أنتوني كوين.. الأميركي الذي يحبه العرب

American actor Anthony Quinn, 22nd August 1970. (Photo by Kaye/Daily Express/Hulton Archive/Getty Images)
الممثل كوين تمر ذكرى ميلاده الرابعة بعد المئة في أبريل، يعتبر من أفضل الممثلين في تاريخ السينما العالمية (غيتي إيميجز)
حسام فهمي
قد ترى صورته معلقة على عربات مزارعين فقراء في مصر، أو على سيارة محملة بالخضراوات في إحدى قرى شمال أفريقيا، أو على حائط غرفة شاب محب للسينما في الشام، يرتبط به العرب بعلاقة خاصة، يحبه اليونانيون، والمكسيكيون، ومحبي السينما بشكل عام في العالم.

إنه الممثل الأميركي من أصل مكسيكي أنتوني كوين، الذي تمر ذكرى ميلاده الرابعة بعد المئة في أبريل هذا العام، والذي يعتبره كثيرون من النقاد من بين أفضل الممثلين في تاريخ السينما العالمية، والرجل الذي برع بشكل خاص في تقمص أدوار الأبطال التاريخيين لأمم وبلاد أخرى.

كيف نجح هذا الرجل في حفر اسمه بحروف من نور في قلوب هؤلاء المحبين، ولماذا يرتبط به العرب بتلك العلاقة الخاصة؟ هذا ما نحاول معكم أن نتتبعه…

أول لاتيني يفوز بالأوسكار
بدأ أنتوني كوين الذي ولد في المكسيك في أعقاب الثورة المكسيكية حياته ممثلا مسرحيا لفترة قصيرة في الثلاثينيات في أميركا، ثم عقب ذلك حاول الانتقال إلى السينما، لكنه لم يكن يعطى سوى أدوار السكان الأصليين واللاتينيين، وهي بالطبع أدوار صغيرة بل أغلبها يتم دون أن يظهر اسم من يؤديها.

 الممثل كوين ينحدر من أصول مكسيكية وهو أول لاتيني يحصل على جائزة الأوسكار (غيتي إيميجز)
 الممثل كوين ينحدر من أصول مكسيكية وهو أول لاتيني يحصل على جائزة الأوسكار (غيتي إيميجز)
استمر كفاح كوين ضد الصورة النمطية وفي التوقيت نفسه ساعده حصوله على الجنسية الأميركية في نهاية الأربعينيات، ليقدم ظهوره الأول الكبير من خلال مسرحية "عربة تسمى الرغبة" ( A streetcar named desire) للكاتب تينيسي ويليامز، التي حولها عقب ذلك المخرج إيليا كازان لفيلم في عام 1951، حيث لعب دور البطولة فيه مارلون براندو.

تعاون عقب ذلك كوين وبراندو في فيلم آخر هو "فيفا زاباتا" ( Viva Zapata)، عن القصة الشعبية للبطل المكسيكي الثائر، من إخراج إيليا كازان أيضا، واجتذب كوين الإعجاب النقدي والجماهيري من خلال أدائه لدور شقيق زاباتا، وحصد في نهاية العام جائزة الأوسكار في فئة أفضل ممثل مساعد، ليصبح بذلك أول أميركي لاتيني يفوز بجائزة الأوسكار على الإطلاق، وليبدأ من هذه اللحظة مشوارا فنيا مميزا للغاية.

 
الرسالة: كيف يصل الإسلام للغرب؟
استمر النجاح السينمائي لكوين في الخمسينيات عقب فيلم "فيفا زاباتا" وأصبح بطلا دائما للأدوار الكبرى، نذكر منها بطولته للفيلم الإيطالي "الطريق" ( La Strada) الذي يعده كثيرون أحد أبرز أعمال المخرج الإيطالي "فيدريكو فيلليني".
 
وفي الستينيات ازداد عمْر كوين وقرر أن ينتقل لأدوار تناسبه في هذه المرحلة، فشارك في الفيلم الملحمي "لورانس العرب" (Lawrence of Arabia)، ورغم أنه فيلم إنجليزي فقد بدا كوين من هذه اللحظة تعرفه إلى الأدوار العربية.

