آثار سامراء ميدان رماية للاحتلال

-

عامر الكبيسي-بغداد

مقفرة من زوارها بعد إهمال شمل معالمها وقصورها. هذا هو حال سامراء التي بقيت لأكثر من نصف قرن عاصمة للخلافة الإسلامية وكانت تسمى بـ"سر من رأى" لجمال عمرانها ورونقها. لكن هذا الاسم لم يعد ينطبق على مسماه. فقد أضحى البعض يطلق على المدينة "ساء من رأى".

مناطق أثرية كانت لها قدسيتها وحرمتها وحفظت لها مكانتها طيلة قرون من الزمن أضحت الآن ممرات لمدرعات الاحتلال التي تسرح فيها وتمرح بدون مراعاة لقيمها التاريخية أو مكانتها في نفوس العراقيين.

هيثم قدوري أحد العاملين في شرطة الآثار في سامراء يقول "اتخذت قوات الاحتلال موقع الخليفة المعتصم الأثري مقرا عسكريا لها جاعلة منه ميدان للرماية فتقوم غالبا بإطلاق النيران من أسلحتها وإن كنا لا نعرف الاتجاه والسبب".

وأكد قدوري على قيام الاحتلال بتدمير البوابة المؤدية إلى باحة "المئذنة الملوية" بآلياته العسكرية ودخل إلى فناء المسجد الجامع –الذي كان النظام السابق قد وضع الهيكل العام لإعادة ترميمه وينتظر من يتمه اليوم- وقام باعتقال بعض الزائرين من ذات المواقع.

وأضاف أن مركز شرطة الآثار الذي يعمل فيه قدم عريضة ضد القوات الأميركية إلى محافظة صلاح الدين التي يتبع لها يشرح فيها خروقات الاحتلال التي تقع على الآثار في المدينة، إلا أن تحركا حيال ذلك لم يحدث.

ولم يقف التطاول على الآثار إلى حد الحجر إنما وصل إلى من يقوم بإدارة هذه الآثار كما هو الحال مع عبد الصمد كريم مدير الآثار في مدينة سامراء الذي اعتقل بأيادي الشرطة العراقية وقوات الجيش المعروفة بقوات الـ"أي سي دي" بعد أن قاموا بضربه.

وتقول زوجته -التي علمت أنه يقبع الآن في معتقل خارج سامراء عند القوات الأميركية- إن زوجها نقل لها مع بعض المعتقلين الذين أفرج عنهم وصيته بالحفاظ على الخرائط التي يرتسم بها شكل المدينة القديمة وبعض القطع الأثرية التي يملكها كريم مانعا إياها من تسليمها إلى أي أحد قبل أن يخرج من معتقله.

وانتقد محمود علي مسؤول قصر البركة الأثري في سامراء القوات الأميركية بأنها تدنس -على حد قوله- أرض القصر كما تطلق النيران بشكل عشوائي، الأمر الذي جعل الدور القريبة ترتحل من المنطقة خوفا على حياتها. ويواصل علي "كنا نعتقد أن القوات الأميركية ستقوم بترميم الآثار والاهتمام بها بيد أننا الآن نتمنى أن تدع هذه الآثار بلا إيذاء فحسب".

مدينة مهملة من أيام النظام السابق وزادت عليها الحرب ضررا آخر, فتجريف المناطق الأثرية كما يقول صهيب بدر أحد أبناء سامراء يعتبر انتهاكا صارخا لتلك الآثار. فمنطقة كفر قاسم إحدى المناطق الأثرية بنت عليها القوات الأميركية مقرا لها وجرفت تربتها التي يتداخل ترابها مع بقايا أحجار كانت في غابر الزمان دورا لجند عاصمة الخلافة.

أما أم طلال وهي زائرة من خارج المدينة تؤكد صدمتها لما رأته من إهمال شمل الآثار والمدينة على حد سواء فتقول إن قوات الاحتلال تجوب الشوارع ولا تبالي بآثار التعب التي بدت على المدينة وهي تعلم أنها سببت ذلك كله.

القبة الذهبية الكبيرة التي تسر العين تطالعك من بعيد إلا أنك حين الاقتراب تكتشف أن ضريح الإمام علي الهادي قد أخذ نصيبه من ويلات الاحتلال فالإطلاقات النارية تبدو على جدرانه العالية بل حتى داخل قبر الإمام تجد رصاصة هنا وأخرى هناك على الضريح.

وهكذا تبقى مدينة سامراء أقرب للنسيان منها إلى الذاكرة وتذكر بقصة المرأة التي نادت يوما المعتصم فلبي نداءها فيا ترى من سيلبي اليوم نداء وامعتصماه الذي تطلقه المدينة.
_______________
مراسل الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة