العراق ليس وحده.. أزمات وغزوات برلمانية حول العالم

"الصدريون" يواصلون اعتصامهم داخل مقرّ البرلمان العراقي (رويترز)

يذكر التاريخ القديم أن أول برلمان عرفه العالم كان في العراق، إبان الحضارة السومرية قبل 3 آلاف عام من ميلاد المسيح عليه السلام، وأنه كان يتألف من غرفتين: الأولى تسمى المجلس الاستشاري ويتكون من الشخصيات المثقفة والحكيمة، والثانية تسمى مجلس الشعب ويتكون من المحاربين والعسكريين وحملة السلاح من عامة الشعب.

ويذكر التاريخ الحديث أن العراق من أوائل الدول العربية التي عرفت البرلمانات، وقد كان أولها مصر عام 1866، ثم مجلس الشعب السوري عام 1919، ثم لبنان عام 1928، ثم الأردن بمجلسي النواب والأعيان عام 1946، ثم تشكل أول برلمان عراقي بعد إتمام الدستور الملكي عام 1953.

وقفزا عن التاريخين القديم والحديث، انفرد العراق من بين الدول العربية بكونه أول دولة عربية يتعرض برلمانها لاقتحام من قبل حشود من المحتجين، في مشهد يختلط فيه السياسي بالطائفي في الواقع العراقي المأزوم.

لا وجه للمقارنة بين اقتحام برلمان العراق بهذه الكثافة هذه الأيام من قبل أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر واعتصامهم المفتوح في مقره الكائن بالمنطقة الخضراء الأكثر تحصينا في العاصمة بغداد، وبين اقتحام مجلس الأمة الكويتي في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد مسيرة شارك فيها عشرات الأشخاص -بينهم نواب- للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء ناصر المحمد الصباح.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يقتحم فيها أنصار مقتدى الصدر البرلمان العراقي، ففي مايو/أيار 2016 اقتحم المئات من الصدريين مبنى البرلمان داخل المنطقة الخضراء ونصبوا خياما بجواره، بعد أن ندد الصدر بإخفاق السياسيين في إصلاح نظام "المحاصصة" السياسية الذي تلقى عليه مسؤولية تفشي الفساد.

والعراق ليس بدعا من بين دول كثيرة تعرّضت برلماناتها للاقتحام من قبل محتجين، إذ يمتد تاريخ هذه الاقتحامات من العصور القديمة إلى يومنا هذا، أما حالات الاحتجاج أمام البرلمانات ومحاولات اقتحام المقار فتستعصي على الحصر.

ومنذ إنشاء البرلمانات أول مرة في أواخر القرن الثامن عشر، ارتبط بعضها بالاضطرابات الثورية، كما حدث في العاصمة الفرنسية باريس عام 1792، أو في فرانكفورت في 18 سبتمبر/أيلول 1848، في أول برلمان منتخب بحرية لكل ألمانيا.

وتختلف أسباب هذه الأحداث والمحرّضون عليها، ومنها ما يشمل استيلاء القوات العسكرية الأجنبية على البرلمانات أثناء نزاع مسلح أو حرب، وعادة ما يمثل ذلك خاتمة رمزية للحملة العسكرية.

والمثال الأبرز على ذلك هو ما حدث في أغسطس/آب 1814، عندما غزت القوات البريطانية واشنطن وأحرقت مبنى الكابيتول، مقرّ الكونغرس الأميركي، كما يعد رفع علم "الاتحاد السوفياتي" السابق فوق مقرّ البرلمان الألماني "الرايخستاغ" في برلين عام 1945 من أشهر الأمثلة على احتلال القوات الأجنبية مبنى البرلمان.

ويتضمن تاريخ اقتحام البرلمانات حول العالم حالات أخرى، مثل استيلاء الجيش المحلي أو القوات شبه العسكرية على مبنى البرلمان كجزء من انقلاب. وقائمة البرلمانات التي تم اقتحامها خلال الانقلابات العسكرية طويلة، ولعل أحدثها وأكثرها حضورا في الذاكرة الأوروبية ما حدث في العاصمة الإسبانية مدريد في 23 فبراير/شباط 1981، عندما حاول أفراد من القيادة العسكرية الاستيلاء على السلطة في إسبانيا من خلال انقلاب عسكري.

