غيبو: البحث عن الروحانية حاجة إنسانية في الأعماق

الكاتب الفرنسي جان كلود غيبو
جان كلود غيبو كاتب وصحفي فرنسي عمل أكثر من 15 عاما مراسلا متجولا عبر العالم للجريدة الفرنسية الشهيرة لوموند، وصحيفة لونوفيل أبسرفاتور قبل أن يعتزل الصحافة ويتفرغ للكتابة والتأليف.
 
يشتغل حاليا مديرا للإصدارات بدار النشر لوسوي، وبها نشر كل كتبه الأخيرة التي نال عنها جوائز قيمة مثل "خيانة الأنوار" (جائزة جان جاك روسو عام 1995) و"استبداد اللذة" (جائزة رنودو عام 1998) و"إعادة تأسيس العالم" (1999) و"مبدأ الإنسانية" (الجائزة الأوروبية الكبرى عام 2002) و"طعم المستقبل" (عام 2003).
 
وبمناسبة صدور كتابه الجديد "قوة الاقتناع" هذا الشهر، أجرت معه الجزيرة نت هذا الحوار:
 
undefinedمررتم في الكتابة من "خيانة الأنوار" إلى "إعادة تأسيس العالم" ثم إلى "استبداد اللذة" فـ "مبدأ الإنسانية" و"طعم المستقبل". والآن كتبتم "قوة الاقتناع" فهل يمكن القول إن هذا مشروع كبير؟
 
– أجل، هذه الكتب الخمسة تشكل متتالية. كلها تسعى لتعميق بحث واحد حول ما سميته "التيه المعاصر". منذ عشرين عاما، دخلنا في دوامة من التحولات المعتبرة (اقتصادية وتقنية وجينية وغيرها) وهي تحولات نجد صعوبة في فهم معناها الحقيقي. محاولة مني للنظر بشكل أوضح، قررت النظر في حال الفكر في أغلب ميادين البحث كعلوم الاجتماع والقانون والاقتصاد والإنتروبولوجيا والدين وغيرها.
 
undefinedمن يقرأ كتبكم سيكتشف أنك كاتب متدين لكنه تدين ليس كتدين الآخرين، هل هذا صحيح؟

"
الديانات الكبرى الثلاث راكمت في ذاكرتها تجربة وتراثا فكريا كبيرا من التأملات والتحليلات الغنية التي تحتاج إلى إعادة اكتشاف ونظر
"
 
– نعم، أنا "متدين" (وأضع الكلمة بين قوسين) بالمعنى الذي يدفعني إلى الاعتقاد بأن البحث عن الروحانية حاجة أساسية في أعماق الإنسان. ليس في الأمر رجوع إلى الوراء أو إلى المتجاوز، كما كان يظن في سنوات الستينيات أو السبعينيات من القرن الماضي. إن القضية بعد من أبعاد الشخصية الإنسانية. لكن أن تكون متدينا، في نظري، لا يعني أن تكون مترهبا أو غير متسامح.
 
undefinedإذن، فعن أي ديانة تدافعون ما دمتم تحدثتم في كتابكم "طعم المستقبل" عن "التجديد" الديني؟
 
– أنا مهتم جدا بالديانات التوحيدية الكبرى (اليهودية والإسلام والمسيحية) ولست مهتما بديانات "الموضة" مثل "العصر الجديد" والغنوصية السوقية المعروضة في البازار المعاصر.
 
undefinedلماذا؟
 
– لأن الديانات الكبرى المذكورة راكمت في ذاكرتها تجربة وتراثا فكريا كبيرا من التأملات والتحليلات الغنية التي تحتاج إلى إعادة اكتشاف ونظر. وعلى كل حال، تأكد لي أن غير المتسامحين والمتشددين في أي ديانة يعانون من فقدان الذاكرة وانعدام ثقافة دينية حقيقية.
 
undefinedفي جل كتبكم، توجد دعوة إلى إعادة النظر وإعادة التفكير وإعادة البناء والتأسيس والتجديد. مثلا أنهيتم كتابكم الرائع "استبداد اللذة" بالدعوة إلى إعادة تأسيس الأسرة، وإعادة النظر في الشهوة الجنسية، ولكم كتاب سميتموه "إعادة تأسيس العالم".. إذن ترون أن كل شيء يحتاج إلى إعادة، لماذا إذن؟
 
– التحولات التي نعيشها ظاهرة ومعتبرة لدرجة أننا فعلا مضطرون إلى إعادة الاكتشاف والتجديد في كل شيء. لكن ينبغي الانتباه والحذر! فإعادة البناء لا تعني العودة إلى التفسيرات التي كانت عند الذين مضوا. نحن ملزمون بإعادة قراءة تراثنا من خلال حياتنا المعاصرة بحساسيتها. إعادة بناء الأسرة مثلا لا تعني أن تكون لنا أسرة كما كانت في القرن التاسع عشر.
 
undefinedلنعد إلى الديانات التي تظهر في الساحة من جديد والتي تحدثتم عنها في كتابكم "طعم المستقبل" ثم خصصتم لها كتابكم الجديد "قوة الإقناع"، هناك ملاحظة  سجلتها عنكم وأنتم تتحدثون عن كل ديانة على حدة، فعندما تحدثتم عن المسيحية واليهودية لم تكونوا في حاجة إلى وسيط لتقديمها للقراء، في حين أن حديثكم عن الإسلام توسطتم فيه بكتاب ليسوا في مستوى تقديمه، ما رأيكم؟
 
– أحترم الإسلام بشدة، وفي هذا الميدان لا أريد أن أتظاهر بالعلم، ولذلك أسعى إلى الاعتماد ما أمكن على كتابات مؤلفين مسلمين ومؤمنين يبدو لي أنهم على معرفة وانفتاح.

"
 أن تكون متدينا، في نظري، لا يعني أن تكون مترهبا أو غير متسامح
"
 
undefinedفي الوقت الذي يعاد فيه الحديث عن قانون 1905 والعلمانية الفرنسية، أي مكانة للإسلام والمسلمين ترونها بفرنسا؟
 
– أعتبر أن هذا القانون سيصعب تطبيقه بالنسبة لمسلمي فرنسا، إنه قانون مرتبط بتاريخ الكاثوليكية الفرنسية وعلاقاتها المتوترة على الدوام مع الجمهورية. فهو قانون بمعنى من المعاني خاص بتاريخنا، ولا يسهل فهمه على الذين أتوا من ثقافة غير ثقافتنا. ولكن مع ذلك، أرى أنه إذا فهم القانون جيدا وفسر تفسيرا حسنا، سيتيح إطارا ذهبيا حيث يمكن من ممارسة الشعائر والتفتح والتمسك بالحريات الدينية.
 
undefinedاخترتم لكتابكم الأخير "قوة الاقتناع" هل العالم في حاجة فعلا لقوة اقتناع، أي قوة للاقتناع هذه؟
 
– نعم، نحن في حاجة إلى اقتناع من جديد، اقتناع قوي وسلمي لمقاومة كافة الأشكال الجديدة من الهمجية، ولمكافحة العدمية واليأس المعاصر، وللتمكن من "إنشاء مجتمع" ينبغي أن تكون لدينا اقتناعات قوية وسلمية. وعندما تكون الاقتناعات قوية وموقنة بنفسها، عندها تكون قادرة على التسامح والانفتاح والحوار. وعلى العكس، عندما تكون العقائد هشة وضعيفة وعلى خوف وجهل، تتوجه نحو العدوانية والتشدد والانغلاق.
_______________
المصدر : الجزيرة