لوبوان: هل الاتحاد الأوروبي مغرم بالإخوان المسلمين أكثر من اللازم؟

روجير: الجماعات الإسلامية تصنف حسب مدى رفضها التمييز بين الإسلام كدين والإسلام كثقافة والإسلام كإيديولوجيا، وكذلك مدى الحرص على إخضاع الفضاء الاجتماعي وحتى الفضاء السياسي لنظام معين من القواعد الدينية.

مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل (رويترز)

قد تكون عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل هي أفضل مكان لكل من لديه قضية يدافع عنها، ففيها عدد لا يحصى من جماعات الضغط المتخفية في هيئة مراكز أبحاث، وشركات استشارية تحمل أسماء غامضة، ومنظمات غير حكومية غير محددة المعالم، فلا عجب إذن في أن نلتقي في عاصمة النفوذ هذه مع الإخوان المسلمين، فهم مثل معظم الجماعات الدينية، يعملون في بروكسل لتعزيز رؤيتهم للعالم وتحقيق "أجندتهم"، كما يقول المتخصصون في هذا الشأن.

تقول مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية -في تحقيق بقلم كليمان بيترو- إنه لا حاجة للبحث عن معارض أو لافتات لاكتشاف وجود جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928، بل يكفي تتبع الأسماء الموجودة في علب البريد أو حول الواجهات العادية أو الأسماء المتكررة في النظم الداخلية للجمعيات، أو البيانات الصحفية التي تتقاطر في الأخبار.

وأوضح الكاتب أن جماعة الإخوان تنظم نفوذها في بروكسل وتحاول خدمة قضيتها ورؤيتها الإصلاحية والأصولية للإسلام الأوروبي، من خلال مجموعة من الهياكل، تعطي الانطباع بأنها نابعة من المجتمع المدني، وتقدم من خلالها المواضيع المفضلة لدى الجماعة بنجاح، إلى موظفي الخدمة المدنية والبرلمانيين الأوروبيين، ليتم قبول التنظيمات الإخوانية من قبل المؤسسات، إن لم تكن ممولة في إطار المشاريع الأوروبية.

52 مليون يورو

وقال الكاتب إن الأرقام تبدو مذهلة، بحيث يكشف النظام الصارم للشفافية المالية لدى المفوضية الأوروبية، أن الجمعيات التابعة لجماعة الإخوان أو تلك التي تدور في فلكهم من قريب، قد خصص لها أكثر من 52 مليون يورو من الأموال العامة بشكل مباشر أو غير مباشر بين عامي 2007 و2020.

والمشكلة -كما يرى لورنزو فيدينو مدير برنامج البحث حول التطرف في جامعة جورج واشنطن- ليست المبالغ الممنوحة من قبل أوروبا للجماعة، لأن الإخوان لا يحتاجون إليها أصلا، بل المشكلة هي اعتراف المؤسسات الضمني الكامن وراء هذه المخصصات المالية.

وتساءل الكاتب هل الإخوان المسلمون يعملون كجماعة ضغط في بروكسل؟ مشيرا إلى أن عبارة "جماعة ضغط" توحي بشيء قوي ومنظم للغاية، وهذا ليس هو الحال في الواقع، فهم بالأحرى "مجموعة صغيرة من النشطاء تنتهز سانحة الفرص"، كما يقول العضو السابق في جماعتهم، البلجيكي ميكائيل بريفو، مؤلف كتاب "عندما كنت أخا مسلما".

وإذا كان من النادر أن يعترف الإخوان المسلمون بالانتماء إلى جماعتهم، "فإن الكل يعرف من ينتمي لها ومن لا ينتمي"، كما يقول بريفو الذي فاجأه أن ضباط الشرطة والباحثين والصحفيين يعرفون أسماء الأعضاء.

و"هذه السرية في رأيي تأتي بنتائج عكسية"، كما يرى هذا العضو السابق بعد 10 سنوات من مغادرته جماعة الإخوان المسلمين هربا مما يسميه "ضجيج الخلفية المجتمعية، والتخيل المقيِّد الذي يحبس المسلمين في داخلهم"، مع أن الممارسة الدينية الصارمة، كما تدافع عنها جماعة الإخوان المسلمين، ليست خطيرة بالنسبة له في حد ذاتها.

