بابلو بيكاسو.. حيوات فنية متعددة

سارة عابدين

في هذا العام يمر على وفاة بابلو بيكاسو 46 عاما، ورغم ذلك ما زال تأثيره واضحا على فن القرن العشرين بالكامل.

قام بيكاسو بتجربة وابتكار أشكال مختلفة من التقنيات الفنية خلال سنوات حياته التي بلغت 92 عاما، حتى أنه كان نحاتا وفنان خزف وطباعة، وكاتبا في بعض الأوقات. 

عاصر بيكاسو العديد من المدارس الفنية، وكان له دور رئيسي في خلق المدرسة التكعيبية مع نظيره الفنان الفرنسي جورج براك. عاصر حربين عالميتين، وظهر في الأفلام وكتب السير الذاتية لمعاصريه. وتوفي في 8 أبريل/نيسان 1973.

السنوات المبكرة لبيكاسو 1881-1900
رغم أنه عاش معظم سنوات عمره في فرنسا، فإلا أنه كان أسباني المولد، كان الطفل الأول لوالديه، ونشأ في البداية لأسرة كاثوليكية، لكنه في نهاية حياته أعلن نفسه شخصا ملحدا تماما.

بدأ والده تعليمه الرسم الزيتي عندما كان في السابعة من عمره، وكان بيكاسو تلميذا نجيبا ومجتهدا. التحق بعد ذلك بمدرسة الفنون الجميلة في برشلونة وهو في الثالثة عشرة من عمره. 

في عام 1897 بدأ بيكاسو دراسته بأكاديمية الفنون بمدريد، وتجول في المعارض دارسا أعمال فيلاسكيز وغويا وغيرهما من فناني إسبانيا.

السنوات المتوسطة من حياة بيكاسو 1900-1940
في عام 1900 زار بيكاسو باريس لأول مرة، وتشارك المسكن مع الشاعر والصحفي ماكس جاكوب، وعاشا الاثنان في فقر كبير. في عام 1901 أسس مع صديقه فرانسيسكو أسيس سولير مجلة أدبية بعنوان "الفن الشاب" تضم مقالات ورسوما كاريكتيرية متعاطفة مع الفقراء. وفي ذلك الوقت تقريبا بدأ في توقيع أعماله باسم "بيكاسو" بدلا من "بابلو رويز بيكاسو".

المرحلة الزرقاء
امتدت المرحلة الزرقاء لفن بيكاسو من عام 1901 حتى 1904. خلال هذا الوقت رسم بشكل أساسي بدرجات اللون الأزرق فقط، مع لمسات بألوان بنية دافئة وسط الأزرق. 

يعزو مؤرخو الفنون الفترة الزرقاء، إلى اكتئاب بيكاسو بعد انتحار أحد أصدقائه، حتى أن الموضوعات المتكررة في تلك الفترة هي العمى والفقر والوحدة. 

المرحلة الوردية
استمرت المرحلة الوردية من عام 1904 حتى 1906، وكانت اللوحات مشبعة بدرجات اللون الوردي، وكانت أقل حزنا وأكثر دفئا من لوحات المرحلة الزرقاء. يعد المهرجون ولاعبو السيرك والورود من أبرز الموضوعات المتكررة في تلك الفترة، وقدر رسم بيكاسو واحدة من أعماله الأكثر مبيعا في تلك المرحلة هي لوحة الفتى والغليون.

بيكاسو والمدرسة التكعيبية
عمل بيكاسو مع صديقه الفنان الفرنسي جورج براك لخلق بدايات الحركة التكعيبية في الفن، التي تصور الأشكال مثل كائنات مفككة، بأشكال هندسية معقدة.

وبعد ذلك حاول بيكاسو دمج الأشكال البشرية في سياق اللوحات التكعيبية، بعدما كان مكتفيا بالطبيعة الصامتة مثل لوحة "فتاة مع ماندولين"، وأنجز أشهر لوحاته في تلك الفترة المتعلقة بالتكعيبية.

