من المعتقل إلى المسرح.. لماذا تعرى ممثل سوري في "قرطاج"؟

مشهد من مسرحية "يا كبير" التي عرضت في مهرجان قرطاج وأثارت ضجة
"يا كبير" عمل مسرحي من إخراج السوري رأفت الزاقوت (وسائل التواصل)

أسماء البكوش-تونس

فجأة فتحت أبواب قاعة العرض بالمسرح البلدي في تونس العاصمة، وبدأت الجماهير تغادر في حالة غضب وسخط، فما الذي حدث؟ وماذا جرى في قاعة عرض خاصة بفعاليات الدورة العشرين لأيام قرطاج المسرحية؟ 

"كيف يخرج ممثل عاريا تماما كما ولدته أمه على خشبة المسرح ؟" صرخ أحدهم، بينما قال آخر إنها "مهزلة" رافضا الحديث. 

جلبة واحتجاج في ردهة المسرح ونقاش يكاد يتحول لشجار، أما داخل القاعة فيواصل جزء آخر من الجمهور متابعة العرض المسرحي السوري الألماني "يا كبير" حيث يقف الممثل السوري حسين مرعي عاريا تماما على خشبة المسرح في مشهد تراجيدي دام 30 دقيقة. 

العمل المسرحي "يا كبير" (75دقيقة) -الذي أخرجه السوري رأفت الزاقوت وكتبت نصه أمل عمران- يقدم علاقة الدكتاتورية بالمجتمعات الأبوية من خلال قصة امرأة سورية (أمل عمران) تزور شقيقها الفنان التشكيلي (مرعي) في المنفى بعد غياب. 

وتتزامن زيارتها مع وفاة والدهما ضابط المخابرات، فيحاول الأخ ثني أخته عن الذهاب إلى سوريا لحضور موكب دفن والدها بسبب الحرب المندلعة منذ 2011، ويبدأ الصراع بينهما. 

الابنة تبدي إعجابها بوالدها الضابط "الكبير" والابن يحاول أن يقنعها بأن والدهما متورط بالدم المسفوك في بلدهم، وتتصاعد الأحداث لينتهي النقاش بتمسك الأخت بموقفها، ويعجز الأخ عن التعبير فيتعرى على خشبة المسرح ويغتصبها وينتهي الصراع بأن تقتل شقيقها وتنتحر.

‪الممثل الذي تخلى عن ورقة التوت‬ الممثل الذي تخلى عن ورقة التوت (الجزيرة)
‪الممثل الذي تخلى عن ورقة التوت‬ الممثل الذي تخلى عن ورقة التوت (الجزيرة)

انقسام الساحة الفنية
هذا العمل المسرحي الثاني للفرقة السورية "المقلوبة" قسم الساحة الثقافية التونسية بين رافض لمشهد العري التام على خشبة المسرح معتبرا إياه فعلا صادما لا علاقة له بالفن بل هو ابتذال، وبين من رأى أن الفن لا قيود له وأنه مشهد فني إبداعي له دلالاته. 

فيرى الإعلامي بالإذاعة الثقافية كمال الشارني أن المسرح منذ نشأته عند اليونان لم يشهد حالة عري كامل في الدراما أيا كان الموضوع، سواء للرجل أو المرأة، ورغم انتشار الاحتفال بالجمال الفني للجسد، فإن تمثله فنيا في النحت أو الرسم منذ آلاف السنين لم يقم على "واقعية الجسد العاري" بل على تمثله فنيا إلى حد إهمال أعضائه التناسلية. 

واعتبر الشارني تمثيل العري الحقيقي في المسرح سخافة ليس لها مبرر درامي قائلا للجزيرة نت "الأوبرا مثلا التي تقوم على جمال وتناسق الجسد الراقص لم تسمح أبدا بعريه". 

وأوضح "كان ثمة دائما في خزائن خبراء اللباس أقمشة تحاكي لون الجسد البشري لإخفائه بل حاولوا إعادة إنتاج جمال العري وشكل الجسد دون تعريته حقا" ويرى في تعرية الجسد وخصوصا الأعضاء التناسلية ابتذالا لجمال الجسد "وسطحية سخيفة لا تليق إلا بعروض الجنس في محلات عروض الجنس".

تقييم جمالي وليس أخلاقيا
في المقابل، أكد المخرج والناقد نزار السعيدي للجزيرة نت أن الفن لا يتقيد إلا بقيوده وبأخلاقياته دون أي اعتبار ديني أو اجتماعي أو سياسي، لكنه أيضا مطالب بأن يقدم مادة إبداعية ثرية ومبررة لأن المحاسبة تكون فنية وليست "أخلاقاوية".

