" التي لم يكن أمامها سوى شرب ذلك الإكسير عندما هاجمها بعض خصوم زوجها الأشرار وهددوها بالقتل إن لم تمنحهم الإكسير العجيب.
 
عندها وجدت "تشانغ آ" نفسها تطير وهي تحمل أرنبها إلى أن حطت على ظهر القمر، وطاب لها المقام هناك. وقد صادف حدوث ذلك في الخامس عشر من الشهر القمري الثامن وفق التقويم الصيني، ومن يومها أصبح القمر أكثر ضياء وبهاء، ولا يزال الصينيون يخلدون ذكراها منذ ثلاثة آلاف عام.

"
الصين ستقوم بإنشاء أول محطة فضاء على القمر بحلول عام 2020 وستضم فرعا للحزب الشيوعي الصيني مهمته ممارسة المهمات الاعتيادية التي تقوم بها فروع الحزب على الأرض
"

أول رائد فضاء
هذا هو أصل الحكاية وراء تسمية أول سفينة فضاء صينية غير مأهولة أطلقتها الصين بنجاح في الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الجاري في إطار رحلتها إلى الفضاء.

 
لكنها ليست كل الحكاية، فعلاقة الصين بالقمر لها قصة أخرى، وهي أن الولايات المتحدة أطلقت في سبعينيات القرن العشرين اسم الفلكي الصيني "وان خو" على أحد مراصدها على القمر اعترافا منها بأن "وان خو" هو أول رائد فضاء في تاريخ البشرية.
 
وكما تقول الأسطورة كان "وان خو" قد حاول قبل ستة قرون الطيران إلى القمر فربط نفسه إلى طائرتين ورقيتين عملاقتين وسبعة وأربعين صاروخا محشوا ببارود شديد الانفجار، ولد إطلاقها دويا هائلا ودخانا كثيفا لم يعثر بعد انقشاعه على أي أثر لرائد الفضاء "وان خو".
 
لقد أرضت الصين مواطنيها بهذه اللفتة الثقافية، وزادت من اعتزازهم القومي. لكنها في الوقت نفسه أرسلت عددا من الرسائل الأخرى، فمن جهة أوحت أن وصولها إلى القمر ولو أسطوريا قد سبق الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق بآلاف السنين.
 
ومن جهة أخرى دفعت عن نفسها تهمة أنها ثاني أكبر ملوث للبيئة بعد الولايات المتحدة وذلك بالقول بأنها ساهمت بإنقاذ البشرية من ارتفاع درجة حرارة الجو.

شيوعية في القمر

الأساطير تستخدم لإيصال رسائل معاصرة (لجزيرة نت)
الأساطير تستخدم لإيصال رسائل معاصرة (لجزيرة نت)

الرسالة الأخيرة والأهم هي التي جاءت على لسان "يانغ لي وي" أول رائد فضاء صيني قاد بنجاح أول مركبة صينية مأهولة إلى الفضاء عام 2003، والتي أطلق عليها في حينه اسم "المركبة المقدسة".

 
يعتبر "يانغ لي وي" في الصين بطلا قوميا، وكافأه الحزب بمنحه "إكسيرا" شبيها بذلك الذي تقلده سلفه "خو إي" إذ انتخب مؤخرا عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
 
وصرح على إثر ذلك من موقعه الجديد بأن "الصين ستقوم بإنشاء أول محطة فضاء على القمر بحلول عام 2020، وبأن تلك المحطة ستضم فرعا للحزب الشيوعي الصيني على القمر مهمته ممارسة المهمات الاعتيادية التي تقوم بها فروع الحزب على الأرض.
 
إنها رسالة واضحة إلى كل المشككين بأن الصين تخلت عن الشيوعية مفادها أن الحزب لن يكتفي بتصدير الشيوعية إلى دول الجوار أو إلى دول أخرى على كوكب الأرض، بل سيعمل على تصديرها إلى القمر.
المصدر : الجزيرة