الأرمن.. جزء من فسيفساء المجتمع المقدسي

الحي الأرمني من الداخل ويظهر في مؤخرة الصورة علم أرمينيا، وجميع الأبنية الرومانية موجودة تحت الأرض أما ما يوجد من أبنية في الوقت الحاضر فيعود تاريخها للقرنين الرابع والخامس وما بعدهما.
تشير تقديرات إلى أن عدد الأرمن بالقدس يتراوح بين ثلاثة وخمسة آلاف نسمة (الجزيرة نت)

 

أسيل جندي-القدس

ينحدر الشعب الأرمني من العرق الآري (الهند أوروبي) وتنتمي الكنيسة الأرمنية لعائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، والتي تشمل كنائس الأقباط والأحباش والسريان.

يعود وجود الأرمن في فلسطين للقرن الرابع الميلادي، وكانوا أول الحجاج الذين أسسوا مراكز الضيافة والخانات في فلسطين لاستقبال الحجيج. ووفق التقليد الأرمني، على كل من يعتنق المسيحية أن يحج إلى القدس مرة واحدة على الأقل في حياته.

وعلى مر العصور، حجّ إلى القدس العديد من مشاهير ملوك الأرمن والملكات والأمراء ورجال الدولة، حاملين معهم الهدايا التذكارية التي تركت بصمة مميزة في نقل الحضارة الأرمنية إلى القدس.

أُعلن عن البطريرك الأرمني الأول بالقدس "أبراهام" عام 638، وحصل على مرسوم اعتراف رسمي من الخليفة عمر بن الخطاب الذي عدد فيه حقوق وامتيازات الكنيسة الأرمنية بالأراضي المقدسة، حرصا على حمايتها وسلامتها، ونقش هذا المرسوم على مدخل دير الأرمن الموجود حتى يومنا هذا.

مكتبة للمخطوطات
يشغل المنصب اليوم غبطة البطريرك نورهان مانوكيان والذي تولاه عام 2012، بينما يقوم رجال الدين بانتخاب البطريرك الجديد بعد رحيل من قبله.

‪المطبعة الأرمنية تأسست عام 1833 كأول مطبعة بالقدس‬ (الجزيرة)
‪المطبعة الأرمنية تأسست عام 1833 كأول مطبعة بالقدس‬ (الجزيرة)

يقع دير الأرمن "مار يعقوب" على جبل صهيون بالقدس المحتلة، وتشغل مساحته نحو ثلاثمئة دونم بما يعادل سدس مساحة البلدة القديمة بالقدس. ويحتوي الدير على مقر ومكاتب البطريركية والمعهد اللاهوتي ومدرسة القديس تاركمانشاتس ومكتبة كولبنكيان ومتحف مارديكيان، وعيادة صحية.

كما تملك البطريركية ثاني أضخم مكتبة أرمنية للمخطوطات في العالم، وأقدم مطبعة في القدس تأسست عام 1833.

وصل عدد الأرمن قبل عام 1967 إلى نحو 25 ألف نسمة في أنحاء فلسطين، لكن معظمهم هاجر بعد احتلال مدينة القدس. ويتراوح عدد السكان في الحي الأرمني حاليا بين ثلاثة وخمسة آلاف نسمة. ويعود السبب في عدم حسم عدد السكان بشكل دقيق لسفر العديد من الأرمن خارج البلاد لتلقي التعليم الجامعي، والبحث عن فرص عمل.

السياسة والمهن
ووفق الأب بكراد برجكيان، فإن الأرمن كانوا وما زالوا أوفياء للسلطة في كل المدن التي حلّوا عليها ضيوفا، باستثناء من يعيشون في لبنان إذ اضطروا للانخراط في العمل الساسي. أما من يعيشون في فلسطين فهم يدعمون حل الدولتين، ويرفضون رفضا قاطعا أن يرضخ دير الأرمن للسيادة الإسرائيلية، بينما حاربت البطريركية سلطات الاحتلال في التسعينيات رفضا لفرض الضرائب على الدير والتدخل بشؤون البطريركية.

ورغم قساوة الظروف المعيشية في القدس، فإن الأب برجكيان قلق من ظاهرة سفر شباب الأرمن خارج فلسطين بهدف التعليم الجامعي وإيجاد فرص عمل. ويقول: "نحن نبكي عند سفر كل شاب من الطائفة، لأننا نعتقد أن لكل شعب وديانة طقوسا خاصة لا بد من المحافظة عليها، ولا نريد أن تختفي هذه الطائفة من القدس رغم صعوبة العيش فيها".

واعتمدت البطريركية على التبرعات من الشعب الأرمني في جميع أنحاء العالم لسنوات طويلة، لكن هذه التبرعات شحيحة جدا في الوقت الحاضر، وتعيش البطريركية على العقارات المؤجرة فقط، وهي بالكاد تكفي لتغطية مصاريفها.

‪الأب برجكيان: الأرمن يدعمون حل الدولتين‬ (الجزيرة)
‪الأب برجكيان: الأرمن يدعمون حل الدولتين‬ (الجزيرة)

 

امتاز الأرمن بذكائهم الحرفي والصناعي، فهم أول من جلب الطباعة لمدينة القدس بتأسيسهم مطبعة داخل الدير عام 1833، وما زالت تعمل حتى هذا اليوم بمقر ومعدات حديثة، بالإضافة لتأسيسهم أول مصنع للسيراميك في عهد الانتداب البريطاني في القدس.

وتعلم الأرمن حرفة السيراميك على يد الأتراك في القرنين الخامس والـ16، وطوروها حتى اختصوا بهذا الفن في كنائسهم، ونقشوا جدرانها بزخارف مميزة، كما رمموا مصلى قبة الصخرة الذي تكتسي جدرانه الخارجية بالسيراميك.

تصوير احترافي
وكان الأرمن أول من أدخلوا مهنة التصوير الفوتوغرافي لمدينة القدس. ورغم انتشار هذه المهنة بشكل واسع فإن الأرمن حافظوا على مكانتهم الاحترافية المتميزة في التصوير، وكذلك في إتقانهم للخياطة وصياغة المجوهرات.

يقول المؤرخ الأرمني ألبيرت أغازريان إن كل من مرّ على البطريركية الأرمنية بالقدس من بطاركة أضاف إنجازا مهما لهذا الشعب، فمنهم من اشترى الأراضي وضمها للحي، أو أسس المطبعة، ومنهم من استلم السلطة والخزينة فارغة فاستمر بجمع الأموال على أبواب الكنائس لمدة تسع سنوات حتى حلّ الأزمة المالية.

حصة
حصة "الحضارة الأرمنية" بمدرسة القديس تاركمانشاتس (الجزيرة)

وتطرق أغازريان للمدرستين الدينية والعامة بالحي الأرمني، إذ تتبع المدرسة الدينية الطريقة المملوكية في تجهيز الأطفال ليصبحوا رهبانا، حيث ينضمون لها في عمر الـ13، ويتم عزلهم عن العالم الخارجي لنحو ثماني سنوات ويتخرجون منها رهبانا في النهاية.

أما المدرسة الثانية والتي تأسست عام 1929 فيتلقى الطلبة فيها التعليم من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الـ12، ويبلغ عددهم اليوم 150 طالبا وطالبة يتعلمون بالأرمنية التي يبلغ عدد حروفها 38 حرفا.

ووفق أغازريان فإن الطائفة الأرمنية جزء لا يتجزأ من المجتمع المقدسي، حيث انخرطت مع غيرها من الطوائف المسيحية والمسلمين بالقدس، وبينهم علاقات اجتماعية وطيدة.

المصدر : الجزيرة