جوزيبي تارتيني.. "شيطان الكمان"

Tartini square, Piran, Slovenia, Europe
ولد جوزيبي تارتيني في 8 أبريل 1692 في بيرانو الإيطالية (غيتي)
سارة عابدين

يعتبر جوزيبي تارتيني من أهم وأشهر عازفي الكمان في تاريخ الموسيقى، اشتهر في عصر الباروك الموسيقي الذي يمتد من أواخر القرن السادس عشر حتى أوائل القرن الثامن عشر في تاريخ أوروبا.

والباروك هو اصطلاح مستعمل في فن العمارة والتصوير ومعناه الحرفي شكل غريب، غير متناسق أو معوج، ويطلق هذا المصطلح على أشكار كثير من الفن الذي ساد غربي أوروبا وأميركا اللاتينية.

ظهرت أولى علامات التغيير الموسيقي وظهور الموسيقى الباروكية في إيطاليا، وكانت روما هي المركز الرئيسي للفنون الباروكية في أوروبا، بعد ثورة الفنانين والموسيقيين على فنون وموسيقى عصر النهضة التقليدية والجامدة. 

كانت العلامات الثقافية والاجتماعية والأفكار الجديدة في ذلك الوقت سببا في الثورة على الفنون التقليدية، ومن أهم تلك الأحداث كان ظهور نظرية كوبرنيكوس في القرن السادس عشر، بأن الكواكب لم تدر حول الأرض، الأمر الذي جعل الكون مكان أكثر اتساعا، بالإضافة إلى أفكار غاليليو التي ساعدت على اكتشاف الكون بشكل أكبر.

طرح الفلاسفة أمثال ديكارت وهوبز وسبينوزا ولوك، أسئلة الوجود الكبرى، قدم عباقرة وفنانين أمثال روبنز ورمبرانت وشكسبير منظورات جديدة للعالم من خلال فنونهم، وأصبح التجديد في الأشكال الموسيقية جزءا من الاستكشاف الأكبر للكون.

فلسفة موسيقى عصر الباروك
رغم أن فلسفة واحدة لا يمكن أن تصف 150 عاما من الموسيقى في جميع أنحاء أوروبا فإن هناك العديد من المفاهيم والسمات المهمة لموسيقى الباروك بشكل عام، منها التباين كعصر دراماتيكي في موسيقى الباروك، حيث لعب الموسيقيون على الاختلافات بين الأصوات الخشنة والناعمة، وبين العزف المنفرد، والعزف الجماعي، والتباين بين الأدوات الموسيقية المختلفة، وزادت شعبية أدوات جديدة مثل البوق والكمان. 

حياة جوزيبي تارتيني
ولد جوزيبي تارتيني في 8 أبريل/نيسان 1692 في بيرانو بجمهورية البندقية بإيطاليا (الآن بيران بسلوفينيا)، وهو الطفل الرابع لجيوفاني أنطونيو تارتيني، الذي كان يعمل تاجرا بفلورانسا، وزوجته كاترينا زانغراندي. 

درس تارتيني اللاهوت في بيرانو وكابو دي إستريا، وكان والده يرغب في أن يهبه للرهبنة كما فعل مع أبنائه السابقين، إلا أن جوزيبي قاوم رغبة والده، وتخلى عن مسار الرهبنة، ودرس القانون بجامعة بادوفا في عام 1709. أثناء الدراسة انجذب نحو الموسيقى، وتلقى دروسا في آلة الكمان على يد الموسيقي "جوليو دي تيرني". 

في عام 1710 عندما كان في الثامنة عشر من عمره، تزوج سرا من ابنة أسقف بادوفا، وعندما اكتشف الزواج وجب عليه مغادرة المدينة، ووجد ملجأ سريا في دير أسيزي، وبدأ دراسة الكمان مع الأب بومو (الموسيقي التشيكي بوهوسلاف سينوورسكي) وعزف الموسيقى بأوركسترا الدير. 

