وول ستريت جورنال: حظر الحجاب في المدارس الهندية يشعل الصراع على الحقوق الدينية

لطالما كانت التوترات بين الهندوس والمسلمين جزءا من الحياة اليومية في الهند، وقد تصاعدت بعد أن اعتلى ناريندرا مودي عن حزب بهاراتيا جاناتا السلطة في عام 2014 مستهدفا حزب المؤتمر المعارض بسبب ما اعتبره "استرضاء" المسلمين على حساب الأغلبية الهندوسية في البلاد.

مظاهرة نسائية احتجاجا على منع الحجاب في مدارس بولاية كارناتاكا الهندية (رويترز)

أثير الجدل حول الحجاب في بعض الدول، لكنه في حالة الهند يعكس التوترات المتفاقمة بين المسلمين والهندوس في عهد حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه الهندوسي القومي بهاراتيا جاناتا.

وفي تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) الأميركية، نقل الكاتبان فيليب وين وكريشنا بوخاريل قصة علياء أسادي (17 عاما) التي تستعد الآن لامتحانات الثانوية العامة النهائية لكنها وجدت نفسها بدلا من ذلك وسط صراع حول ما إذا كان سيُسمح لها هي وزميلاتها المسلمات بارتداء الحجاب بعد أن حظرته مدرسة البنات الحكومية التي ترتادها.

تقنين الإجبار

وتقدّمت مجموعة من الطالبات بطعن قضائي ضد قرار حظر الحجاب في المؤسسات التعليمية في مدينة يودوبي الساحليّة؛ مما أثار جدلا وطنيا حادا حول الدين وحقوق الأقليات في الهند، وتسبب في حدوث مواجهات خارج بوابات الحرم الجامعي في جميع أنحاء ولاية كارناتاكا جنوب الهند.

وخلال إحدى أبرز المواجهات التي جدّت في وقت سابق من فبراير/شباط الجاري، تم اعتراض طالبات يرتدين الحجاب من قبل عشرات الشبان الذين يرتدون الشالات الصفراء -التي غالبا ما يرتديها مؤيدو القومية الهندوسية- وهم يهتفون "جاي شري رام" أي "يحيا الإله رام". وفي هذا الصراع المتصاعد لجأت السلطات إلى إغلاق المدارس في جميع أنحاء الولاية وحظر التجمعات والاحتجاجات بالقرب من المؤسسات التعليمية.

من جهتها، تقدمت أسادي و4 طالبات أخريات في يناير/كانون الثاني الماضي بالتماس إلى المحكمة العليا في كارناتاكا لإلغاء حظر ارتداء الحجاب في الصفوف الدراسية بالنظر إلى أنه ينتهك حقهن في ممارسة الشعائر الدينية بحرية على النحو الذي يضمنه الدستور الهندي. ومن المنتظر صدور حكم من المحكمة هذا الأسبوع.

يقول مؤيدو الحظر إنه يهدف إلى فرض قواعد لباس موحّدة تضفي جوا متجانسا على جميع الطلاب في المؤسسات التعليمية، بينما تؤكد الطالبات اللواتي تقدمن بالالتماس وأنصارهن أنه لا ينبغي إجبارهن على الاختيار بين التعليم وارتداء الحجاب. وتعليقا على هذه القضية، تقول ابتسام والدة علياء "نريد لأبنائنا أن يحصلوا على أفضل تعليم"، وتضيف "لن نرسلها أبدا إلى الكلية من دون حجاب".

انقسام الهند

لطالما كانت التوترات بين الهندوس والمسلمين جزءا من الحياة اليومية في الهند، وقد تصاعدت بعد أن اعتلى ناريندرا مودي عن حزب بهاراتيا جاناتا السلطة في عام 2014 مستهدفا حزب المؤتمر المعارض بسبب ما اعتبره "استرضاء" المسلمين على حساب الأغلبية الهندوسية في البلاد. وقد اتهم سياسيو المعارضة حزب بهاراتيا جاناتا بإضعاف الحريات المدنية وتقويض الأسس العلمانية في البلاد.

خلال السنوات الأخيرة، ألغت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة التي منحها الدستور الحكم الذاتي بعلة ضرورة دمج الإقليم المتنازع عليه بشكل كامل مع بقية البلاد. كما عدّلت الحكومة قانون الجنسية لتسهيل إجراءات منح الجنسية لمعظم المهاجرين غير المسلمين القادمين من الدول المجاورة ذات الأغلبية المسلمة وحجتها في ذلك حماية الأقليات الدينية التي تواجه الاضطهاد في تلك البلدان.

ويقود حزب بهاراتيا جاناتا طليعة حملة لبناء معبد هندوسي كبير في موقع مسجد سابق في مدينة الحج في أيوديا، بعد أن حكمت المحكمة العليا في البلاد لصالح المعبد. ويتمتع حزب بهاراتيا جاناتا بعلاقات وثيقة مع منظمة "راشتريا سوايامسفاك سانغ" التي ظهرت مجددا في الحزام الساحلي المحافظ دينيا في ولاية كارناتاكا، الولاية الجنوبية الوحيدة التي يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا. كما أن معظم قادة حزب بهاراتيا جاناتا أعضاء سابقون وناشطون في منظمة "راشتريا سوايامسفاك سانغ".

