مهرجانات السينما العربية في المهجر.. صور تسافر لتحاور الآخر

مهرجان مالمو
منظمو مهرجان مالمو يؤمنون بأهمية اللغة البصرية وبمصداقيتها في التعريف بالمجتمعات العربية دون مساحيق (مواقع التواصل)

نزار الفراوي

تكتسي أفلام العالم العربي أجنحة جديدة في مواعيد سفر خارج الحدود للقاء الآخر المختلف -جمهورا ونخبا ثقافية وفنية وصناع سينما- من خلال مهرجانات وملتقيات باتت ترسخ مكانتها في الأجندة الثقافية لبلدان الاستقبال عبر أوروبا وأميركا وآسيا.

عواصم جديدة للسينما العربية تفتح أذرعها لاحتضان تجارب مختلفة قد لا تجد حتى فرصة العرض والتواصل في بلدانها الأصلية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولاستقبال وفود كبرى من صناع الفن السابع بالمنطقة قد لا يجود الزمان بتواصلها وتلاقحها في خريطة المهرجانات العربية.

في رحاب معهد العالم العربي بالعاصمة الفرنسية باريس في جنيف السويسرية، ومالمو السويدية، وفي مدينة روتردام بهولندا، وأكبر مدن كندا تورونتو وغيرها يتردد صدى الإبداع السينمائي العربي حاملا صورا من زوايا مختلفة عن واقع مجتمعات تختزل لدى الآخر في تصدير الإرهاب واللجوء والتخلف.

تختلف المسميات التي تحيل إلى خلفيات بعينها، بين الإشارة إلى العالم العربي، الشرق، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن ما يوحد هذه المهرجانات أنها نافذة بالنسبة للعين الغربية للإطلال على حقائق مجتمعية قد لا تراها في إعلام أحادي، وهي أفق مفتوح للفيلم العربي في بحث عن نطاق اعتراف ومشاهدة خارج الفضاء العربي المحدود، فهل من حصيلة جديرة بالتقييم لتجارب ثقافية وفنية بلغ بعضها مرحلة النضج والديمومة، في حين تراوح أخرى عتبة الولادة العسيرة للمشروع؟

مالمو للفيلم العربي
في مالمو السويدية التي أسدلت الستار مؤخرا على فعاليات الدورة التاسعة لمهرجانها للفيلم العربي يتواصل المشروع الذي ولد عام 2011 استجابة لمطلب حكومي ومدني في نفس الوقت، كان الهدف التعريف بالسينما العربية لدى جمهور مدينة ومقاطعة متعددة الجنسيات تراهن على التلاقح الثقافي في سياساتها العمومية.

كان مدير المهرجان محمد القبلاوي المقيم في السويد منذ أكثر من 25 عاما يشاهد كل عام أربعة إلى خمسة أفلام عربية في السنة تعرض في مناسبات متفرقة، واليوم يقدم المنظمون لجمهور المهرجان وكذلك لرواد الأندية السينمائية خارج أيامه باقة لا تقل عن ثمانين فيلما سنويا.

يبدي القبلاوي اعتزازه بنجاح المهرجان -الذي يحظى بدعم حكومي سويدي باعتباره حدثا سويديا- في صناعة جمهور متنوع من المغتربين العرب في السويد وحتى الدانمارك وكذلك عشاق السينما من مختلف الجنسيات، خصوصا أن إدارة المهرجان تحرص على دبلجة الأفلام المشاركة إلى الإنجليزية.

وكل عرض سينمائي هو بالنسبة للقبلاوي لحظة معرفية تجاه حركية الخطاب اليميني الذي جدد نفسه خلال العقد الأخير، بل إن المهرجان يواجه تهمة تشجيع المهاجرين على عدم الاندماج من خلال إشعارهم بخصوصيتهم وانتمائهم القومي، والحال أن مهرجان مالمو يؤمن -حسب مديره- بأهمية اللغة البصرية وبمصداقيتها في التعريف بنماذج إنسانية تحمل المظاهر الإيجابية والسلبية للمجتمعات العربية مثل أي مجموعة إنسانية أخرى ودون مساحيق.