قرية بوتيمكين

الجماعة راسخة في بلجيكا -كما يقول الكاتب- إذ حددت المخابرات البلجيكية حوالي 40 جمعية تنتمي إلى هذه الحركة، تعمل في مجالات مختلفة، اجتماعية وتعليمية ودينية وإنسانية ومدنية، ويديرها غالبا شباب مؤهلون ومتعددو اللغات، ولا يتصرفون أبدا بعيدا عن المديرين التنفيذيين المحليين أو الوطنيين أو الأوروبيين، وبالتالي فإن بضع مئات من الأفراد يشكلون الموظفين النشطين لهذه الشبكة من الاتحادات البلجيكية الأوروبية، وهم يتبادلون بانتظام المواقع ويخلقون باستمرار هياكل جديدة.

ويضيف الكاتب أن من بين جمعيات الإخوان "العضوية"، هناك اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE) الذي يشرف على عشرات الجمعيات المنتسبة إلى الإخوان في أوروبا، وهناك المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة (EFOMW)، الذي يعتبر الفرع النسائي لشبكات الإخوان، إضافة إلى المنتدى النشط جدا للمنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية (FEMYSO)، الذي ينشر بانتظام صورًا لمشاركته في الاجتماعات بمقر البرلمان الأوروبي أو في المفوضية.

 

رؤية حديثة

ومع أن جماعة الإخوان المسلمين تأسست عام 1928 على يد حسن البنا (جد طارق رمضان)، فإنها تتمتع برؤية حديثة للممارسة السياسية، "فهم يعرفون الصحافة، ويعرفون استخدام منظمات وسيطة كحركات الشباب والنوادي الرياضية والحركات النسائية وحتى النقابات، ولديهم إستراتيجية حقيقية. إنهم مفكرون ومثقفون، وليس بين صفوفهم جهادي واحد"، كما يقول أوليفييه روا، الأستاذ في معهد الجامعة الأوروبية بقرب فلورانسا، في جلسة استماع أمام لجنة مجلس الشيوخ بشأن التطرف الإسلامي، في يناير/كانون الثاني 2020.

ويقول جورج دالمان، عضو البرلمان البلجيكي والمتخصص في القضايا الأمنية، إن "المفوضية الأوروبية تمول جمعيات تقلق أجهزة المخابرات لدينا"، وهو يرى أن "عنف النقاشات والانقسامات السياسية التي نشهدها اليوم هو جزئيا من عمل الإخوان المسلمين"، كما يعتقد أن الخلافات المستمرة التي تثير غضب المجتمعين البلجيكي والفرنسي، قامت بها بعض المنظمات التي تسعى، رغم المظاهر والخطاب، إلى دفع أجندة انفصالية أكثر مما هي وحدوية.

في بروكسل -تضيف الصحيفة- يمكننا قياس عمل هذه الجماعات التي تصنف على أنها إسلامية، حسب التعريف الذي قدمه المتخصص برنارد روجير، على أساس "رفض التمييز بين الإسلام كدين والإسلام كثقافة والإسلام كإيديولوجيا، وكذلك الحرص على إخضاع الفضاء الاجتماعي وحتى الفضاء السياسي، لنظام معين من القواعد الدينية، تروج له وتفسره مجموعات متخصصة.

وقد أدى قرب جماعة الإخوان المسلمين من معظم الأنظمة المؤسسية إلى قيام أجهزة المخابرات البلجيكية بإرسال إشارات على أنهم يراقبون بعناية الديناميكيات السياسية والدينية للإخوان المسلمين في البلاد، وفي هذا السياق قد ينشر تقرير كتبته أجهزة المخابرات البلجيكية قريبا، كما يقول الكاتب.

وختم التقرير بتعريف موجز لأهم الجمعيات التابعة للإخوان المسلمين العاملة في أوروبا -حسب رأيه- وقدم أسماءها واختصاصها ومكان عملها ومجاله.

المصدر : لوبوان