تنبأ بموته وصارع دعاة التطبيع.. رحيل الفنان الأردني جميل عواد

الفنان الأردني جميل عواد (الصحافة الأردنية)

عمان- "عدت إلى المنزل بعد أصعب معركة خضتها بمواجهة الموت وانتصرت عليه مرة أخرى، أعلم أن الجولة الأخيرة ستكون لصالحه".. وبالفعل حينما أدخل الفنان الرائد جميل عواد للمستشفى قبل 4 أيام أسبل عينيه مسلما للأبد، ليخفت الصوت الجهوري، وتسجى القامة العالية للفنان المولود في العاصمة عمان عام 1937.

وقد نعته وزيرة الثقافة هيفاء نجار قائلة إن رحيل عواد "يعد خسارة كبيرة للوطن، وخسارة للفن العربي الذي كان أحد رموزه، حيث كان الراحل يمثل علامة مميزة ليس في المشهد الدرامي الأردني، وحسب، وإنما الثقافي والإعلامي العربي. وحظي بمكانة كبيرة في الوجدان الشعبي وأذهان الأجيال من خلال الأعمال التي جسد فيها قيم الشجاعة والكبرياء والفروسية".

عواد الذي توفي صبيحة اليوم الخميس 28 أكتوبر/تشرين الثاني، عن عمر ناهز 84 عاما، كان يعاني من فشل كلوي، وقد تنبأ بموته بعد انتصاره على المرض قبل عدة سنوات، وعدا صراعه مع المرض، فقد خاض ورفيقة دربه الفنانة جولييت عواد -التي لم تشاركه في الفن فحسب بل في مواقفه الوطنية الملتزمة- عددا من المعارك التي تتصل بالقضايا العربية، وقالت في منشور النعي "… ورحل جميلي".

كان عواد عروبيا قوميا، مدافعا عن قضية فلسطين، ومقاوما شرسا للتطبيع، وخاض معركة مع فنانة أردنية اتهمها بالتطبيع، وكان لا يجامل، ويقول كلمة الحق بما يعتقد جهارا نهارا.

فنان شامل

ومع أن الفنان عواد تخرج في كلية الهندسة، قسم الديكور، إلا أنه كان متعدد الاشتغالات الثقافية، فقد كان فنانا تشكيليا وعضو رابطة الفنانين التشكيليين، ومثقفا وكاتب سيناريو، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين. وهو مخرج وممثل، عضو نقابة الفنانين، وناشط سياسي يسجل حضوره في غالبية النشاطات الداعمة لفلسطين وغزة والاحتجاج على العدوان الصهيوني.

وقال نقيب الفنانين حسين الخطيب للجزيرة نت إننا "نودع قامة فنية بحزن، ونودعه ونحن نستذكر كل ما قدم للمسرح والسينما، فقد كان مميزا، وفنانا شاملا، تميز بطلته المهيبة، ولحضوره شكل خاص، ولوجوده بأي عمل نكهة خاصة، وارتبط حضوره بالأدوار الصعبة التي تنطوي على أبعاد سيكولوجية متعددة، وأحيانا متناقضة، وكثير من الشخصيات التي أداها ما تزال عالقة في ذهن المشاهد".

ويضيف الخطيب "حضوره الفني لم يكن الوحيد، بل مواقفه الوطنية والقومية، وهو صاحب موقف، وهو فنان مؤسس واستثنائي في الحركة الفنية الأردنية والعربية".

وقالت الفنانة عبير عيسى للجزيرة نت "هو يوم حزين أن يستيقظ الإنسان على خبر مفجع، وكل ما أقوله إن الفنان جميل عواد قامة فنية، حاز على قلوب المشاهدين بأدائه، وهو قامة وقمة، وهرم من أهرامات الفن الأردني والعربي، اشتغلت معه غالبية أعماله الفنية الدرامية، وكان يضفي على الزملاء طاقة إيجابية بحضوره النبيل".

ويقول المخرج المسرحي حكيم حرب للجزيرة نت إن الفنان عواد "قامة فنية كبيرة ساهمت عبر عقود في الارتقاء بالذائقة الفنية والجمالية محليا وعربيا عبر سلسلة من الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي كان لها الأثر في الحراك الدرامي الأردني والعربي. وكان يمثل مخزونا فنيا وثقافيا كبيرا".