غير أنه لا يخفي لومه لإدارة المهرجان لأنه كان من الأجدر -حسب رأيه- أن تشير قبل العرض إلى أن العمل المسرحي يحتوي على مشاهد صادمة من باب احترام علاقة المرسل بالمتلقي، وهو تقصير تنظيمي بالأساس.

حرية تعبير
"مشهد العري على خشبة المسرح ينضوي تحت حرية التعبير التي يطالب بها الجميع وهي كل لا يتجزأ" هكذا قالت الناقدة المسرحية ناجية السميري للجزيرة نت داعية إلى تناول المشهد من الناحية الفنية الجمالية فقط. 

وتتساءل السميري "هل مسموح بأن نشاهد الأجساد الملقاة عارية على الشاطئ لمهاجرين بعد تحطم زورقهم وغير مسموح أن تشاهد ممثلا عاريا على خشبة المسرح؟".

وتضيف "اللوحات الفنية لأجساد عارية نعتبرها عملا إبداعيا نمدح جماله بينما يخدش الحياء ممثل عار على خشبة المسرح؟".

وتستشهد الناقدة المسرحية بقصائد الشاعر العراقي مظفر النواب الذي ينعت بأنه بذيء لكن قصائده -حسب رأيها- تكشف حجم بذاءة الوضع العربي، مشددة على أن مشهد العري بالمسرحية كان مبررا وأراد أن يفضح حجم الانتهاكات الجسدية الوحشية في أقبية الأنظمة العربية الدكتاتورية، حسب رأيها.

‪مخرج مسرحية
‪مخرج مسرحية "يا كبير"‬ مخرج مسرحية "يا كبير" (الجزيرة)

المخرج يتحدث
هذا العمل المسرحي -الذي عرض في أكثر من دولة أوروبية- يؤكد مخرجه خاصا الجزيرة نت بتصريح أن النسخة التي عرضت في تونس هي التي عرضت في بقية الدول، مكذبا كل ما قيل من أن هذا المشهد لم يعرض بعري تام إلا في تونس. 

وأشار زاقوت إلى أنه لم يتوقع أن تستقبل دولة عربية هذا العمل وتعرضه وقد فوجئ وسعد بقبول تونس له ضمن أيام قرطاج المسرحية على اعتبار أنها النقطة المضيئة في العالم العربي وهي "الأمل". 

واعتبر مخرج مسرحية "يا كبير" أن الجدل الذي أحدثه مشهد العري أمر طبيعي، وهو يحترم كل الآراء على اختلافها لكنه تفاجأ من تغاضي البعض عن حجم الدمار والخراب والانتهاكات داخل العالم العربي. 

فقد حاول العمل حسب رأيه أن يطرح أسئلة حقيقية من خلال ذلك المشهد لعل أهمها: من وراء كل هذا الدمار والانتهاكات بكل أشكالها؟ ومن صنع الدكتاتور نحن أم الدكتاتوريات صنعتنا؟  

ماذا يقول الممثل العاري؟
عاريا وبعد أن أسقط ورقة التوت وقف الممثل السوري في مشهد لم يعتده الجمهور -يقول عنه في لقاء خص به الجزيرة نت- إنه ضرورة درامية وفنية وجزء من مشاهد أخرى لأنهم كفريق مسرحي متكامل يهدفون إلى طرح الأسئلة بكل الطرق. 

يكشف الممثل للجزيرة نت أنه تعرض للاعتقال بداية الثورة السورية وتعرض للانتهاكات داخل سجون النظام، وأن ذلك المشهد تحديدا هو مشهد قادم من قلب الفاجعة السورية، ويوضح"نحن هائمون على وجوهنا في الصحاري وفي البراري وتأكلنا الأسماك في البحار، فنحن كسوريين عراة وهذه حقيقتنا نصرخ ولا أحد يسمعنا". 

ويضيف "بالنسبة لي المشهد وأنا عار هو الحقيقة السورية، هو صوتي وصوت أهلي، وهو المشهد الأقوى الذي بحثنا عنه طيلة ستة أسابيع من "البروفات" من أجل أن ننقل جزءا بسيطا من تراجيديا سورية عمرها 7سنوات" يقول الممثل العاري. 

ويشدد في ختام اللقاء على أن مسرحية "يا كبير" ليست موجهة للدكتاتوريات العربية فقط بل إلى كل الأنظمة التي تستعبد الفرد في كل أنحاء العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة، فالفرد فيها عبد للرأسمالية المتوحشة "لذلك فنحن جميعا في مركب واحد وإنسانيتنا على المحك".

المصدر : الجزيرة