بعد عامين في أسيزي، تعرف بعض الزوار على تارتيني، أثناء أدائه لعرض موسيقي. بسبب إجادته للعزف وقدراته الموسيقية وافق الأسقف على المصالحة مع تارتيني، وانتقل هو وزوجته إلى البندقية في عام 1715. 

انتقال تارتيني إلى البندقية
انتقل تارتيني إلى البندقية بسبب عازف الكمان الشهير فرانشيسكو فيراسيني، ورئيس أكاديمية البندقية للموسيقى التي أسسها ملك بولندا. أثر فيراسيني في تارتيني بشكل كبير، وكرس تارتيني الكثير من الوقت لدراسة الكمان وأنماطه الموسيقية المختلفة.

بعد ذلك غادر تارتيني البندقية وانسحب لسنوات من الدراسة الانفرادية، وظهر بعد ذلك بقوس أطول وكمان ذي أوتار أكثر سمكا، وأصبحت المبادئ التي اكتشفها تارتيني هي أساس دراسة الكمان في العالم.

انتقال تارتيني إلى بادوفا
في عام 1721 وفي سن التاسعة والعشرين، تم تعيين تارتيني مديرا للأوركسترا بكنيسة القديس أنتوني في بادوفا. وبسبب سمعته وقدراته الكبيرة، وضع شروطه الخاصة، وأمضى 49 عاما هي كل الذي تبقى من عمره في هذا المنصب. 

في عام 1728 أسس مدرسة الكمان في بادوفا التي اشتهرت في جميع أنحاء أوروبا، وأنشأ طريقة منهجية في الدراسة. اجتذبت المدرسة الكثير من الطلاب، وعازفي الكمان المعروفين، وأولى اهتماما دقيقا لكل طالب، حتى أنه في عام 1773 قبل تسعة طلاب فقط. 

توفي تارتيني في بادوفا بعد ما قارب الثمانين عاما في 26 فبراير/شباط 1770، وكان قد نشر تجارب جديدة في الصوتيات والمواد التعليمية والعديد من المؤلفات الموسيقية، واعتبر واحدا من الملحنين العظماء وعازفي الكمان ومنظري الموسيقى في القرن الثامن عشر.

أشهر معزوفات تارتيني
تعتبر "سوناتا الشيطان" أشهر وأهم معزوفات تارتيني. وتبدأ قصتها بمقابلة لتارتيني مع الفلكي الفرنسي جيروم لالاندي، قبل وفاته ببضع سنوات، ويحكي له قائلا "في إحدى الليالي حلمت أنني أبرمت اتفاقا مع الشيطان. أبيع له روحي ويجعل كل شيء يسير حسب رغبتي. ولك أن تتخيل دهشتي عندما وهبني سوناتا غير عادية وجميلة للغاية، أديتها بتمكن عظيم وبمستوى لم يسبق لي تصوره. وقتها استيقظت وأنا ألهث واحتضنت آلة الكمان الخاصة بي، على أمل أن أتذكر بعض النوتات التي عزفتها في الحلم، لكن دون جدوى".

يضيف تارتيني "لا شك أن القطعة التي ألفتها هي أفضل ما لدي، وأنا سميتها "سوناتا الشيطان" لكنها أقل كثيرا من تلك المعزوفة التي أذهلتني في الحلم، لدرجة أنني كنت سأحطم كماني وأتخلى عن الموسيقى للأبد حتى يمكنني عزف تلك السوناتا".

يبقى تاريخ نشر السوناتا غير مؤكد، لكن مؤرخو الموسيقى وجدوا صعوبة في وضعها في وقت أبكر من عام 1745، تبعا لتطور أسلوب تارتيني الموسيقي. لكن المؤكد أنها لم تنشر إلا بعد مرور 30 عام تقريبا على وفاة تارتيني، تحديدا في عام 1798.

المصدر : الجزيرة