"عصر الساموراي" على نتفليكس.. هل المسلسلات الوثائقية مصدر موثوق للمعلومات؟

بعد تقديم الإمبراطورية العثمانية والرومانية والقيصرية الروسية.. نتفليكس تقتحم عصر الساموراي

"عصر الساموراي" ليس التجربة الأولى لنتفليكس في مجال الدراما الوثائقية التاريخية (مواقع التواصل الاجتماعي)

أعلنت منصة "نتفليكس" طرح مسلسل الدراما الوثائقية "عصر الساموراي: معركة اليابان" بدءا من يوم الأربعاء 24 من فبراير/شباط الجاري.

ويعتمد المسلسل على الدراما التصويرية وشهادات الباحثين والخبراء في تاريخ العصور الوسطى اليابانية لاستعراض رحلة مقاتل الساموراي "ماساميوني"، لتوحيد منطقة شمال اليابان في مرحلة من تاريخ العصور الوسيطة في اليابان، وتحديدًا في نهايات القرن الـ13 وحتى منتصف القرن الـ14.

فصل من تاريخ اليابان الإقطاعية

يتناول مسلسل "عصر الساموراي: معركة اليابان" مرحلة التاريخ الإقطاعي لليابان وتصاعد العشائر فيما يمكن اعتباره "صراع العروش" ولكن في نسخة واقعية من التاريخ الياباني، بالتركيز على إحدى أبرز الشخصيات في هذه المرحلة "ماساميوني" أو "التنين الأعور".

ويعتبر ماساميوني أحد أكثر الشخصيات الأسطورية في اليابان، وواحد من 4 أمراء حرب آخرين وضعوا طموحاتهم في توحيد الدولة اليابانية بأكملها تحت راية واحدة، فقد حارب الجنرال الشاب وشق طريقه إلى قمة الحكم في فترة اليابان الإقطاعية، بعدما تخلص من شقيقه لضمان تسلسل خلافته في نسله.

وفي عمر 17 عامًا فقط، تولى ماساميوني قيادة عشيرة والده، وفي غضون بضع سنوات غزا العشائر المجاورة لتوحيد معظم شمال اليابان. وحصل على لقب شهرته "التنين أحادي العين" بعدما فقد إحدى عينيه بعد إصابته بالجدري.

ولا تزال تأثيرات أسطورته الشخصية مستمرة حتى عصرنا الحالي؛ إذ يُعتقد أن تصميم خوذته كان الإلهام الرئيس وراء تصميم رأس شخصية "دارث فيدر" من سلسلة "ستار وورز" الشهيرة.

ويستعرض المسلسل مزيدًا من تفاصيل الحياة والسياسة والصراعات التي دارت بين الأسر والعشائر الإقطاعية في تلك الفترة من تاريخ اليابان الدموي، في إطار درامي تمثيلي مصحوب بتعليقات من الباحثين والمتخصصين في التاريخ الياباني والذين لعبوا دورًا في إعداد المادة العلمية والتوثيقية للمسلسل.

لكن يُطرح سؤال، هل تعد هذه النوعية من المسلسلات الوثائقية مصدرًا للمعلومات التاريخية؟

تاريخ مصوّر بجودة 4K

"عصر الساموراي" ليس التجربة الأولى لنتفليكس في مجال الدراما الوثائقية التاريخية، إذ عرضت خلال العام الماضي فقط 3 مسلسلات دراما وثائقية تتناول مراحل حاسمة من التاريخ البشري العالمي، في أزمنة مختلفة وأمكنة متباينة، فقد قدمت دراما حول الإمبراطوريات التاريخية مثل الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الرومانية والقيصرية الروسية.

3 اغتيالات في 3 مواسم

فقد عرضت في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 الموسم الأول من مسلسل "الإمبراطورية الرومانية" بعنوان "كومودوس: عهد الدم" Commodus: Reign of Blood الذي جاء في 6 حلقات تناولت مرحلة احتضار العصر الذهبي للإمبراطورية الرومانية الذي انتهى باغتياله بعدما قاده هوسه بأن يُصبح نجمًا شعبيًا بحلبات المجالدين إلى تحالف ضحاياه ضده وعديد من المؤامرات والمكائد التي سادت قصره في القرن الثاني الميلادي.

تلته بالموسم الثاني "يوليوس قيصر: سيد روما" Julius Caesar: Master of Rome والذي يحكي وقائع تاريخية أقدم من أحداث الموسم الأول بنحو 200 عام، إذ تدور حول صراعات الإمبراطور الأول، يوليوس قيصر والمكائد الدائرة داخل قصره والتي انتهت باغتياله أيضًا عام 44 قبل الميلاد.