وفي بداية السبعينيات حاول المخرج والمنتج السوري مصطفى العقاد أن يحول حلما قديما بصناعة فيلم عن الإسلام إلى حقيقة، كتب العقاد السيناريو وحصل على موافقة الأزهر الشريف عليه، واختار المغرب مكانا للتصوير وكان عليه اختيار الأبطال.
 
غاية العقاد من الفيلم كان صنع ما يشبه الجسر بين الإسلام والغرب، لأنه شخصيا شعر بأن الإسلام الحقيقي غير معروف للغربيين الذين عاش برفقتهم طوال حياته، ولتحقيق هذه الغاية صنع العقاد نسختين للفيلم، نسخة بالعربية قام ببطولتها الممثل المصري عبد الله غيث، ونسخة إنجليزية قام ببطولتها أنتوني كوين.
 
أداء كوين في دور "حمزة بن عبد المطلب" عم النبي صلى الله عليه وسلم جاء صادقا ومؤثرا في المشاهدين العرب قبل الأجانب، وشعر العرب بأن هذا الرجل لا يقلد مظهرهم أو طريقة حياتهم فقط، ولكنه في الحقيقة يجسدها ويحترمها ويتصرف من خلالها بشكل طبيعي للغاية.
 
وانتشرت الحكايات عقب ذلك أن أنتوني كوين كان مهتما بتجسيد الشخصية بشكل حقيقي لدرجة أنه طلب من العقاد أن يقوم الممثل المصري عبد الله غيث بأداء المشاهد العربية قبل أن يقوم هو بمشاهده الإنجليزية، لكي يستطيع استلهام الروح العربية من ممثل عربي، ولم يتكبر كوين ولم يقل إنه ممثل كبير، واهتم بعمله حتى آخر يوم واستمر في التعلم والتدرب.
 
وحقق الفيلم نجاحا كبيرا، ورُشح لإحدى جوائز الأوسكار في نهاية العام، وبرغم المعارضة التي قوبل بها من بعض الدول الإسلامية في البداية وعلى رأسها السعودية، فإنه الآن يعد بلا شك أفضل فيلم تمت صناعته عن قصة السنين الأولى للإسلام.
 
أسد الصحراء: عمر المختار يبعث من جديد
في بداية الثمانينيات صنع أنتوني كوين فيلمه الثاني مع مصطفى العقاد، وهذه المرة في ليبيا، وبتمويل مباشر من الدولة الليبية.
في هذا الفيلم قدم أنتوني كوين ما يمكننا اعتباره أحد أعظم الأدوار التاريخية أداء على مر العصور، وذلك من خلال تجسيده لقائد المقاومة الليبية، أسد الصحراء "عمر المختار"، الرجل الذي حارب الاحتلال الإيطالي لمدة تزيد على العشرين عاما، وذلك من خلال أدوات حرب بدائية، ولكنه على الرغم من ذلك منع الإيطاليين من فرض سيطرتهم على ليبيا طوال هذه المدة.
 
أداء كوين لدور عمر المختار أظهر الجوهر الحقيقي للمحاربين العرب، الذين يرفضون قتل الأسرى، وفي الوقت نفسه يلاقون معاملة غير إنسانية من المحتل الإيطالي. وقد جمع كوين في هذا الفيلم بين المهابة والقوة لمظهر محارب ضد الاحتلال، كما جمع الطيبة والحنان اللذين يميزانه باعتباره أبا روحيا لكل من حوله.
 
وفي نهاية الفيلم يتم إعدام عمر المختار، يسقط أنتوني كوين، ولكنه بأدائه المؤثر ضمن لهذه الشخصية محبة غامرة في الوطن العربي، ولا نبالغ إن قلنا إن كثيرين حتى الآن يخلطون بين الصورة الحقيقية للمختار والصورة الحقيقية لأنتوني كوين نفسه.
المصدر : الجزيرة