فقد اقتحمت مجموعة من الحرس المدني بقيادة المقدم أنطونيو تيخيرو مبنى البرلمان الإسباني خلال مراسم تنصيب ليوبولدو كالفو سوتيلو رئيسا للحكومة، واحتجزوا النواب رهائن، لكن الملك خوان كارلوس تصدى لتلك المحاولة وطلب من الانقلابيين العودة إلى ثكناتهم، مما أدى إلى فشل المحاولة الانقلابية وعزز موقف الديمقراطية الوليدة في تلك المرحلة ورفع شعبية الملك.

أحد أنصار ترامب يعبث بمكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بعد اقتحام الكابيتول (الأوروبية ـ أرشيف)

أزمات واقتحامات

وإلى جانب التصنيفات السابقة، يستطيع المتتبع لتاريخ اقتحامات البرلمانات في العالم رصد حالات كثيرة موزعة على القارات جميعها، تشترك في ذلك الدول الفقيرة والغنية، وكذلك الحديثة عهد بالديمقراطية وغيرها التي تعتبر نفسها عريقة في الديمقراطية والخبرة البرلمانية، وفيما يأتي بعض هذه الاقتحامات:

  • الولايات المتحدة

في أيامه الأخيرة رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، دعا دونالد ترامب أنصاره إلى مسيرة إلى مبنى الكابيتول؛ للاحتجاج على فرز أصوات الهيئة الانتخابية الجارية هناك. المشاهد التي تلت ذلك، بلغت ذروتها باقتحام الغوغاء المبنى وتخريب قاعات الكونغرس في واشنطن العاصمة.

  •  مقدونيا

كانت مقدونيا على شفا حرب أهلية عام 2001 عقب انتفاضة الألبان الذين يشكلون ربع سكان البلاد. وفي 26 يونيو/حزيران من ذلك العام، اقتحم محتجون مبنى البرلمان في العاصمة سكوبيا، مما أجبر الرئيس بوريس ترايكوفسكي وسياسيين آخرين على الفرار.

وفي 28 أبريل /نيسان 2017، اقتحم متظاهرون غاضبون مقرَّ البرلمان المقدوني عقب جلسة تصويت لاختيار رئيس للبرلمان من أصل ألباني.

  • جورجيا

في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2003، شنّت المعارضة في جمهورية جورجيا السوفياتية السابقة ما وصفته بـ"الثورة المخملية"، واقتحم عشرات الآلاف من المتظاهرين المعارضين البرلمان في العاصمة تبليسي، كما احتلوا مقرّ الرئيس إدوارد شيفرنادزه الذي أعلن حالة الطوارئ، حيث غرقت شوارع تبليسي في حالة من الفوضى.

  • البرازيل

في 6 يونيو/حزيران 2006، اقتحم عشرات المحتجين المطالبين بانقلاب عسكري طريقهم إلى مجلس النواب البرازيلي في العاصمة برازيليا، واشتبكوا مع الحراس وسيطروا على المنصة مع بدء الجلسة في ذلك اليوم، منددين بالفساد الحكومي، وداعين إلى العودة للحكم العسكري الذي شهدته البرازيل من عام 1964 إلى 1985.

  • مولدوفا

في 4 يوليو/تموز 2007، اقتحم أنصار المعارضة في مولدوفا مبنى البرلمان والمكتب الرئاسي بالعاصمة كيشنيف، وألقوا قطعا من الأثاث والأوراق في الشارع، وأشعلوا النار فيها؛ احتجاجا على فوز الشيوعيين بالانتخابات التشريعية.

  • تايلند

في 7 أبريل/نيسان 2010، اقتحم نحو 5 آلاف معارض من "القمصان الحمر" المؤيدين لرئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا المقيم في المنفى، باحة البرلمان في العاصمة بانكوك، بعد اقتحام بوابة المدخل بواسطة شاحنة. وأعقب ذلك إجلاء عدد من مسؤولي الحكومة في مروحية.

