القصص العربية بين وسيطين.. أيهما أقرب الكتاب أم السينما؟

"لماذا لم يطرقوا جدران الخزان"؛ كان هذا هو السؤال الرئيس في رواية "رجال في الشمس" الصادرة عام 1963 للأديب الفلسطيني غسان كنفاني.

بناء على قصة "النوم عند قدمي الجبل" للكاتب السوداني حمّور زيادة؛ أخرج المخرج السوداني أمجد أبو العلاء فيلم "ستموت في العشرين" (مواقع التواصل)

منذ دخلت السينما إلى المنطقة العربية -في نهايات القرن الـ19 وحتى يومنا الحالي- اقتبست من عالم المسرح والرواية قصصا جسدتها على الشاشة الضخمة، وأقامت عديدا من الأفلام بناء على أسس روائية ومسرحية، إما بالنقل الكامل أو باقتباس الثيمة الغالبة والبناء عليها.

وكان للسينما والأدب المصريين النصيب الأكبر من الاقتباس والإنتاج السينمائي، لكن التجارب العربية الشامية والمغربية والسودانية كانت قوية الحضور والتأثير على المستوى النقدي وحتى من خلال تمثيلها في المهرجانات، نستعرض في هذا الموضوع بعضا منها:

ستموت في العشرين

بناء على قصة "النوم عند قدمي الجبل" إحدى القصص الطويلة لمجموعة تحمل نفس الاسم للكاتب السوداني حمّور زيادة؛ أخرج المخرج السوداني أمجد أبو العلاء فيلم "ستموت في العشرين" الذي جاء في عام 2019 كأول فيلم روائي طويل سوداني بعد نضوب بالسينما السودانية دام لفترة 20 عاما، ويحكي قصة شاب اسمه مزمّل النور الذي يحمل على كاهله نبوءة منذ الميلاد، بأنه سيموت عندما يكمل 20 عاما، ويستعرض الأجواء المهيبة للتراث الريفي السوداني والذي لا يخلو من أجواء أسطورية برزت بقوة داخل كادر الفيلم وألوانه كما برزت في قصته.

وعُرض الفيلم في الدورة الـ76 لمهرجان "البندقية السينمائي" الدولي، وحاز جائزة المهرجان "أسد المستقبل" لأفضل عمل أول. وعُرض في الدورة الثالثة لمهرجان "الجونة السينمائي"، وحصل على جائزة نجمة الجونة الذهبية لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة. كما حصل على جائزة "التانيت الذهبي" في مهرجان أيام قرطاج السينمائية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

عُرض "ستموت في العشرين"كأول فيلم روائي طويل سوداني بعد نضوب بالسينما السودانية دام لفترة 20 عاما (مواقع التواصل)

المخدوعون.. رجال في الشمس

"لماذا لم يطرقوا جدران الخزان"؛ كان هذا هو السؤال الرئيس في رواية "رجال في الشمس" الصادرة عام 1963 للأديب الفلسطيني غسان كنفاني، حول 4 رجال فلسطينيين، لاجئين يحاولون الهرب على الحدود داخل خزان سيارة تتحرك في الصحراء.

رعب شديد يواجهونه حين تقف سيارتهم بخزانها الحديدي تحت لفح شمس الظهيرة في صحراء حدودية ملتهبة. وقد جسّد المخرج المصري توفيق صالح هذا الرعب على شاشة السينما في فيلم من إنتاج سوري بعنوان "المخدوعون" 1972، ورغم أنه صدر باللونين الأبيض والأسود؛ فإنه تمكن من توصيل إحساس العذاب الذي يعانيه 4 رجال مخدوعين ومتروكين داخل خزان حديدي تحت شمس حارقة، ولم يتمكنوا من طرق جدران الخزان.

عُرس الزين

عن رواية "عُرس الزين" للأديب السوداني العالمي الطيب صالح الصادرة عام 1969؛ صنع المخرج الكويتي خالد الصديق فيلما يحمل نفس الاسم عام 1976، ويحكي الفيلم والرواية عن "الزين"؛ هذا الشاب الضحوك خفيف العقل، محبوب الجميع الذي يعيش مع أمه في إحدى قرى شمال السودان، والذي لا يجد غضاضة من إعلان حبه لنعمة بنت الحاج إبراهيم. وقد بدأت المشاهد الأولى بالفيلم بظلال شاب يقلد القرود في أصواتهم وصراخهم وتسلقهم للأشجار قبل أن يصرخ في الفراغ أن "يا ناس البلد، أنا مقتول في حوش عمي، قتلتني نعمة بنت عمي".

وهكذا قدم لنا المخرج شخصية "الزين" الذي سنتطلع معه أحوال القرية الريفية البسيطة في شمال السودان القديمة وأحوال سكانها طوال أحداث الفيلم.

وتعد الرواية إحدى جواهر الأديب السوداني الراحل التي تستعرض طبيعة المجتمع السوداني الريفي بأجوائه السحرية، والتي ترجمت للغات عديدة إلى جوار "موسم الهجرة إلى الشمال"، ومثلما حظيت الرواية باهتمام عالمي؛ ترشح الفيلم لجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ51، ولكن الحظ لم يكن حليفه في المسابقة.

باب الشمس.. الرحيل والعودة

عن رواية "باب الشمس" الصادرة عام 1998 للأديب اللبناني إلياس خوري؛ أخرج المخرج المصري يسري نصر الله في عام 2004 فيلما يحكي تاريخ القضية الفلسطينية من خلال قصة حب بين يونس الذي ينضم لأفراد المقاومة الفلسطينية، بينما تظل زوجته نهيلة متمسكة بالبقاء في قريتها بالجليل خلال فترة الخمسينيات والستينيات. ويعتاد يونس التسلل من لبنان إلى الجليل ليقابل زوجته في مغارة تسمى "باب الشمس"، وينجبا طفلا، بينما يذهب ويعود بين دوره في المقاومة وبين دوره كزوج وأب.

ورغم أن الفيلم لم يحقق إيرادات تذكر جماهيريا؛ فإنه حقق صدى نقديا بارزا واعتبره النقاد فيلما ملحميا عن قضية لم يغب ذكرها حينذاك.

وكانت تجارب الاقتباس السينمائية من الأدب ناجحة، إما جماهيريا أو نقديا أو الاثنين، وفي ظل الشكوى الدائمة التي يرددها صناع السينما حول نقص الأعمال الجديرة بالإنتاج؛ ربما يمكنهم العودة إلى بعض الأعمال الأدبية والاقتباس منها أو البناء عليها، وقد يضمنون بعض النجاح إذا ما اختاروا أعمالا أدبية ناجحة بالفعل.

المصدر : الجزيرة