المخرج السوداني أبو العلاء: نستحق الجوائز ولا أعترف بتصنيف مصر للأفلام

أمجد أبو العلاء مخرج الفيلم السوداني "ستموت في العشرين"
أمجد أبو العلاء مخرج الفيلم السوداني "ستموت في العشرين" (غيتي)

شيماء عبدالله-القاهرة

 

أُم تحمل رضيعا، جاءتها في المنام بشارته، أتت للشيخ تطلب التبرك لمولدها المزمل، لكنها لم تعد بالبركة، صغيرها سيموت في العشرين، تلك النبوءة التي حملها المزمل الصغير طيلة عمره، النسوة من الجيران، يبكون عمره الغض، والولدان يطوفون حوله "الموت يا مزمل"، لسنوات طوال عاش ميتا، خائفا من كل شيء، لم يمت في العشرين، كما النبوءة، لكن بعد صراعه المرير مع التقاليد قرر أن يحيا.  

من جديد تعود السودان لبؤرة الأحداث، أخبارها لا تفارق شاشات التلفاز، من انتفاضة، إلى ثورة، ثم ميلاد جديد للوطن، تصادف أن جاء معه في لحظة فارقة لا تتكرر، ميلاد للسينما السودانية على يد المخرج السوداني أمجد أبو العلاء، صاحب "ستموت في العشرين"، الفيلم الحائز على جائزة أسد البندقية، ونجمة الجونة، وجائزة أفضل إنتاج مشترك من مهرجان هامبورغ بألمانيا..

حوار أجرته الجزيرة نت مع أبو العلاء، عن السينما والجوائز والسودان والثورة..

"كان انفجارا مشتركا" يحكي أمجد عن المصادفة التي جمعت الفيلم بالثورة في التوقيت ذاته، "ثورة فنية مع ثورة شعبية، الغضب والرغبة في التغيير كان عاملا مشتركا، الشعب أراد الحياة والفن كذلك، وانفجرنا جميعا في 2019، فالثورة التي قامت بجهود الجميع بكافة مستوياتهم وأطيافهم، كان في القلب منها الفن والفنانون".

الثورة غلبت الفيلم

كيف تداخلت الثورة مع الفيلم؟

كانت بداية تصوير الفيلم في 17 ديسمبر 2018، في مدينة مدني بالسودان، وهو اليوم نفسه الذي انطلقت فيه الثورة، وبالتالي قمنا بالتصوير لمدة أربعة أشهر قبل اشتعال الأحداث، كنا نصور مشاهد من الفيلم ثم نعود إلى الفندق، لنتابع الثورة على التلفاز، ثم سافرت إلى مصر، يستكمل أبو العلاء، لمتابعة مونتاج الفيلم، الذي كان مقررا له أربعة أشهر، لكني تركته وعدت للسودان فورا مع إعلان اعتصام 6 أبريل -رغم اعتراض المنتجين- ودخلت الميدان منذ اليوم الأول وبقيت فيه.

في الاعتصام، قابلت حمور زيادة، صاحب القصة الأصلية للفيلم، الذي كان قد وصل للسودان قبل الفض بأسبوع.

شهور الاعتصام التي قضيتها في الميدان، أثرت على استكمالي للمونتاج بشكل كبير، فقد عدت محملا بالغضب والحنق، وهو ما انعكس على اختياراتي في تراتبية المشاهد واختيارات الصورة والأغاني والألوان.

الجوائز مكسبنا الذي نستحقه 

لم يتوقع أحد كل هذه الجوائز التي نالها "ستموت في العشرين".. كيف رأيتها؟

يفخر أبو العلاء باستحقاقها قائلا "لم ننجح شفقة بالدولة الفقيرة، وجوائز الفيلم تمثل معناها الحرفي، فقد جُوزينا بها بعد كل ما عانيناه من نصب". 

وأضاف أبو العلاء: تكليلا لحلمنا ونجاح يليق باللحظة الفارقة لفيلم السودان الأول منذ عشرين عاما.

 


"ستموت في العشرين" يشبه نفسه 

تتردد مزاعم حول تشابه الصورة في "ستموت في العشرين" مع أفلام مثل المومياء، أو "عرق البلح"، أو "الطوق والأسورة".. ما رأيكم؟

يؤكد أبو العلاء أن فيلمه لا يشبه أيا منها مطلقا، لكن العلاقة بين هذه الأفلام وفيلمه، أن كلها من الجنوب، وهو الشيء الذي يراه المتلقي المصري، بشكل واحد، فمصر بالنسبة للمصريين هي المدينة والمركز، وكل ما عدا ذلك ينظرون إليه وكأنه عمل واحد أو يشبه بعضه، وما إن تظهر الوجوه السمراء، وامرأة ترتدي الأسود، بشكل تلقائي تستعيد أذهانهم تلك الأفلام.

