تنقيح مرسوم الجمعيات وإيقاف تمويلها الأجنبي.. تضييق على نشاطها أم تحصين للديمقراطية في تونس؟

A Tunisian demonstrators clash with police during protests against President Kais Saied, on the 11th anniversary of the Tunisian revolution in the capital Tunis on January 14, 2022. - Tunisian police used teargas today against hundreds of demonstrators who had defied a ban on gatherings to protest against President Kais Saied's July power grab. As the country marks 11 years since the fall of late dictator Zine El Abidine Ben Ali, hundreds of Saied's opponents staged rallies against his July 2021 power grab. (Photo by FETHI BELAID / AFP)
العديد من المنظمات الحقوقية تشكو من التضييق على الحريات في تونس (الفرنسية)

تونس – لا تخفي جمعيات تونسية وناشطون في المجتمع المدني الخشية من ذهاب الرئيس التونسي قيس سعيّد نحو التضييق على نشاط الجمعيات وإصدار مرسوم يقضي بحرمانها من مصادر التمويل الأجنبي، بعد إعلانه من دون مواربة أن هذه الجمعيات امتداد لأحزاب وقوى خارجية تريد التدخل في الشأن التونسي.

وعرف النسيج الجمعياتي في تونس في السنوات العشر الماضية طفرة غير مسبوقة من خلال تأسيس عدد من الجمعيات الناشطة في مجالات اجتماعية وسياسية وحقوقية ليتجاوز عددها 24 ألفا، يعتمد جزء كبير منها على تمويل دول وكيانات أجنبية.

ويرى مراقبون أن هذه الجمعيات مثلت على مدار السنوات الماضية صمام أمان للديمقراطية الناشئة في تونس من خلال مرافقة بعضها لمحطات انتخابية مهمة فضلا عن مراقبة أداء الأحزاب والسلطات الثلاث، في حين يرى آخرون أن هذه الجمعيات ليست سوى امتداد لأحزاب سياسية ودول أجنبية لتمرير أجنداتها الخاصة في تونس.

وتتضاعف مخاوف هذه الجمعيات من ذهاب الرئيس نحو التضييق على عملها وقطع مصادر تمويلها، بعد أن كشف رئيس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية أمين غالي لوسائل إعلام محلية أن الحكومة الحالية أعدّت مشروعا بشكل أحادي وغير معلن لتنقيح المرسوم المتعلق بتنظيم نشاط الجمعيات.

ويعتقد طيف واسع من النسيج الجمعياتي والمدني أن المرسوم 88 لسنة 2011 المنظم لعمل الجمعيات يعدّ مكسبا مهما بعد الثورة، لما فيه من ضمانات تتعلق "بحرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها وتدعيم دور منظمات المجتمع المدني والحفاظ على استقلاليتها.

وفي هذا الخصوص يؤكد بسام معطر نائب رئيس جمعية "عتيد" لمراقبة نزاهة الانتخابات -في حديثه للجزيرة نت- رفضهم المس بمرسوم الجمعيات لسنة 2011، معتبرا أنه يمثل مكسبا مهما لتكريس التعددية والديمقراطية في مجال العمل الجمعياتي.

ولا يخفي معطر وجود إشكالات تتعلق بنشاط بعض الجمعيات ومصادر تمويلها، مستدركا أن المرسوم الخاص بالجمعيات فيه من الضمانات والأحكام ما ينظم عمل الجمعيات الناشطة في المجتمع المدني لا سيما في العلاقة بالشفافية المالية ومصادر التمويل.

وأقرّ بالمقابل أن الخلل لا يكمن في المرسوم بل في قصور الجهاز التنفيذي وتحديدا الحكومة في تطبيق ما جاء في فصوله، فضلا عن غياب الإرادة السياسية لتفعيل تلك الأحكام المضمنة داخله.

ورفض نائب رئيس جمعية عتيد الاتهامات التي أطلقها الرئيس التونسي ضد هذه الجمعيات بعدم الاستقلالية والتدخل في القرار الوطني، واتخاذ التمويل ذريعة لذلك، لافتا إلى أن هناك مئات من الجمعيات تنشط في مجالات تنموية وثقافية وصحية، داعيا الرئيس للتراجع عن قراره.

وعبّرت "الديناميكية النسوية" (تضم أكثر من 10 جمعيات نسوية ناشطة في مجالات تتعلق بحقوق المرأة والأسرة والطفل) -في بيان مشترك- عن قلقها البالغ من مشروع تنقيح المرسوم عدد 88 للجمعيات ورفضها القاطع له.

وشددت على أن هذا التنقيح يمثل انتكاسة لحرية العمل الجمعياتي، و"يخفي في طياته رغبة للانفراد بالحكم ونظاما لا يعترف بوجود القوى المعارضة والأجسام الوسيطة من المجتمع السياسي والمجتمع المدني".

ولفتت إلى أن هذا المشروع "يمنح الإدارة سلطة تقديرية واسعة تمكنها من رفض تكوين الجمعيات أو حلّ منظمات المجتمع المدني بشكل آلي وبقرار صادر عن رئاسة الحكومة"، داعية القوى المدنية لتكوين جبهة للتصدي لأي محاولة من السلطة التنفيذية لقمع العمل الجمعياتي أو التضييق عليه.

غطاء للأحزاب والتدخل الخارجي

مقابل ذلك، ترى جهات داعمة لقرار الرئيس التونسي أن هذه الجمعيات ليست سوى غطاء لتمويل الأحزاب السياسية، وأذرع للوبيات ودول أجنبية تريد التدخل في القرار السيادي وفرض أجندات سياسية واجتماعية واقتصادية من خلال هذه الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.

ويرى رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري، في حديثه مع الجزيرة نت، أن مسألة التمويل الأجنبي للجمعيات سلاح ذو حدين، معتبرا أن هناك جمعيات أظهرت فعليا انتماءها لجهات ممولة للإرهاب وأخرى مرتبطة بلوبيات غربية تعمل على التدخل في القرار الوطني.

 

وشدد على أن بعض هذه الجمعيات شكلت على مدى سنوات غطاء لتمويل حملات انتخابية لأحزاب بعينها بحكم أنها ممنوعة بحكم القانون من التمويل الأجنبي، داعيا إلى ضرورة تنقيح مرسوم الأحزاب.

من جانبه، رأى المحلل السياسي عبد اللطيف دربالة أن وجود المرسوم الخاص المنظم لعمل الجمعيات لم يحدّ من الإخلالات المتعلقة بنشاطها ومصادر تمويلها، في ظل العدد الكبير لهذه الجمعيات واستحالة رقابتها بشكل دائم.

ولفت بالمقابل إلى أن توجه الرئيس لإيقاف كل مصادر التمويل الأجنبي عن هذه الجمعيات هو بمنزلة إعلان لوفاتها، معتبرا أن الإشكال الحقيقي يكمن في استغلال الرئيس لثغرات بعض المؤسسات الدستورية والأجسام الوسيطة لشيطنتها، ومن ثم إيقاف نشاطها تحت تعلات متعددة خدمة لمشروعه السياسي الخاص، كما فعل مع البرلمان والقضاء.

وأشار بودربالة إلى أن هذه الجمعيات أو بعضها بدأ فعليا دفع ثمن باهظ لتخاذله في عدم الدفاع عن الديمقراطية وسكوته عن انقلاب الرئيس على الشرعية الدستورية في 25 يوليو/تموز الماضي، وذلك فتح شهية الرئيس للذهاب بعيدا ونسف كل الأجسام الوسيطة التي تمثل فعليا أبرز تجليات التعددية والديمقراطية في البلاد.

المصدر : الجزيرة