يبلغ عدد سكان ولاية كارناتاكا أكثر من 61 مليون نسمة 84% منهم هندوس و13% من المسلمين، وهو ما يتماشى بشكل عام مع التركيبة السكانية في بقية الولايات الهندية، حسب أحدث إحصاء سكاني.

يقول ياشبال سوفارنا، وهو سياسي من حزب بهاراتيا جاناتا ونائب رئيس لجنة تطوير الكلية التي تدرس بها أسادي، إنه تم تنسيق وتسييس الجدل من قبل الجماعات الطلابية المؤيدة للمسلمين مثل "الجبهة الهندية الجامعية" التي تريد الانتقاص من إنجازات حزب بهاراتيا جاناتا في الولاية. وأكد أن مثل هذه المنظمات لا تريد تعليم الفتيات المسلمات.

وتدعم "الجبهة الهندية الجامعية" الطالبات اللواتي تقدمن بالتماس؛ لكنها تنفي تنسيق الطعن ضد الحظر. يقول أصيل أكرم (21 عاما)، رئيس فرع هذه الجماعة في يودوبي، إن الشباب المسلمين مثله قلقون بشأن مستقبلهم وسلامتهم في الهند. ويؤكد طالب الإدارة "هناك خوف داخل كل مسلم"، مؤكدا أن المسلمين يعلقون آمالهم على دستور الهند لحماية حقوق الأقليات الدينية.

قواعد جديدة

في السنوات السابقة، سمحت إحدى المؤسسات التعليمية التي كانت مركز النزاع بخصوص الحجاب، وهي الثانوية الحكومية للبنات، للطالبات المسلمات بارتداء الحجاب في الصف إذا أردن ذلك، بناء على التماس من المحكمة. ولكنها أجبرت المحجبات على المغادرة في العودة المدرسية في سبتمبر/أيلول الماضي واعتبارهن مُتغيّبات. وقد حاول أولياء أمور الطالبات التفاوض مع مدير المدرسة لكنهم قرروا في النهاية رفع المسألة إلى المحكمة أمام تعنّت المدرسة.

يقول مدير المدرسة إنه لم يُسمح للطالبات أبدا بارتداء الحجاب في الصف؛ وذلك بموجب قواعد الزي المدرسي. وقد أيّدت سلطات التعليم بالولاية الحظر في وقت سابق من فبراير/شباط الجاري؛ مشيرة إلى أنه من حق المدارس فرض قواعد اللباس. وقد احتجت حكومة ولاية كارناتاكا في المحكمة الأسبوع الماضي بأن ارتداء الحجاب ليس من الممارسات الدينية الأساسية للإسلام، وأن حظر ارتدائه لا ينتهك الدستور الهندي. وتجدر الإشارة إلى أن رودرا غودا مدير الثانوية التي تدرس بها أسادي رفض طلبات التعليق.

وتفرض معظم المدارس الحكومية والخاصة في الهند زيا موحدا للطلاب. ولم يكن هناك حظر معلن على ارتداء الفتيات المسلمات للحجاب في الصفوف الدراسية في المدارس الحكومية قبل أن تحظره ثانوية يودوبي. ويُسمح للفتيات المسلمات بارتداء الحجاب في "كيندريا فيديالاياس"، أو المدارس الحكومية لأطفال الموظفين الفدراليين في الهند. كما يُسمح للأولاد من طائفة السيخ بارتداء العمائم إذا تطابق لونها مع زيهم الرسمي.

تقول عائشة حجيرة الماس (18 عاما)، وهي صديقة مقرّبة لأسادي وإحدى الطالبات الخمس اللواتي تقدمن بالتماس إلى المحكمة العليا، إنها تعرضت هي وصديقاتها لسيل من التهديدات الهاتفية والإساءات عبر الإنترنت، التي تصفهن بأنهن إرهابيات ومن الأفضل لهن الذهاب إلى باكستان. وقالت إن الضغينة حول حظر الحجاب قد جعلت صديقاتها الهندوسيات السابقات ينقلبن ضدها.

تعيش أسادي مع والديها و3 من أشقائها في منزل يتكون من غرفتي نوم في قرية على مشارف يودوبي، مع طرق ترابية ضيقة تصطف على جانبيها أشجار جوز الهند. تقول والدة أسادي إن والدها -وهو المعيل الوحيد للأسرة- يعمل 15 ساعة في اليوم في قيادة عربة آلية في المدينة، ولا تستطيع الأسرة تحمل نفقات المدارس الخاصة التي تسمح بارتداء الحجاب في الصف.

تقول أسادي إنها تشعر بالأمان والثقة عند ارتداء الحجاب، وإنها تريد ألا يركز الناس فقط على الحجاب، بل على شخصية الفتاة التي وراءه، وهي تؤكد "الحجاب هو هويتي. أريد أن يرى الجميع أنني فتاة محجبة ولدي شخصيتي وأحلامي الخاصة".

المصدر : وول ستريت جورنال