فؤاد المهندس الأستاذ والتلميذ.. نجم المسرح الأول الذي تأخر حظه السينمائي

ظل المهندس محاصرا بتقديم شخصية صديق البطل حتى جاءته فرصة البطولة المطلقة عام 1964 من خلال فيلم "أنا وهو وهي" مع المخرج فطين عبد الوهاب.

فؤاد المهندس
بمشهد في مسرحية "أنا فين وانتي فين" أعطى المهندس فرصة الانطلاق للممثل عادل إمام نحو النجومية (مواقع التواصل)

الحريق الذي شب في غرفته عام 2006، والتهم جميع مقتنياته وشهادات التقدير والعملات التي كان يحتفظ بها وملابس الشخصيات التي قدمها والصور النادرة والكتب وسيناريوهات أفلامه، وسرير الخديوي اسماعيل الذي حصل عليه من مزاد عام 1969، وتسبب في وفاته حزنا في نفس العام في 26 سبتمبر/أيلول 2006، لم يمح تاريخ "الأستاذ" فؤاد المهندس الفني الممتد لأكثر من 50 عاما، بإبداعات في الإذاعة والمسرح والسينما والتلفزيون.

فالمهندس لقب بسفير الكوميديا الراقية لالتزامه الشديد الذي تشربه من أستاذه نجيب الريحاني وقرر أن يسير على دربه. ورغم نصيحة الأخير له في البداية بأن يستقل بأدائه ولا يتبعه، فإنه تعلم من كواليس الريحاني الالتزام واحترام الجمهور والمسرح وأن تكون لديه بذرة الفنان الكوميدي.

الكوميديان المثقف

ولد فؤاد زكي المهندس في 6 سبتمبر/أيلول 1924، نشأ في بيت مهتم بالعلم والثقافة، فوالده كان يرغب أن يكون ابنه امتدادا له، فهو عالم اللغة وعميد كلية دار العلوم سابق ووكيل المجمع، أما شقيقته الكبرى فهي الإعلامية صفية المهندس وكانت صاحبة الفضل في تعرفه على الريحاني والذي حضر زفافها من صديقه الإعلامي "بابا شارو" فظل فؤاد ليلتها متتبعا للريحاني الذي شعر بالاختناق من الموقف، وقال له "يا ابني حرام عليك مش عارف أتنفس منك".

لكن المهندس اقترب من الريحاني لاحقا آخر عامين له حين ذهب إلى مكتبه عام 1946 لإجراء حوار، وعرض عليه المهندس أن يخرج مسرحية لطلبة كلية التجارة، وبالفعل استجاب له الريحاني وكانت مسرحية "حكاية كل يوم" التي حصلت على كأس يوسف وهبي وكانت تقام للمرة الأولى.

في البداية لم يرحب والده بأن يكون ابنه فنانا، لكنه كان ديمقراطيا مما جعل فؤاد يفكر في إرضائه عقب تخرجه فالتحق بالعمل موظفا بإدارة رعاية الشباب بجامعة القاهرة، لكنه لم يتحمل القيود التي فرضتها عليه الوظيفة، خاصة وأنه كان يرغب في التفرغ للتمثيل، خاصة وأن والده بعد أن شاهده على خشبة مسرح الجامعة قال "لم أكن أعرف أنني أنجبت فنانا عظيما بهذا القدر".

كلمتين وبس

تمكن المهندس على المسرح وفي السينما لم يأت من فراغ، فأثناء دراسته الابتدائية كان يشارك في برامج الأطفال بالإذاعة، وشارك في حلقات "ألف ليلة وليلة" وارتبط اسمه وصوته المميز بميكرفون الإذاعة. وحتى بعد نجاحه السينمائي والمسرحي، ظل وفيا لعلاقته بالإذاعة من خلال برنامجه الإذاعي الشهير "كلمتين وبس" الذي قدمه عبر إذاعة البرنامج عام 1968، وقدم خلاله شخصية سيد أفندي الذي يسلط الضوء على سلبيات المجتمع.

ساعة لقلبك

بعيدا عن الشكل التقليدي للمسرح، انضم المهندس لفرقة "ساعة لقلبك" المسرحية والتي أسسها يوسف عوف وسمير خفاجي، وكانت تقدم عروضا يحضرها الجمهور تقدم كبرنامج إذاعي بدأ عام 1953، واستمر حتى الستينيات.

صديق البطل

شكلت الثقافة والوعي المبكر شخصية فنية لدى المهندس الذي تأخرت نجوميته سينمائيا لظهوره بين جيل العمالقة مثل إسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصري وحسن فايق، والذين ساعدتهم ملامحهم الشكلية في انتزاع الضحكات من الجمهور إلى جانب موهبتهم، وهو ما جعل المهندس بحاجة لمزيد من الوقت لإثبات موهبته.

ظل المهندس لأكثر من 10 سنوات يشارك بشخصية صديق البطل أو الدور الثاني، لكنه نجح في أن يحتل مكانة لدى الجمهور، فلم تمر الشخصيات التي قدمها مرور الكرام مثل وصفي (صديق-عمر الشريف) في "نهر الحب" وعارف (صديق-حسن يوسف) في "التلميذة"، وفي "الشموع السوداء" يقدم الدور الثاني أمام صالح سليم، وفي "الساحرة الصغيرة" هو شريف (صديق-رشدي أباظة) فموهبة المهندس وحضوره الطاغي أضاف للشخصيات نجومية.

