أطوار عادل إمام.. التملص من السذاجة إلى قمة هرم الزعامة

الفنان الكوميدي عادل إمام (مواقع التواصل)

عادل إمام إحدى الظواهر الفنية الغريبة والمدهشة في تاريخ السينما والمسرح المصري خلال نصف قرن مضى، إذ تمكن من البقاء في ريادة شباك التذاكر لأكثر من 40 عامًا، كان خلالها ملء السمع والبصر في السينما والمسرح، ومؤخرًا في التلفزيون عبر 8 مواسم رمضانية متتالية.

ومثلما وجد جيل الآباء والأكبر سنًا ضحكاتهم لدى عادل إمام في مسرحياته المسجّلة الشهيرة وفي الأفلام القديمة والحديثة، يجد جيل الأبناء من مواليد الألفية مفردات لغتهم الجديدة (ميمز) في صور وانطباعات الرجل المأخوذة من هذه الأفلام.

هذا النجاح لا يمكن أن يولد صدفة، بل بناء على حالة من التطور الدائم في قراءة الظروف المواتية، واختيار الأدوار التي يلعبها؛ إما على الشاشة أو على خشبة المسرح، ليحقق سؤاله البلاغي الدائم من دوره في مسرحية مدرسة المشاغبين "زعيم أونطة أنا ولا إيه؟"

فلتة فنية

منذ أول ظهور له إلى جوار فؤاد المهندس في دور وكيل المحامي، تمكن عادل إمام من لفت أنظار الجمهور والنقاد، وعدّه الكاتب الساخر محمود السعدني موهبة استثنائية؛ "عادل إمام فلتة فنية ولا شك، ودخوله السينما المصرية ليس بالأمر السهل، خصوصا في سوق لا يعترف كثيرًا بالمواهب ويفضل عليها الأشكال؛ فالوجه الجميل خير من العقل الذكي والأناقة خير من الثقافة والمصنوع أعظم من الموهوب".

هكذا قدم السعدني وصفه لعادل إمام وللسينما قبل 50 عامًا، حين كان ممثلًا شابًا، يسعى للبقاء أطول وقت على الشاشة أو لدور أكبر على خشبة المسرح.

نبوءة أم نصيحة؟

وقال عنه السعدني في كتابه "المضحكون" عام 1971 "لو أدرك عادل كم هو موهوب وكم هو مطلوب لنجا بنفسه من الكمين الذي أعدوه له، وإذا لم يهرب سريعًا من هذا الركن المحشور فيه إلى دور البطولة؛ الشرير خفيف الدم، والنصاب الظريف، والمزيج من ريتشارد ويدمارك وكليفتون ويب، وعصير من توفيق الدقن والمهندس، وحتى لو فشل عادل في الإفلات من هذا المصير، وحتى لو ظل محلك سر في دور السنيد، فلن ينقص هذا من موهبته، ولن يحط من قدره كفنان نابغ وموهوب وعظيم".

بالتأكيد قرأ عادل إمام هذه النصيحة، وبالتأكيد نجا من هذا الكمين الذي أشار إليه، ربما لم يتمكن إمام من تطبيقها في حينه، لكنه أدركها حين سنحت له الفرصة بعد عرض مسرحية "مدرسة المشاغبين" عام 1973م، التي دفعت نجمه للسطوع جماهيريًّا.

حبيس الشخص الساذج

كان عادل إمام يحتفل بعيد ميلاده 33 في الليلة الثانية من عرض مسرحية "مدرسة المشاغبين" عام 1973، وهي المسرحية التي كتبت شهادة ميلاده كنجم بعد نحو 11 عامًا من العمل في الأدوار الثانوية والثانية، واستمرت نجوميته نحو 50 عامًا حتى يومنا الحالي.

في هذه المسرحية تساءل بصوت بهجت الأباصيري "زعيم أونطة أنا ولا إيه؟" ليواصل إجابة السؤال على مدى أكثر من ثلثي عمره، ومنذ منتصف السبعينيات يعمل على تأكيد نجوميته، التي بدأها ببطولة فيلم "البحث عن فضيحة" وبشخصية شاب قروي ساذج يسعى للفوز بقلب البطلة ميرفت أمين.