في الفترة من 1919 حتى 1929 حدث تحول كبير في أسلوب بيكاسو، وقدم أعمالا كلاسيكية تتناقض تماما مع أعماله التكعيبية السابقة، ثم بدأ إعادة التفكير في ميله إلى الفنون البدائية ورسوم الكهوف التي رسمها الإنسان الأول مثل لوحة "الراقصات الثلاث".

خلال ثلاثينيات القرن العشرين، عكست أعمال بيكاسو الحرب الأهلية الإسبانية، مثل لوحته الأشهر "غيرنيكا" التي تعتبر تصويرا فريدا للحروب وأهوالها، والعنف المتزايد في زمن الحرب، وأصبح مخلوق المينوتور الأسطوري هو الثيمة الأساسية في رسوم بيكاسو. 

أثناء الحرب العالمية الثانية بقي بيكاسو في باريس وهي تحت الاحتلال الألماني، وتحمل مضايقات الغستابو، وواصل إبداع اللوحات، وفي بعض الأحيان كتب القصائد الشعرية، كما أنهى كتابة مسرحيتين هما "الرغبة تشتعل من الذيل"، "الفتيات الأربع الصغيرات".

تأثير بيكاسو على الفن
يعتبر تأثير بيكاسو من أهم التأثيرات على مسار الفنون الجميلة في القرن العشرين، فهو كان يخلط بين أنماط مختلفة من الفنون، لإنشاء تفسيرات جديدة تماما للفن، بالإضافة إلى كونه القوة الأهم في تطور الحركة التكعيبية، ورفع الكولاج إلى مستوى الفنون الجميلة.

اتبع بيكاسو حدسه مع الكثير من الشجاعة والثقة بالنفس دون رغبة في التقليد، ويمكن اعتباره ظاهرة نادرة في عالم الفن تتركز فيها الثقافة المتنوعة، والفوضوية، وكأنه تجسيد لحياة فنية بالكامل في شخص واحد.

أهم لوحات بيكاسو
العارية الزرقاء 1902: هي إحدى القطع الرئيسية في مسيرة بيكاسو، رسمها بعد وفاة أحد أصدقائه المقربين بشكل مأساوي، وهي واحدة من لوحات المرحلة الزرقاء التي أثبتت موهبته في تسليط الضوء على أعمق المشاعر باستخدام لون واحد.

الحلم 1932: لوحة زيتية أنجزها بيكاسو في عام 1932، عندما كان في الخمسين، وهي تصور حبيبته ماري تيريز والتر في سن 24، وتظهر اللوحة أسلوب بيكاسو المبسط للغاية بالألوان المتناقضة. وقد بيعت في دار كريستيز للمزادات بمبلغ 48.8 مليون دولار في عام 1997 بشكل غير متوقع.

المرأة الباكية 1937: تعتبر سلسلة لوحات النساء الباكيات، استمرارا للمأساة المصورة في لوحة بيكاسو الملحمية غيرنيكا. من خلال تركيز صورة المرأة الباكية، لم يصور بيكاسو آثار الحرب الإسبانية بشكل مباشر، بل كان يشير إلى صورة عالمية فريدة من المعاناة. جاءت اللوحة في نهاية سلسلة من المطبوعات واللوحات التي رسمها بيكاسو احتجاجا على الحرب.

الغيرنيكا 1937: ربما تكون الغيرنيكا هي أشهر عمل لبيكاسو، لكنها بالتأكيد هي أقوى بيان سياسي له، رسمها كرد فعل فوري على القصف النازي على بلدة غيرنيك خلال الحرب الأهلية الإسبانية.

اكتسب العمل مكانة هائلة وأصبح تذكيرا دائما بمآسي الحروب، ورمزا لمعاداة الحروب، وتجسيد السلام. عندما انتهى منها بيكاسو، عرضت في جميع أنحاء العالم في جولات قصيرة، وكانت سببا للفت أنظار العالم إلى أهوال الحرب الأهلية الإسبانية.