سحب البساط من العمالقة

وظل المهندس محاصرا بتقديم شخصية صديق البطل حتى جاءته فرصة البطولة المطلقة عام 1964 من خلال فيلم "أنا وهو وهي" مع المخرج فطين عبد الوهاب تميمة الحظ في نجاح أفلام إسماعيل ياسين، والذي كانت نجوميته تراجعت منتصف الستينيات، ليسحب المهندس البساط من جيل الكوميديانات السابقين له، وينفرد على الساحة المسرحية والسينمائية أيضا كبطل أول.

وعلى عكس من سبقوه، تميز أداء المهندس بالجدية التي تثير ضحكات الجمهور، بجانب عفويته في تقمص الشخصيات واعتماده على البساطة في الأداء.

كيمياء عاطفية وسينمائية

كان المهندس قدم أيضا عام 1963 مسرحية "أنا وهو وهي" مع شويكار، وأثناء العرض طلب الزواج منها على خشبة المسرح بعد أن وقع في حبها، فكانت أول حب في حياته رغم زواجه قبلها بسنوات طويلة من عفت سرور والدة أبنائه والتي تزوجها بشكل تقليدي رغبة منه في الاستقرار ووجود زوجة تهيئ له المناخ للعمل والإبداع، إلا أنه سرعان ما انفصل عنها بسبب الاختلاف وغيرتها الشديدة وعدم تفهمها لعمله بالشكل المطلوب وكان قد أنجب منها ابنيه محمد وأحمد.

وكان التفاهم والكيمياء الفنية كانت سببا في نجاحه وشويكار سويا على خشبة المسرح في "حواء الساعة 12، سيدتي الجميلة، إنها حقا عائلة محترمة" فتكون ثنائي لأكثر من 20 عاما سيطر خلالها على المسرح في مصر.

ولفت النجاح المسرحي أنظار المنتجين الذين سعوا لاستثمار هذا النجاح سينمائيا من خلال أفلام "اعترافات زوج، غرام في أغسطس، إجازة بالعافية، الراجل دا هيجنني، مطاردة غرامية، شنبو في المصيدة" قبل أن يتم الانفصال الفني والزوجي بينهما.

وبعيدا عن الثنائي مع شويكار، قدم أيضا "جناب السفير" مع سعاد حسني و"عودة أخطر رجل في العالم" مع ميرفت أمين.

الأستاذ

بمشهد في مسرحية "أنا فين وانتي فين" أعطى المهندس فرصة الانطلاق للممثل عادل إمام نحو النجومية، ولم يعترض بعدها بأن يشارك معه سينمائيا بدور صغير في فيلم "خلي بالك من جيرانك" أو في فيلم "خمسة باب" لإيمانه بالاستمرارية مع الشباب، ففي تلك المرحلة أيضا قدم مع الممثل أحمد زكي دورا في "البيه البواب".

لكن المهندس تعرض للانتقاد بعد مشاركته في مسرحية "علشان خاطر عيونك" مع شيريهان فاعتبر النقاد وقتها أن المسرحية كتبت خصيصا لها من البداية للنهاية، رغم أن فؤاد المهندس أول من قدمها في مسرحية "سك على بناتك" وتوقع لها النجومية.

عمو فؤاد

التقدم في العمر لم يمنع المهندس من الاستمرارية بل والنجاح بنفس القدر، والحرص على الاختلاف وتقديم تجارب جديدة، فكان يهتم بتقديم أعمال للأطفال فغنى في مسرحياته "عيد ميلاد أبو الفصاد، رايح أجيب الديب من ديله" وقدم عملا مسرحيا للأطفال هو "هالة حبيبتي". وفترة الثمانينيات والتسعينيات انطلق لعالم الفوازير من خلال "عمو فؤاد" والذي أصبح اسم شهرته، وآخر عامين اضطر لتقديمها في 15 حلقة بناء على نصيحة الأطباء.

وإلى جانب الفوازير واهتمامه بالأطفال، شارك المهندس في الدراما بأعمال ناجحة مثل مسلسل "عيون، أزواج ولكن غرباء".

وفاة درامية

الكوميديا كانت رفيقة مشوار المهندس الفني، لكن على العكس ففي سنواته الأخيرة كان قد بدأ يشعر بالحزن الشديد خاصة حين سجن ابنه محمد لمشاكل مع أحد البنوك، وأيضا تأثر كثيرا لوفاة تلميذته سناء يونس والتي شاركته عروضا مسرحية، وقبل 3 أشهر من وفاته كان قد رحل صديق عمره وأستاذه وشريك نجاحاته عبد المنعم مدبولي، إلى جانب حريق غرفته ومقتنياته، مما أثر على حالته النفسية ليرحل عن عالمنا في 26 سبتمبر/أيلول 2006 تاركا إرثا فنيا ممتدا، وقد سمح وزير الداخلية وقتها حبيب العادلي لابنه بالخروج من السجن لحضور الجنازة والعزاء.

المصدر : الجزيرة