الزواج العرفي.. مسلسل يحيي قضية حسمها القانون التونسي منذ عقود

أثار مسلسل "براءة" جدلا مجتمعيا بسبب تطرقه دون مواربة لقضية الزواج العرفي وتعدد الزوجات (مواقع التواصل)

تونس- أثار مسلسل تونسي يعرض خلال شهر رمضان جدلا اجتماعيا وحقوقيا بسبب تطرقه لظاهرة الزواج العرفي وتعدد الزوجات في تونس والتي جرّمها القانون التونسي منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956.

وشدّت الدراما الرمضانية "براءة"، التي تبثها قناة "الحوار التونسي" الخاصة، أنظار المشاهدين منذ الحلقات الأولى بسبب خروجها عن المألوف الاجتماعي، وتطرقها دون مواربة لقضية الزواج العرفي وتعدد الزوجات أو ما يصطلح عليه قانونا بالزواج على خلاف الصيغ القانونية.

دافع البعض عن مسلسل "براءة" لكونه يتطرق لظاهرة الزواج العرفي المسكوت عنها في تونس (مواقع التواصل)

نقاش قانوني واجتماعي

واحتدم الجدل حول المسلسل بين من رأى أن أبطال العمل ومخرجه بتطرقهم لهذا الموضوع يريدون التطبيع مع هذه الظاهرة في المجتمع التونسي وهدم المكتسبات الحقوقية للمرأة التونسية، وبين من دافع عنه بحجة أن الزواج العرفي ظاهرة موجودة ومسكوت عنها في تونس وأن مهمة الفن التطرق لهذه القضايا وفضحها.

ونص الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية في تونس على أن تعدّد الزوجات ممنوع، كما يعاقب كلّ من تزوّج وهو في حالة الزوجية وقبل فكّ عصمة الزواج السابق بالسجن لمدّة عام مع تغريمه ماليا.

ويشترط الفصل 31 المنظم لقانون الحالة المدنية أن يتم إبرام عقد الزواج أمام عدلي إشهاد أو أمام ضابط الحالة المدنية بمحضر شاهدين من أهل الثقة، ويعتبر الزواج المبرم خلافا لذلك باطلا ويعاقب الزوجان زيادة على ذلك بالسجن مدة 3 أشهر.

 

المسلسل الرمضاني أثار حفيظة جمعيات حقوقية نسوية، إذ سارع بعضها لإصدار بيانات إدانة واستنكار لما ورد في مضمون المسلسل وتطرقه لقضية الزواج العرفي، معتبرين أنه يشوّه صورة المرأة التونسية ويجعلها خانعة وضعيفة ومسلوبة الإرادة.

كما ذهبت جمعيات أخرى للمطالبة بوقفه بحجة أنه يشرع لملفات حسمتها تونس منذ عقود، سواء بتعدد الزوجات أو الزواج العرفي، وأغلقت قوس النقاش الديني والقانوني بشأنه.

تطبيع مع الزواج العرفي

وفي هذا الصدد، عبّرت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة راضية الجربي -في حديثها للجزيرة نت- عن إدانتها للصورة المسيئة للمرأة التونسية في المسلسل، والعودة خطوات إلى الوراء في قضايا وظواهر حسم فيها القانون وانتصر للمرأة منذ عقود.

وأقرت الجربي بوجود حالات للزواج العرفي في تونس، لكنها شددت على أنه لا يرتقي لمستوى الظاهرة التي تستوجب تسليط الضوء عليها والتطبيع معها كما فعل أصحاب الدراما الرمضانية.

وتابعت "اللافت أن المسلسل لم يتناول قضية الزواج العرفي من زاوية الرغبة في معالجة الظاهرة، بل النزوع لتبريرها والحث على التطبيع معها كأمر واقع داخل المجتمع".

رئيسة اتحاد المرأة استنكرت الصورة الدونية التي ظهرت فيها المرأة من خلال بطلات المسلسل بين المغتصبة والمعنفة والمريضة النفسية ومن قبلت مكرهة بزواج زوجها عليها، معتبرة أن هذه الصورة أبعد ما يكون عن الشخصية الحقيقية للمرأة التونسية.

شكوى لرئيس الجمهورية

وتقول الجربي إنها تحدثت مع رئيس الجمهورية قيس سعيد بخصوص قضية الزواج العرفي التي تطرق لها المسلسل، في إشارة للوضعية الحقوقية الهشة التي تعيشها النساء في تونس على الرغم من وجود ترسانة قانونية يفترض أنها تحميها وترعى حقوقها.

ونبهت الجربي خلال لقاءها بالرئيس إلى وجود ما وصفته بالحنين عند البعض نحو العودة للوراء والتراجع عن مكتسبات المرأة، مؤكدة أن الرئيس شدد على استحالة التراجع عن حقوق المرأة وأن التونسيات لن يقبلن بذلك.

رئيسة اتحاد المرأة أطلعت رئيس الجمهورية على قضية الزواج العرفي التي أثارها المسلسل (الصحافة التونسية)

وزارة المرأة على الخط

وزارة المرأة والأسرة في تونس سارعت بدورها إلى نشر بيان، أكدت فيه رفضها كافة أوجه التطبيع مع جميع أشكال العنف الممارس ضد المرأة، داعية أهل الفنّ والثقافة والإعلام للمساعدة على تكريس الالتزام المجتمعيّ الشامل بمناهضة العنف ضد المرأة.

وأوضحت الوزارة أن الزواج على خلاف الصيغ القانونية أو ما يعرف بالزواج العرفيّ يمثّل جريمة يدينها القانون، وهي أحد أوجه الإساءة لمكاسب المرأة التونسية، وشكل من أشكال الانتهاك الصارخ لمدنيّة الدولة، ووجه من وجوه الاتّجار بالبشر والتهديد لحقوق النساء.

 

وأشارت إلى أن الإنتاج الدرامي أداة أساسية لممارسة حرية الفكر والإبداع التي ضمنها القانون والدستور، وأنه من الوظائف الأساسية لكلّ عمل فنيّ كسر جدار الصمت الذي قد يحيط بالمسكوت عنه في السياقات المجتمعية والتعاطي بجرأة وشجاعة لدى طرح القضايا الحارقة ومعالجتها نقديّا.

معالجة درامية لظواهر مسكوت عنها

من جانبها، نفت الممثلة نجلاء بن عبد الله -إحدى بطلات المسلسل المثير للجدل- في حديثها للجزيرة نت، أن يكون هدف العمل الدرامي التطبيع مع ظاهرة الزواج العرفي وتعدد الزوجات، أو الإساءة لصورة المرأة التونسية والتراجع عن مكتسباتها.

وأوضحت أن الهدف هو تسليط الضوء على ظواهر مسكوت عنها داخل المجتمع التونسي، مضيفة "أنا من أشرس المدافعات عن حقوق المرأة وأتحمل مسؤوليتي كاملة في الدور الذي جسدته لأني أرى أن مهمة الفن ليس تزييف الحقائق بل كشفها ومعالجتها".

ودعت نجلاء بن عبد الله التونسيين للتصالح مع قضاياهم وواقعهم وعدم النزوع نحو الإنكار، مشددة على أن ظواهر العنف الزوجي والزواج العرفي موجودة في تونس، رغم وجود ترسانة قانونية تجرم ذلك ويفترض أنها تحمي المرأة.

المصدر : الجزيرة