أسطورة أم بلطجي.. ما علاقة السينما المصرية بجرائم الشارع؟

محمد رمضان
عبر نشطاء عن استيائهم من الفن الهابط الذي يحفل بصورة البلطجي وخاصة ما يقدمه رمضان (مواقع التواصل)

حسن المصري-القاهرة 

يحمل الشاب اليافع سلاحه الأبيض وفي عينيه نظرات شيطانية، ليبدأ في نرجسية وسادية باستغلال قوته في إرهاب وتهديد من حوله بحركات بهلوانية وألفاظ سوقية، ليصبح هذا الشاب "بطل القصة" مطلوبًا للعدالة، وسط سلسلة مترابطة من الأحداث التي تدعو إلى التعاطف مع البلطجي في النهاية رغم جرائمه التي ارتكبها.

بهذه التوليفة خرجت الكثير من الأعمال السينمائية والدرامية إلى النور في مصر خلال الأعوام الأخيرة والتي ازدهرت خلالها شخصية "الفهلوي" و"البلطجي" بصورة حملت الكثيرين على الربط بين انحدار مستوى السلوكيات والجريمة العنيفة وبين انتشار سلوكيات مستنسخة من واقع ما ينتج عبر السينما المصرية بما تتضمنه من تشابه في الأحداث والمضمون. 

محمد رمضان
فمنذ ثورة 25 يناير ظهرت الكثير من الأفلام التي تجسد ثالوث البلطجة والجنس والمخدرات، على غرار فيلم "ريجاتا" و"عبده موته" و"قلب الأسد" و"الألماني" و"إبراهيم الأبيض"، عوضًا عن الأفلام التي لا تخلو من الإيحاءات الجنسية مثل "حياتي متبهدلة" و"عيال حريفة".. وغيرها، وهي النوعيات من الأفلام التي ارتبطت بأسماء منتجين على غرار المنتج أحمد السبكي ونجله كريم السبكي.

ويربط البعض بين ما تقدمه هذه الأعمال وما يحدث في الشارع المصري من جرائم، ولعل جريمة مقتل الشاب المصري محمود البنا التي هزت الرأي العام مؤخرا، أحد الأمثلة على ذلك الربط حيث قتل الشاب على يد صديقه محمد راجح باستخدام "مطواة قرن غزال" بعد استياء المجني عليه من سلوك راجح تجاه فتاة.

وعقب ارتكاب الجريمة اشتعلت مواقع التواصل ضد الممثل المصري محمد رمضان، خاصة في ظل انتشار صورة للقاتل محمد راجح وهو يحمل سيفًا للتباهي به على غرار مشاهد سينمائية قدمها الممثل المصري محمد رمضان المشهور بتقديم أدوار البلطجي خلال الكثير من أعماله.

وعبر المغردون ونشطاء تويتر عن الاستياء من الفن الهابط الذي انتشر في المجتمع والذي يحفل بصورة البلطجي والمتحرش في البطولة، مطالبين بمقاطعة الأعمال الفنية التي تنقل مفاهيم مغايرة للقيم الاجتماعية المصرية، خاصة في ظل انتشار جرائم مماثلة، مع المطالبة بإعدام محمد راجح في الوقت نفسه.





ولا يتوقف الأمر عند تلك الواقعة، إذ هناك وقائع كثيرة ظهرت خلال الفترة الماضية على غرار رقص شباب وفتيات بالأسلحة البيضاء في طريقة استعراضية مماثلة للعديد من الأفلام، بجانب أداء رقصات على أنغام المهرجانات في الأماكن الشعبية والشوارع العامة وغيرها.

الشارع أم السينما؟
تقول أستاذة علم الاجتماع الدكتورة سامية خضر إن "خلطة البلطجي والمتحرش في السينما والتلفزيون تدمر أجيالا"، وأكدت في حديثها للجزيرة نت حول انتشار ثقافة العنف في الأفلام أن تلك الظاهرة بدأت بعد ثورة 25 يناير، إذ كان بداية إنتاج فيلم "عبده موته" الذي اشتهر الممثل محمد رمضان من خلاله، ليقدم بعدها سلسلة من الأفلام والأعمال الدرامية التي لا ترقى عن كونها أعمالا مبتذلة وتنشر ثقافة البلطجة والتحرش، في ظل غياب وصمت الرقابة على المصنفات الفنية، حسب تعبيرها.

ولفتت الدكتورة سامية إلى "ضرورة أن يقدم الإنتاج الفني بالسينما والتلفزيون رسالته الحقيقية للمجتمع، وأن يكون العمل الفني -سواء أكان فيلمت أو مسلسلا- مرآة للمجتمع ومشكلاته ويقدم حلولا لها خلال تسلسل درامي جذاب".

على الجانب الآخر يقول الناقد الفني السينمائي طارق الشناوي "قد يكون هناك دور للسينما والدراما، إلا أن الدور في توجيه السلوك إلى ارتكاب الجريمة دور ثانوي غير قوي"، معتبرا أن الظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية هي الأساس في التأثير على التصرفات وليس ما يعرض من مضامين درامية مختلفة، ومبينا أن الأفلام والأعمال الدرامية تعبر بصورة أو بأخرى عن واقع اجتماعي أو اتجاه موجود كمشكلة انتشار المخدرات.

وضرب الشناوي في حديثه للجزيرة نت مثالا بالشخصيتين الشهيرتين "ريا وسكينة" اللتين تم إنتاج أكثر من عمل سينمائي ودرامي حولهما، ورغم ذلك لم تظهر معدلات الجريمة بين النساء في المجتمع المصري آنذاك، لافتًا إلى أنه ساد اعتقاد في خمسينيات القرن الماضي أن أفلام الفنان الراحل إسماعيل ياسين ستؤدي إلى بلاهة الأطفال.

وأشار إلى أن تناول العنف والبلطجة في الدراما والسينما المصرية ليس أمرا جديدا على الوسط الفني، إلا أنه ازداد واختلفت طرقه ووسائله، وهذا لاختلاف الزمن والوقت والظروف الاجتماعية، كما أن تقبل العنف نفسه تغير عن القرن الماضي، مبديًا رفضه اعتبار ثورة 25 يناير سببا في تغيير ثقافة الشارع لأنه كان لديه مقومات الانفلات ولم يكن هناك علاقة للثورة بذلك.

المصدر : الجزيرة