لكنه سيقع في فخ السبعينيات وينفق عقده الرابع من العمر في أفلامها ذات الألوان الصارخة وموضوعاتها الرائجة التي لا تخرج عن حيز العلاقات العاطفية والزوجية، ويظل حبيسا ليقدم مجموعة أفلام: "الزواج السعيد، وممنوع في ليلة الدخلة، و24 ساعة حب، والكل عايز يحب، وألو أنا القطة، والبحث عن المتاعب، وجنس ناعم، وأزواج طائشون، وجواز ع الهوا. لكن في خضم هذا الفخ من الأفلام الخفيفة حد التفاهة سريعة النسيان، قدّم عادل إمام إحدى روائع المسرح الكوميدي "شاهد ما شفش حاجة" بشخصية سرحان عبد البصير، التي تشبه شخصيات أفلامه في هذه المرحلة أيضًا، ممثل ساذج طيب القلب يتورط في المتاعب، لكن سحر خشبة المسرح وقف إلى جانبه ليقدم أحد أكثر أدواره خلودًا قبل أن يتم 40 من عمره.

الأربعينيات.. فترة النضج والثقة

يبدو أن عادل إمام كان يحاول التملص من الكوميديا الخفيفة متجها نحو الدراما التراجيدية؛ فقدم شخصية إبراهيم الطاير في "أحلام الفتى الطائر"، أول مسلسلات الكاتب وحيد حامد التلفزيونية، الذي كان في رصيده فيلم واحد فقط هو "طائر الليل الحزين"، ليثبت عادل نجاحه في الدراما البعيدة عن الكوميديا، ويبدأ وضعها في اعتباره لتتوالى الأعمال التي لا تتمحور حول كوميديا السذاجة، مع دخوله العقد الخامس.

ففي أربعينياته كان النضج حليف شخصية عادل إمام؛ كبر وصار نجمًا واثقًا يمكنه الرفض والانتقاء من بين الأدوار، بعدما كان يقبل أي دور يُعرض عليه، فأدى أحد أدواره التراجيدية الخالدة مع عبد المنعم مدبولي في "إحنا بتوع الأتوبيس"، ثم انطلق لتجربة الدراما بعدة أشكال، فقدم "الجحيم" و"ليلة شتاء دافئة"، لكن علامته الفارقة جماهيريا كانت في مسلسل "دموع في عيون وقحة"، وشخصية الجاسوس المصري "أحمد الهوان" المعروف بجمعة الشوان، الذي حقق له نفوذًا داخل كل بيت مصري، خاصة مع قصته الوطنية وقضيته في إطار الصراع المصري الإسرائيلي.

بالتأكيد ساعده نجاح الفيلمين السابقين والمسلسل في تثبيت أقدامه على مسار الدراما بعيدًا عن كوميديا الرجل الساذج، ليفتتح الثمانينيات التي كانت فترة من ذهب بالنسبة له، إذ كان نجمًا جماهيريًا متحققًا يمكنه الحصول على ضعف أجره المعتاد نظير موافقته على وضع اسم نادية الجندي إلى جوار اسمه في فيلمهما المشترك الوحيد "خمسة باب".

ويبدو أن عادل إمام حاول خلال أربعينياته العمل بنصيحة محمود السعدني القديمة ليهرب إلى أدوار الشرير خفيف الدم والنصاب الظريف، فقدم "على باب الوزير"، و"عصابة حمادة وتوتو" و"ولا من شاف ولا من دري" و"الأفوكاتو" و"مين فينا الحرامي" و"واحدة بواحدة".

أزمة منتصف العمر

الزمن هو المنافس الأقوى، هكذا رأى عادل إمام، وهكذا أكد في رده على سؤال طرحه عليه الإعلامي مفيد فوزي قبل نحو 30 عامًا، أثناء تصوير فيلم "المنسي". كان الزعيم حينها في مطلع خمسينياته بالتزامن مع مطلع التسعينيات، ويبدو أن الزمن كان منافسًا قويًا بحق، فبعد نحو 18 عامًا من النجاح الجماهيري والاختيارات القوية منذ نهاية السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات، اختلت موازين الزعيم ومعايير اختياراته، في ما يمكن اعتباره أزمة منتصف العمر.