ويقول أمجد "سبعة مشاهد في الفيلم أهديها لعدد من المخرجين البارزين، من بينهم مصريان، هما شادي عبد السلام، مخرج المومياء، وأسامة فوزي الذي تصادفت وفاته قبل تصوير أحد المشاهد، وكذلك المخرج اليوناني ثيو أنجلو بولس، والمخرج الإيطالي جيوزبي تورنتوري".

ويضيف أن الفيلم لا يشبه سوى نفسه، وكادراته وصورته لا تشبه سوى السودان، وأعتقد أنه من الضروري والإنصاف النظر للفيلم ومشاهدته باعتباره عملا فنيا مستقلا لا يقارن بغيره.

الواقعية لا تمثلني

هل كان إغراق الفيلم في المحلية والاقتراب الشديد من البيئة السودانية بمثابة انضمامك لأصحاب المدرسة الواقعية في الإخراج؟

ينفي أبو العلاء بشدة ذلك ويقول إن المشاهد سريالية جدا في حكاية واقعية جدا، والحكاية مغرقة في التفاصيل المحلية للقرية السودانية، وفيلمي الجديد سيكون في المدينة، ومن الضرورة أن يحمل صفاتها وثقافاتها المختلفة.


العالم لا يعرف تصنيفات مصر

هل تخشى تصنيف "ستموت في العشرين" لفيلم مهرجانات أي غير جماهيري؟

السينما المصرية فقط هي من تعرف هذا التصنيف، فالجمهور يذهب لأفلامه في دور العرض، والباحثون عن السينما والفن يرون زاوية معينة تتفق مع ما يرغبون، والمشاهد العربي كان استقباله للفيلم رائعا ولافتا. لكنه ما زال متشوقا لعرضه في السودان والوقوف على رد فعل السودانيين بالداخل، وإن كان رد الفعل بالخارج عظيما ولافتا حتى أنه استدعى قيام إدارة مهرجان تورنتو بعرض الفيلم للمرة الرابعة بعد العروض الثلاثة المقررة.

 

الثورة مستمرة ولن نأمن للثعالب

لا يمكن الحديث عن السينما السودانية بمعزل عن الثورة، في البدء كان "ستموت في العشرين"، لكن إلى أين ستذهب بها المرحلة الانتقالية، المستمرة لمدة ثلاث سنوات؟

الثعالب لا تزال مترصدة خلف الجدار تنتظر الانقضاض على ما تحقق للشعب السوداني من منجزات، لم يكن يتوقعها أكثر الحالمين أملا، فالثورة في السودان قادت إلى تغيير أساسي أراده الشعب السوداني، وهو الوصول لحكومة مدنية، ورئيس مجلس وزراء مدني، ومجلس قيادي من العسكريين والمدنيين، وبه سيدتان، إحداهما قبطية على رأس الدولة، في سابقة بالعالم العربي، وأتمنى أن يتطور الوضع عما هو عليه الآن إلى الأفضل، مما سينعكس على الفنون بالتأكيد، وعلى نوايانا في عودة المؤسسة العامة للسينما السودانية التي أغلقت عام 1994، بعد أن وأدها نظام البشير.. الأمنيات للسودان كثيرة والمأمول عظيم والانتظار سبيلنا.

الثورة.. مشروع الحلم الجديد

عن مشاريعه المقبلة، يصرح أبو العلا للجزيرة نت بتحضيراته لأكثر من عمل، كلها من السودان وعنه، وتتنوع بين أفلام قصيرة يود أن يشرف على إنتاجها لمخرجين سودانيين، وفيلم طويل يقوم بإنتاجه للمخرج السوداني الشاب محمد كردفاني، وهو فيلم "وداعا جوليا"، بالإضافة إلى تحضير إنتاج فيلم وثائقي ضخم عن الثورة، مع المخرج حجوج كوكا.

كما يشرع أبو العلا في إخراج فيلم طويل، يختار فيه بين حكايتين إحداهما عن "انقلاب الخرطوم"، والأخرى مستوحاة من إحدى روايات الطيب صالح.

المصدر : الجزيرة