سنوات الحرب واللجوء.. التوأم ملص من الدراما السورية إلى العالمية

الأخوان ملص نجحا في دخول عالم الدراما الفرنسية بحصولهما على دور في مسلسل "ريبيكا" (الجزيرة)

يحاول السوريون حيثما وصل بهم المطاف إثبات أحقيتهم بحياة أفضل، والنجاة بطموحاتهم بعدما سلب منهم الكثير خلال 9 سنوات من الحروب، متحاملين على أوجاع لا تهدأ، أملا في أن تتحول بلدان اللجوء إلى بداية جديدة يحددون فيها عبر النجاحات الفردية شكلا آخر للهوية الثقافية للإنسان السوري.

ولأن الفن يلعب دورا بارزا في ترجمة ذلك لم يستسلم بعض الممثلين للصعوبات التي اضطروا إلى التعامل معها لتكوين حياة مهنية جديدة، ومنهم التوأم أحمد ومحمد ملص من مواليد دمشق عام 1983.

تخرج التوأم محمد وأحمد ملص في معهد أورنينا للتمثيل بدمشق بعد أن تم رفضهما في المعهد العالي للفنون المسرحية لـ3 سنوات على التوالي، وتبنى موهبتهما عدد من الأسماء الفنية المعروفة حينها، مثل أمل عمران وياسر عبد اللطيف وباسم قهار وغيرهم.

ومع ذلك، لم يحصلا على فرصة حقيقية في الأعمال الدرامية على الرغم من غزارة إنتاج المسلسلات السورية حينها، واقتصر حضورهما على المشاركة في عدد من المسرحيات، لكنهما استطاعا إطلاق تجربة "مسرح الغرفة" عام 2009 من خلال مسرحية "ميلو دراما"، وترشحا لدخول موسوعة غينيس عن فئة أصغر مسرح في العالم.

وبعد اندلاع الثورة السورية قدما مسرحية "الثورة غدا تؤجل إلى البارحة"، وبسبب موقفهما المناهض لنظام الأسد فرا من سوريا نهاية عام 2011، بعد أن اقتحم الأمن العسكري منزلهما في دمشق، فتوجها إلى لبنان، ثم إلى مصر، ليستقرا أخيرا في فرنسا، حيث أتيحت لهما الفرصة للتعبير عن أفكارهما بعيدا عن مقص الرقيب وسوط السجان، فضلا عن اعتمادهما على شبكة الإنترنت، مما سمح لهما بنشر عدد من أعمالهما على موقع يوتيوب ومنصات التواصل الاجتماعي، كان أبرزها سلسلة "ثورة ضوء".

وإلى جانب ذلك، واظب التوأم ملص على العمل في مجالي السينما والمسرح بجهود فردية في الأغلب، حتى استطاعا مؤخرا دخول عالم الدراما الفرنسية بحصولهما على دور في مسلسل "ريبيكا" الذي ستقوم بدور البطولة فيه الممثلة الفرنسية آنا ماغيغا والذي سيعرض في عام 2021 على قناة "تي إف1″، فيما سيمثل التوأم ملص دور لاجئين سوريين وصلا حديثا إلى فرنسا في عدة مشاهد تميل إلى الاتجاه البوليسي، وباللغتين العربية والفرنسية.

سنوات الحرب واللجوء.. التوأمان ملص من الدراما السورية إلى العالمية
التوأم ترشحا لدخول موسوعة غينيس عن فئة أصغر مسرح في العالم (الجزيرة)

وقبل هذا بسنوات قدم التوأم ملص "اللاجئان" في العام 2016، وهو أول عرض مسرحي لهما باللغة الفرنسية والذي عرض في عدد من المدن الفرنسية وعدة دول، كبلجيكا واليابان وغيرها، كما ترشح للمشاركة في مهرجان "كيبيك" الكندي، لكن صعوبة الحصول على وثيقة السفر حالت دون ذلك.

وتحدث التوأم ملص للجزيرة نت عن الصعوبات التي واجهاها في مجال التمثيل، إذ كانت للغة الحصة الكبرى منها، ولا سيما أن التمثيل يعتمد بشكل أساسي- إضافة إلى الإحساس- على حركة الجسد ولغة التواصل مع الجمهور، فكان تخطي هذا العائق يحتاج إلى "كثير من ساعات الدراسة والعمل المتواصل".

واعتبر التوأم أن النجاح يعتمد على المقدرة الذاتية، فهو "حصيلة عمل تراكمي" قاما ببنائه منذ 7 سنوات تقريبا، أي منذ بداية وجودهما في فرنسا، فضلا عن ضرورة إيجاد وكيل أعمال يتكفل بالعلاقات العامة والبحث عن فرص تناسبهما.

ويضيفان أن النقطة الأهم التي تم التركيز عليها في أعمالهما أنه "من الضروري أن يُبنى استحسان الجمهور على العمل الفني المقدم وليس على تعاطفه مع القضية السورية وواقع اللجوء".

أما فيما يتعلق بالاختلافات التي وجداها بين الوسطين الفنيين السوري والفرنسي -بحسب رأيهما- فإن الوسط الفني السوري يضم عددا كبيرا من المواهب والطاقات الإبداعية، ولكن يبقى الفرنسي متطورا "بأشواط" من حيث الحرفية المهنية وصناعة العمل الفني والتعامل مع الكاميرا.

كما أن "الحالة الدرامية العاطفية المبالغ فيها في الوطن العربي قد تجذب الجمهور العربي ولكن عوامل جذب الجمهور الأوروبي مختلفة تماما، فعلى الممثل توظيف مشاعره وضبطها ضمن سياق النص دون المبالغة في التعبير عنها، ومن أهم الفنانين الذين اتبعوا هذا النوع من الأداء تيم حسن وباسل خياط والممثل الفلسطيني صالح بكري".

ويرى التوأم السوري أن "وجود القانون الذي يحمي الفنانين من حالات الاستغلال يلعب دورا مهما في الحصول على فرص عادلة  تعطي الفنان حقه ليستطيع التعبير عن كل ما يجول في خاطره باختلاف المواضيع المطروحة، أما في سوريا فهناك عدد كبير من العلاقات المشبوهة التي تستغل الممثل دون وجود مؤسسات ونقابات فنية داعمة، فأغلبها عشعش فيها الفساد على مدى العقود الأخيرة حتى أمسى الممثل السوري في أغلب الأحيان جزءا من فسادها".

الجهد الدؤوب الذي بذله التوأم ملص خلال السنوات الماضية تكلل بعدد من النجاحات، فمن ضمن المسرحيات والأفلام التي قاما بكتابتها وإخراجها والتمثيل فيها حصدا عددا من الجوائز نذكر منها فيلم "البحث عن عباس كيارستامي" الذي حاز على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان هوليود إنترناشونال أون لاين، وفيلم " أيام الكرز" الحائز على جائزة الجمهور في مهرجان البوسنة، بالإضافة إلى جوائز أخرى في مشاركاتهما في بلدان أخرى.

يذكر أن آخر ظهور للتوأم ملص على شاشة عربية كان مسلسل "المرآة" الذي عرض مؤخرا على شاشة تلفزيون سوريا، وهو من تأليف أحمد عزام وإخراج عمر بعيج.

المصدر : الجزيرة