مواقع التواصل ضجت بكلمات وداعية تمجد مواقفه الفنان الراحل الوطنية والقومية (الصحافة الأردنية)

ترجل فارس

وقد أصدرت نقابة الفنانين نعيا في رحيل عضوها معزية رفيقة دربه، كما نعت رابطة الكتاب الأردنيين، وفرع عجلون، وأصدرت بيانا نعت فيه الفنان ووصفته بـ "الملتزم والمتميز" ونعت رابطة الفنانين التشكيليين عواد، داعية له بالرحمة، ونعت جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية "الفنان الملتزم بقضايا شعبه وأمته الفنان المبدع جميل عواد".

وقال الإعلامي محمد أبو عريضة للجزيرة نت إن الراحل صاحب موقف عروبي غير ملتبس، لم يكن يتوه في التفاصيل، ومن يتذكر أدواره الدرامية المختلفة يستطيع قراءة هذا الرجل ويتأكد من صدق خيارته، وفضلا عن مواقفه الجذرية في إطار أعماله الدرامية، تميزت أعماله الأدبية ونصوص كتبها بالصدق والعفوية، حتى في ظل التوهان خلال السنوات الأخيرة ظلت بوصلته دائما تتجه إلى فلسطين بوصفها قضية الأمة الأولى، وكانت له إسهامات كبيرة في المجال الثقافي بوصفه عضوا في رابطة الكتاب وعضوا في نقابة الفنانين".

إلى ذلك ضجت الصفحات الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي لأصدقاء الراحل بكلمات وداعية تمجد مواقفه الوطنية والقومية، وقالت الروائية سميحة خريس "الفنان الكبير صاحب المواقف الفكرية والقومية الناصعة.. إلى رحمة الله عزاء موجوع للفنانة جوليت عواد" وكتب الفنان زهير النوباني على صفحته الشخصية "إلى رحمة الله الفنان الأردني العربي الكبير جميل عواد، أصدق التعازي لأسرته ومحبيه والأسرة الفنية الأردنية والعربية".

وكتب الفنان التشكيلي غازي انعيم على صفحته فيسبوك "لقد ترجل فارس من فرسان الدراما والسينما والمسرح والفن التشكيلي عن صهوة جواده تاركا في قلوب محبيه غصة وإبداعات ومواقف وطنية وعروبية لا تنسى، حيث قدم خلال مسيرته الفنية الطويلة الكثير من الأعمال الفنية الخالدة في ذاكرة المشاهد والتي تجاوزت أكثر من 70 عملا فنيا في الدراما والسينما والمسرح تنوعت فيها الشخصيات والأدوار التي أداها".

الفن جدار المقاومة

بالنسبة لعواد لم يكن الفن مجرد وسيلة للتسلية، بل كان رسالة قيمية وتنويرية طالما شرحها في اللقاءات والمحاضرات التي ألقاها في الهيئات الثقافية، وجسدها في أعماله المسرحية والدرامية التلفزيونية والسينمائية، مؤمنا أن الفن يمثل جدارا مهما للدفاع عن قضايا الأمة، وأن الفن ينحاز لقضايا الناس، وهو وإن كان أدى أدوار المختار المتسلط، إلا أنه كان في الواقع يؤمن بالحرية والعدالة الإنسانية التي لا تقبل القهر والظلم، ولذلك فقد قدم الشخصية الظالمة بالكيفية التي تظهر قبحها وعقدها وأمراضها وضعفها في آن معا.

لقد ارتبطت غالبية أعماله، ومنها "الكف والمخرز، قرية بلا سقوف، محاكم بلا سجون" بقضايا العدالة ومواجهة القهر والظلم ضد الفلاحين والحفاظ على الأرض، كما ارتبطت كثير من أعماله الفنية بخدمة للقضية الفلسطينية والعربية ومناصرة هموم الوطن والمواطن، ومنها: التغريبة الفلسطينية التي كتبها وليد سيف وأخرجها حاتم علي، فداك يا فلسطين، سنعود في الجزائر، الفلسطيني الثائر، الغصن الأخضر والسوسنة.

المصدر : الجزيرة