مهرجان الفيلم الشرقي
في جنيف، حملت أجواء ما بعد أحداث 11 سبتمبر وتزايد مؤشرات التوتر والرهاب تجاه الجاليات المنحدرة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على إطلاق مهرجان "الفيلم الشرقي" الذي بلغ دورته الرابعة عشر وسط صعوبات مادية خانقة تهدد مستقبله، بعد حديث عن عزم السلطات المكلفة بالثقافة في جنيف قطع دعمها للمشروع في ذروة نضجه وعطائه.

يقول مدير مهرجان جنيف الطاهر حوشي إن الهدف من هذا الموعد الفني -الذي لا ينظر إليه تيار مناهضة الأجانب بعين الرضا- ليس ركوب منطق التبسيط وتحويل الحدث الفني إلى منبر شعارات ضد الأفكار المسبقة والأيديولوجيا اليمينية، بل يتعين التمسك برؤية للفيلم بوصفه منتجا فنيا دون إغفال خلفياته الاجتماعية وقضاياه الإنسانية.

وبالنسبة لحوشي ليس هناك فيلم عربي، بل أفلام تمثل مجتمعاتها وبلدانها وإن شكلت العروبة قاسما مشتركا لها، وخارج صورة العربي الذي يركب ناقته في الصحراء يعطي مهرجان أفلام الشرق الأولوية لأفلام حديثة تعكس مشاكل وأحلام جيل يكابد لصنع مستقبله عبر مدن هذه المنطقة الشاسعة جنوب المتوسط.

وإضافة إلى المنصة الرئيسة، تتنقل عروض مهرجان الفيلم الشرقي بين المدارس ومراكز إيواء طالبي اللجوء والسجون في رحلة تنقل تجارب سينمائية متنوعة المشارب للقاء جمهور متعدد يكتشف من خلال الشاشة وقائع مجتمعات تحجبها وسائل الإعلام إن لم تكن تشوهها.

وعمليا، يتيح المهرجان فرصا للمخرجين المشاركين من المغرب والمشرق العربيين لإيجاد قنوات لتوزيع الأعمال والاستفادة من متابعات إعلامية واسعة النطاق ومن إمكانيات الانتقاء التي يتيحها وجود مدراء مهرجانات أوروبية وأميركية.

ويرى الطاهر حوشي أن بين هذه المهرجانات التي تتناسل في أوروبا تفاوتا وتنوعا كبيرين، وقد بذلت جهود للانتظام في شبكة للتنسيق والتكامل، بما يمكن من الحصول على موارد دعم لدى الاتحاد الأوروبي، لكن الهدف يظل بعيد المنال.

مهرجان تورنتو
تتسع دائرة المهرجانات السينمائية العربية لتشمل أيضا أميركا الشمالية، حيث يبرز مهرجان "تورنتو لأفلام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الذي يقدم عددا من الأفلام الروائية والوثائقية مستفيدا من شراكة مع متحف الآغا خان في تورنتو الذي يعد أحد أكبر المؤسسات المتحفية في العالم، فضلا عن المجلس الكندي العربي للثقافة والفنون وشركاء آخرين.

يقول مدير المهرجان جبار الجنابي إن المهرجان يسلط الضوء على سينما الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع أولوية لأعمال تواكب المتغيرات في النسيج الديني والاجتماعي والسياسي والثقافي بعد "الربيع العربي".

ولاحظ الجنابي أن الكثير من صناع السينما هاجروا من بلدانهم ليحققوا رؤاهم من دون ضغوط سياسية أو دينية، وأن آخرين صمدوا أمام تحديات عظمى في بلدانهم، مبرزا أن الهدف من المهرجان إنشاء منصة لصناع الأفلام تتيح لهم الانتقال إلى مهرجانات أكبر.

وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة لتجربة المهرجانات السينمائية العربية في الخارج، فإن مكسبا لا يمكن إنكاره تحقق على صعيد توسيع خريطة السينما العربية على مستوى الجمهور والمتابعة النقدية والحركة عبر المهرجانات الدولية، وهو ما يشكل متنفسا حقيقيا لصناعة لا تتطور إلا في سياق الانفتاح والتبادل.

المصدر : الجزيرة