  • بوركينا فاسو

في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2014، وبعد عدة أيام من التظاهرات، توج المتظاهرين في العاصمة واغادوغو احتجاجاتهم على اقتراح لتمديد حكم الرئيس بليز كومباوري لمدة 27 عاما، باقتحام مبنى البرلمان ونهب المكاتب وإشعال النيران في المباني والوثائق والمعدات والمركبات.

  • أستراليا

قبل الانتخابات الفيدرالية الأسترالية عام 1996، أدخلت الحكومة تغييرات على قانون العمل، وفي 19 أغسطس/آب 1996 خرجت الأمور عن السيطرة، إذ تحول الاحتجاج إلى عنف، فقد اقتحم المتظاهرون محل الهدايا التابع للبرلمان وملأ الناس جيوبهم بكل ما يمكن أن يجدوه.

وتتضمن القائمة دولا أخرى منها: اليونان، وليبيا، وفنزويلا، وأرمينيا، وهونغ كونغ. ولعبت الاحتجاجات ضد الانتخابات "المزورة" أو "المسروقة" دورا متكررا في اقتحام البرلمانات في السنوات الأخيرة، إلى جانب الأزمات الاقتصادية، وساهمت وسائل الإعلام الحديثة في تراكم مثل هذه الأحداث، حيث تتيح الشبكات الاجتماعية تنظيم وتنسيق الأعمال والمظاهرات العفوية بسرعة.

ضوابط

ولأن الاحتجاجات والتجمعات السلمية باتت من المعايير على التقدم الديمقراطي بما يتيح للناس التعبير عن آرائهم حول موضوع ما، تصبح البرلمانات وساحاتها أكثر المناطق تفضيلا للمظاهرات ذات الطابع السياسي، وتقرّ العديد من الدول بذلك بما فيها نيوزيلندا التي حددت ضوابط لذلك في صفحة رسمية للبرلمان على الإنترنت تحت عنوان "الاحتجاجات والتظاهرات".

وتخاطب الصفحة الراغبين في تنظيم تظاهرات أو احتجاجات أمام البرلمان بلغة ودودة، قائلة "إذا كنت تخطط لاحتجاج أو مظاهرة فيمكنك المساعدة في التأكد من نجاحها عن طريق الاتصال بمكتب رئيس البرلمان. يتيح الاتصال لمكتب المتحدث اتخاذ الترتيبات المناسبة وتقديم المشورة لك وتقديم المعلومات حول التظاهر أو تنظيم احتجاج في البرلمان".

وتنصح صفحة البرلمان الراغب في تنظيم الاحتجاج بـ"التأكد من أن الحدث الخاص بك لا يتعارض مع حدث آخر مخطط له، ومعرفة أي احتجاجات مضادة مخطط لها"، كما تنصحه بطلب التظاهر بذكر اسمه وعنوانه ورقم هاتفه وعدد المتظاهرين المتوقع وسبب الاحتجاج وتاريخ ووقت البدء والانتهاء، (بحد أقصى 3 ساعات لكل احتجاج خلال ساعات النهار فقط).

كما تنبه الصفحة المشاركين إلى التجمع داخل الأراضي والتفرّق منها بطريقة منظمة، واستخدام طرق المشاة لتجنب الأضرار التي قد تلحق بالزرع وأحواض الزهور، وحتى لا تتداخل مع تدفق حركة مرور المركبات، وتؤكد أنه يجب على المشاركين أن يتصرفوا بطريقة تتجنب أي خرق للسلم، وتذكرهم بأنه لا يجوز إعداد الطعام أو بيعه داخل أراضي البرلمان، ولا يجوز نصب أي هيكل مثل خيمة أو غيرها، فيما يُسمح فقط باللافتات المحمولة باليد؛ فضلا عن نصائح تفصيلية أخرى تتعلق بسير التظاهرة أو الاحتجاج.

المصدر : الجزيرة