اغتيال ثالث من عهد الإمبراطورية الرومانية يحكيه الموسم الثالث من المسلسل "كاليغولا: الإمبراطور المجنون" الذي اغتيل طعنًا بخنجر في منتصف القرن الأول الميلادي.

هل كل ما يقدمه موثوق؟

رغم المشاهد الحية لمجلس الحكم وروما القديمة، والمعارك التي خاضها الأباطرة وحتى حلبات المصارعة التي قدمها المسلسل في 3 مواسم، اعتمادًا على الرسوم والمخططات التاريخية وتقنيات الذكاء الصناعي، فإن النسخة النهائية تبدو لم تخضع لمراجعة كافية قبل عرضها، ففي الحلقة الأخيرة من الموسم الثاني يذكر المعلق أنه في "يوم 14 مارس/آذار من عام 44 قبل الميلاد، طُعن يوليوس قيصر 23 طعنة" ومات على إثرها.

غير أن المصادر التاريخية تؤكد أنه طُعن في اليوم التالي 15 مارس/آذار من العام نفسه.

ربما الخطأ في يوم واحد لن يؤثر في السياق التاريخي ولن يصنع فارقًا مع يوليوس قيصر أو قاتله أو الإمبراطورية الرومانية البائدة، لكنه يشير إلى أي مدى اهتم منتجو المسلسل بذكر التفاصيل والمعلومات ومراجعتها قبل عرضها على الجمهور، وبالتالي يفرض على المشاهد ألا يعتد بالمعلومات الواردة في عروضها، ربما يحتاج إلى مراجعة مصادر تاريخية موثوقة إن كان مهتمًا، لكنه يقدم تمثيلًا بصريًا مذهلًا لتفاصيل الفترات التي يتناولها.

يتناول مسلسل "صعود الإمبراطوريات: العثمانيون" تاريخ فتح القسطنطينية مطلع القرن الـ15 (مواقع التواصل)

3 زوايا لصراع تاريخي

في 24 يناير/كانون الثاني 2020، طرحت "نتفليكس" مسلسلها "صعود الإمبراطوريات: العثمانيون" الذي يتناول تاريخ فتح القسطنطينية مطلع القرن الـ15، والصراع الدموي الدائر بين جيش محمد الفاتح غازيًا للقسطنطينية الرومانية والحصار والمعارك والكثير من الدماء، اعتمادًا على أساتذة تاريخ ومؤرخين من كلا الجانبين، التركي والأوروبي وحتى من جامعة "ماساتشوستس الأميركية".

يمكن للمشاهد معرفة القصة من الزاويتين، "محمد الفاتح" من الزاوية الشرقية أو "محمد القاهر" من الزاوية الغربية، أو "محمد الثاني" من الزاوية المحايدة لكن النتيجة واحدة؛ صعود الإمبراطورية العثمانية وفرض سيطرتها على جوهرة المدن "القسطنطينية" على حساب الإمبراطورية الرومانية "لأنه كي تبزغ إمبراطورية لابد أن تخبو أخرى" مثلما يخبرنا صوت المعلق في مقدمة كل حلقة من حلقات المسلسل الست.

يجتهد المسلسل ليس فقط في إبراز طبيعة المعارك الدائرة وآثارها ومآلاتها التاريخية، وإنما يبرز أشكال الملابس وطبيعة الأسلحة وحتى النبوءات الأسطورية التي حكمت وجهة نظر كل طرف من أطراف المعركة. لكن بالتأكيد ينبغي مراجعة أحداثه ومعلوماته الواردة، والالتزام بالتصنيف العمري الذي وضعته نتفليكس نظرًا لضراوة الصراع وأهوال الحرب التي يظهرها المسلسل بشكل دموي واضح.

لا نعلم حتى الآن كيف سيبدو مسلسل "عصر الساموراي" الذي سيبدأ عرضه الأربعاء، لكن وفقًا للتجربتين السابقتين، يمكن التعامل معه باعتباره مسلسلا دراميا يستعيد مشاهد حية لتاريخ غابر، لكن لا يُنصح باعتباره مصدرًا محققًا للمعلومات التاريخية، بل كلمات مفتاحية للبحث والتقصي حول تاريخ هذه الإمبراطورية القديمة من أقصى الشرق.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية