تفجير سد كاخوفكا.. اتهامات متبادلة بين موسكو وكييف بجلسة لمجلس الأمن وأقمار اصطناعية تظهر دمارا كبيرا وفيضانا واسعا

Local residents stand on an embankment of the Dnipro river which flooded after the Nova Kakhovka dam breached, in Kherson
المياه غمرت مساحات شاسعة في مقاطعة خيرسون (رويترز)

تبادلت موسكو وكييف اليوم الأربعاء الاتهامات بشأن المسؤولية عن تدمير سد نوفا كاخوفكا بمنطقة خيرسون جنوبي أوكرانيا خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن، في حين أكد المندوب الأوكراني بالمجلس أن تخريب السد لا يهدد حتى الآن محطة زاباروجيا النووية، وأن الوضع معقد لكنه ما زال تحت السيطرة.

ويقع السد المدمر على نهر دنيبرو الذي يوفر المياه لتبريد محطة زاباروجيا النووية، التي تسيطر عليها القوات الروسية وتعد الأكبر في أوروبا.

وأكد المندوب الأوكراني سيرغي كيسليتسا أن 11 جزءا من سد كاخوفكا تم تدميرها من بين 24، ويجري العمل لإخلاء 27 منطقة قرب السد، متهما روسيا بتلغيمه وتفجيره من الداخل.

كما قال كيسليتسا إن هناك مؤشرات على أن ما وصفه بـ"الهجوم الإرهابي" على كاخوفكا تم التخطيط له منذ مدة من قبل روسيا، داعيا الأمم المتحدة والمؤسسات الإغاثية لمساعدة المتضررين من الفيضان الذي نجم عن تفجير السد.

روسيا تنفي

في المقابل، نفى المندوب الروسي في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا الاتهامات الأوكرانية، وقال إن كييف هي التي قامت بتخريب متعمد ضد منشأة بنية تحتية بالغة الخطورة.

وأشار إلى أن قيادة القوات المسلحة الأوكرانية كانت أعلنت صراحة عن استعدادها لتفجير هذا السد لتحقيق مكاسب عسكرية منذ العام الماضي، مشيرا إلى أن هناك حملة تضليل منسقة من الغرب ومن كييف مفادها أن روسيا هي التي فجرت السد.

وفي بداية جلسة مجلس الأمن، حذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث مما وصفها بعواقب وخيمة وبعيدة المدى لتدمير سد كاخوفكا بالنسبة لآلاف الأشخاص في جنوبي أوكرانيا.

وأضاف أنه لن يتكشف الحجم الهائل للكارثة في كاخوفكا بالكامل إلا في الأيام المقبلة.

كما قال نائب المندوبة الأميركية بالمجلس إن تدمير سد كاخوفكا سبب فيضانات مدمرة، وأثّر على حياة عشرات الآلاف.

وأضاف أن الولايات المتحدة ستدعم أوكرانيا لتدافع عن نفسها، وأن على روسيا وضع حد للمآسي الإنسانية، مشيرا إلى أن هناك مخاطر عديدة لتفجير السد، أبرزها الأمن النووي في زاباروجيا.

دمار كبير

وأظهرت صور التقطتها بالأقمار الاصطناعية شركة "ماكسار تكنولوجيز" أمس الثلاثاء حدوث فيضان واسع النطاق في جنوبي أوكرانيا، ودمارا كبيرا بسد نوفا كاخوفكا ومحطة الطاقة الكهرومائية بالمنطقة.

وقالت الشركة إن صورا لمساحة تتجاوز 2500 كيلومتر مربع بين نوفا كاخوفكا وخليج دنيبروفسكا جنوب غرب مدينة خيرسون المطلة على البحر الأسود، تظهر أن المياه غمرت العديد من البلدات والقرى.

وتظهر الصور المنازل والمباني غارقة في المياه، ولا يظهر منها في الكثير من الصور سوى الأسطح، في حين تغطي المياه الحدائق والأراضي والبنية التحتية.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أكد في وقت سابق أن الهجوم على السد لن يؤثر على خطط كييف المضي قدما في هجومها المضاد الرامي لاستعادة أراضيها من القوات الروسية.

وقال على تليغرام "لم يؤثر انفجار السد على قدرة أوكرانيا على طرد الاحتلال من أراضيها"، مشيرا إلى أنه تواصل مع كبار قادة بلاده العسكريين، وأن الجيش في أعلى مستويات الجهوزية.

ردود دولية

وفي سياق الردود الدولية، دان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) ينس ستولتنبرغ تدمير السد، ووصفه بالعمل الشنيع، مؤكدا أن "تدمير سد كاخوفكا اليوم يعرض آلاف المدنيين للخطر".

كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الأمم المتحدة لا تملك معلومات عن تدمير السد، لكن الأمر الواضح أن ما حصل نتيجة مدمرة أخرى لغزو روسيا لأوكرانيا، حسب تعبيره.

بدوره، قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إنه يتم بذل الجهود في محطة زاباروجيا النووية لضخ المياه إلى محطات التبريد، مشيرا إلى أن السد تعرض لأضرار جسيمة.

وأكد غروسي -في كلمة إلى مجلس محافظي الوكالة الذين يجتمعون هذا الأسبوع في فيينا- أن الأضرار التي لحقت بالسد "تتسبب حاليا في انخفاض بالمستوى قدره 5 سنتيمترات في الساعة".

ولفت إلى أن مياه السد كانت بارتفاع 16.4 مترا صباح أمس الثلاثاء، موضحا أنه في حال تدني المنسوب إلى أقل من 12.7 مترا فلن يعود بالإمكان الضخ لتزويد دوائر التبريد في المحطة، مما لا يترك سوى "أيام قليلة" لإيجاد حل.

وفي ألمانيا، قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن بلاده تراقب بقلق الوضع في محطة زاباروجيا بعد تدمير سد نوفا كاخوفكا.

وأضاف شولتز في كلمة له بمنتدى أوروبا الـ25 في برلين أن ألمانيا تبذل جهودا حثيثة للحؤول دون وصول الوضع في المحطة إلى مرحلة الخطر، مضيفا أن أوروبا ستواصل دعم أوكرانيا ماليا وعسكريا.

خطر نووي

وبينما أعلن رئيس الهيئة الأوكرانية المشغلة لمحطات الطاقة الكهرومائية إيغور سيروتا أن محطة الطاقة المرتبطة بالسد "تدمرت بالكامل"، قال مدير المحطة المعين من روسيا يوري تشيرنيتشوك إنه "في الوقت الحالي ليس هناك أي تهديد لسلامة محطة زاباروجيا للطاقة النووية".

وأضاف تشيرنيتشوك أن "منسوب المياه في حوض التبريد لم يتغير، الوضع تحت سيطرة فريق العمل"، وأوضح أن نظام التبريد بالمياه غير متصل مباشرة بالبيئة الخارجية، ويمكن إعادة تعبئته من مصادر بديلة.

من جهته، قال مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك، في رسالة وجهها إلى صحفيين، "يجد العالم نفسه مرة جديدة على شفير كارثة نووية" لأن محطة زاباروجيا "فقدت مصدر تبريدها، وهذا الخطر يتفاقم بسرعة حاليا".

Flooding in Kherson after the Nova Kakhovka dam breached
فيضانات اجتاحت خيرسون بعد تفجير السد (رويترز)

فيضانات

وإثر الحادث، سارع أهالي خيرسون -التي تعد أكبر مركز سكاني في المنطقة- للتوجه إلى المرتفعات، في وقت ارتفع فيه منسوب المياه التي كانت تحت السيطرة بفضل السد ومحطة للطاقة الكهرومائية في نهر دنيبرو.

وأعلنت أوكرانيا عن إجلاء 17 ألف شخص من محيط السد، في وقت غمرت فيه المياه 24 قرية، حيث أشار مسؤولون أوكرانيون إلى أن نحو 16 ألف شخص يعيشون في "منطقة خطر" قد تشهد فيضانات.

وعلى ضفة النهر الخاضعة للسيطرة الروسية، قال رئيس بلدية نوفا كاخوفكا حيث يقع السد إن المدينة غرقت وتم إجلاء 900 شخص، مشيرا إلى أن السلطات أرسلت 53 حافلة لنقل الناس من نوفا كاخوفكا ومنطقتين قريبتين إلى مناطق آمنة.

وتُظهر لقطات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي الفيضان الشديد ببلدة نوفا كاخوفكا، التي تسيطر عليها روسيا، بجوار السد.

وقال رئيس البلدية المعين من قبل موسكو إن منسوب المياه ارتفع لأكثر من 11 مترا، وإن بعض السكان نقلوا إلى المستشفيات، دون الخوض في تفاصيل.

في السياق نفسه، قال مسؤول إقليمي عينته روسيا أمس الثلاثاء إن بلدة أوليشكي الصغيرة الواقعة على ضفة نهر دنيبرو، والتي تسيطر عليها روسيا، غمرتها المياه بالكامل تقريبا.

كما قالت إدارة منطقة خيرسون، المعينة من قبل روسيا، إنها تجري استعدادات لعمليات إخلاء من 3 مناطق هي نوفا كاخوفكا وجولو برستن وأوليشكي. وتقع الأخيرتان على الجانب الآخر من مصب نهر دنيبرو قبالة خيرسون، العاصمة الإقليمية التي تسيطر عليها أوكرانيا.

يشار إلى أن مدينة نوفا كاخوفكا سقطت بيد القوات الروسية في الساعات الأولى من هجومها على أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022، وتضم المدينة سد كاخوفكا الكهرومائي.

وتأسس سد نوفا كاخوفكا في خمسينيات القرن الماضي وهو ذو قيمة إستراتيجية، إذ يضخ المياه إلى قناة شمال القرم التي تبدأ من جنوب أوكرانيا وتعبر شبه جزيرة القرم بأكملها، ويعني ذلك أن من شأن أي مشكلة تطرأ على السد أن تؤدي إلى مشاكل في إمدادات المياه بالنسبة للقرم الخاضعة لسيطرة روسيا منذ العام 2014.

المصدر : الجزيرة