بعد السلام بين أميركا وطالبان.. هل يطمس الفن الأفغاني معالم الحرب؟

فيلم وثائقي عن تزلج الفتيات بأفغانستان
فيلم "تعلم التزلج في منطقة حربية (إذا كنت فتاة)" فاز بأوسكار أفضل فيلم وثائقي قصير 2020 (مواقع التواصل)

يارا عيسى

تسعى أفغانستان اليوم لاستعادة دورها الفني بين شعوب العالم، خاصة أن شبابها من الفنانين والنشطاء ما زالوا يحاولون جاهدين إضفاء الرونق الفني الحضاري على وطنهم، وأن يعلو صوت فنهم على صوت الحرب في بلادهم، التي لم تعرف السلام إلا منذ نهاية شهر فبراير/شباط الماضي بعد توقيع اتفاق سلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. 

انهيار الفن الأفغاني
وقد كانت بداية انهيار الفن في أفغانستان في عام 1978 عندما انتشرت شائعات حول مقتل المطرب الأفغاني المعروف حينها أحمد ظاهر على يد السلطة الاشتراكية آنذاك، وبحلول عام 1989 طمست الحرب الأهلية معالم الفن الأفغاني وفككت البنية الفنية للبلاد.

كما تعرض المتحف الأفغاني عام 1994 إلى هجمات بالصواريخ، ما أدى إلى فقدان أغلب أجزائه الداخلية، والتي تعود نشأتها إلى أكثر من أربعة آلاف عام، فالعديد من المنحوتات الموجودة في المتحف الأفغاني تعود لعام 2200 قبل الميلاد.

وتعرضت كثير من المنحوتات الأثرية للاختفاء والسرقة حتى عام 2002، بعد تنصيب حامد كرزاي رئيساً مؤقتا لأفغانستان؛ إذ عُثر في القصر الرئاسي في نفق تحت الأرض على مجموعة كبيرة من الآثار التي كانت قد اختفت ولم يُعرف مصيرها.

وتم كذلك العثور على عشرين ألف قطعة ذهبية معروفة مجتمعة باسم "الذهب الباكتري" (اليوناني)، وتكمن أهمية تلك الآثار، إلى جانب قيمتها المادية، في قيمتها التاريخية والفنية، خاصة أنها توضح جزءا مهما من تاريخ أفغانستان وحضارتها.

أما في فترة سيطرة حركة طالبان على الدولة بين 1996 وحتى التدخل الأميركي في عام 2001، فقد حرّمت كل أنواع الفنون، وخاصة تلك المتعلقة بالموسيقى والرسم والنحت، حتى أن بعض الفنانين اضطروا إلى الهروب خارج البلاد أو العمل بشكل غير معلن بسبب التحديات التي كانوا يواجهونها من السلطة آنذاك.

وتم القضاء خلال تلك الفترة على جميع أنواع الفنون والرياضة، ولم تسلم الآثار الأفغانية كذلك، حيث تم تدمير أشهر التماثيل البوذية بوساطة الديناميت، وهما تمثالان أثريان منحوتان على منحدرات وادي باميان.

الفن في زمن الحرب
وبعد التدخل الأميركي في عام 2001 وجد الفن بابا فتحت من خلاله مرحلة جديدة أعيدت فيها الموسيقى إلى شوارع بعض المدن، للتذكير بما يشتهر به الأفغان من موسيقى تقليدية وتنوع الآلات المستخدمة فيها، مثل السيتار (شبيهة بالعود) والطبول الصغيرة وآلات الرباب، فضلاً عن أداء رقصات شعبية أشهرها "رقصة عتان" والتي تعتبر رقصة أفغانستان الوطنية.

وما لبثت أن ظهرت دور السينما التي فتحت أبوابها للأفغانيين، أما على صعيد الفنون، فقد فتح مركز "ميماناجي"، أبوابه للانتساب رغم كل الحواجز الاجتماعية والسياسية، كما شهدت أفغانستان في عام 2010 بناء كلية "العلامة" وهي كلية للفنون الجميلة تم بناؤها في كابل بدعم باكستاني، والتي اعتبرت حينها المرجع الفني الوحيد للبلاد. 

في عام 2015، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً تحدثت فيه عن حدث فني ضجت به شوارع أفغانستان بعد ارتداء فنانة أفغانية "كوبرا خادمي" درعا حديديا بمعالم أنثوية وتجولت في عدة شوارع في كابول، تعبيرا عن رفضها للواقع اليومي المعاش في بلادها، حيث تعاني النساء من التحرش والاعتداء الجنسي في مختلف الأماكن. ولم يلق الأداء التمثيلي الذي قامت به الفنانة استحسانا من الناس بل قوبلت بالشتائم والسخرية ولكن الجانب المشرق في أن هذا الأداء أثار جدلا واضحا.

على الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها جاؤوا إلى أفغانستان كمعتدين، فإن مساحة الفن اتسعت قليلاً في عهدهم، فقد انتشرت الدور الثقافية الغربية وافتتح مركز الفن المعاصر في كابول الذي استقدم العديد من الطلاب.

وفي عام 2018 افتتح معرض لإحياء الفن المغولي وتم عرض العديد من التحف الأثرية التي سبق وأن اختفت قبل خمسمئة عام في حديقة بابور بالعاصمة كابل عقب معرض مماثل في مدينة هرات، وقد لعبت هذه المعارض دوراً ثقافيا مهما في إحياء الفن، وسط بلاد تعمها الحروب والنزاعات.

ومن المتوقع أن يسهم اتفاق السلام في دفع عجلة الإنتاج الفني، وتحريك المياه الراكدة في مجال الفنون والثقافة الأفغانية، خاصة مع وجود جيل من الأفغان يملؤهم الحماس بنقل صورة جديدة لبلادهم من خلال الفن تطمس معالم الحرب. 

المصدر : الجزيرة