ورغم تقديمه فيلم "طيور الظلام" بقوة ونجاح عام 1995، فقد قدّم في العام نفسه فيلمًا مرتبكًا ضمن مسيرته الناجحة، هو "بخيت وعديلة"، لتبدأ مرحلة من التذبذب في مؤشرات نجاحه واختياراته السينمائية والمسرحية، فقدم "بخيت وعديلة 2" في العام ذاته، الذي قدم فيه "النوم في العسل"، ثم فيلم "رسالة إلى الوالي"، وأضعف مسرحياته فنيًّا "بودي جارد"، ثم "الواد محروس بتاع الوزير"، لينهي حقبة التسعينيات بفيلم "هالو أمريكا"، الذي لم يحقق النجاح المنتظر، خاصة في ظل تصاعد الموجة الكوميدية الجديدة بنجومها الشباب: محمد هنيدي وعلاء ولي الدين ومحمد سعد؛ ليتفرغ عادل إمام للمسرح متوقفًا عن السينما عامي 2000 و2001، قبل أن يعود في العام التالي بفيلم "أمير الظلام"، الذي كان بمثابة اعتراف على استحياء بتقدمه في العمر وعدم ملاءمته لأدوار "فتى الشاشة" أو "نجم الأكشن".

متطور دومًا وفقا للظروف

حين جاءت موجة الأفلام الكوميدية في مطلع الألفية، توقف عادل إمام عن الظهور السينمائي عاما واحدا فقط، ربما ليعيد حساباته بعد عدة اختيارات غير موفّقة، كان آخرها فيلم "هالو أمريكا" عام 2000، بالتزامن مع عرض مسرحيته "بودي جارد". وبدءًا من عام 2002 وحتى عام 2010 لم ينقطع حضور عادل إمام عن شاشة السينما، لكن في ملامح جديدة تناسب الظروف الجديدة له شخصيًا، ألا وهي تقدمه في العمر، كرجل ستيني، لكنه ستيني متصاب، أو ساخر أو لعوب، أب محب، أو ستيني بائس يعاني من تغير الزمن في قاهرة الألفية الجديدة عن قاهرة الخمسينيات التي عايشها حيث كانت "الموضة تنزل هنا قبل باريس".

وحتى الستيني المصاب بالألزهايمر، أو هكذا صوّروا له، في آخر ظهور له على شاشة السينما قبل أن تتغير خريطة السينما مرة أخرى في أعقاب ثورة 25 يناير، ليتواءم الزعيم مع هذه التغيرات الجديدة متجهًا نحو الدراما التلفزيونية، وبداية من عام 2012 حتى عام 2020، لم ينقطع عادل إمام عن الظهور على شاشات التلفزيون إلا مرة واحدة عام 2019، إذ قدّم في تلك الفترة 8 مسلسلات، ليصبح في جعبته 16 مسلسلًا، منها 12 من بطولته.

موقف اجتماعي

ليس لعادل إمام موقف سياسي معلن، غير أنه يسخر من التيارات السياسية كافة في أفلامه؛ فهو يسخر من اليسار وشخصياته "المقولبة"، كما يسخر من الإسلاميين، كما هاجم الجماعات المتشددة التي كانت تتخذ من العنف وسيلة في التسعينيات.

ربما يمكن اعتبار هذا موقفًا واضحًا، لكنه موقف اجتماعي أكثر منه سياسيا، فهو لا يعترف بالتيارات السياسية، لكن حين تحول الأمر لصدام مجتمعي أعلن موقفًا واضحًا مثلما فعل في صيف عام 1988، حين قرر تقديم عرضه المسرحي "الواد سيد الشغال" لجماهير محافظة أسيوط، لمدة يومين مجانًا، على أن يخصص دخله لصالح النشاط المسرحي للمحافظة الواقعة في صعيد مصر، في موقف تضامن فيه عادل إمام مع فرقة مغمورة من هواة المسرح أسسها شباب في قرية تسمى "كودية الإسلام"، تعرضوا لهجمة من إحدى الجماعات المتطرفة في الصعيد واعتبرتهم من أهل الفسوق، فحاولوا منعهم بالقوة من تقديم عرض مسرحي، باستخدام الجنازير والسنج فسقط قتيلان وأصيب آخرون.

المصدر : الجزيرة