ناشونال إنترست: 7 مفاهيم خاطئة قاتلة عن الردع النووي

الغواصة الحربية الأميركية "يو إس إس ألاباما" (USS Alabama) خلال العودة إلى قاعدتها بواشنطن (رويترز)

قال خبيران دوليان في الشؤون الدفاعية والجيوإستراتيجية إن سياسة الردع النووي الأميركية، بمفهومها الواسع، ظلت دون تغيير فعلي منذ عهد الرئيس جون كينيدي.

ففي مقال مشترك بمجلة "ناشونال إنترست" (National Interest)، كتب بيتر هويسي -مدير شركة "جيوستراتيجيك أنالايسيز" (Geo-Strategic Analysis) للاستشارات الدفاعية- وفرانكلين ميلر -المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والمدير الحالي في "مجموعة سكاوكروفت  (Scowcroft Group)"- أن الشخص العادي سيسمع في أثناء النقاش عن سياسة الردع النووي الأميركية كثيرا من المفاهيم الخاطئة -بشأن تلك السياسة- التي تُقدَم في صورة "إقرار بحقيقة واقعة".

لكن تلك المفاهيم ليست حقائق، بل هي مجرد عبارات "مجازية أيديولوجية"، كما يصفها الخبيران اللذان يستطردان بالقول إن هناك 7 مفاهيم خاطئة تطغى على ساحات النقاش بشأن الأسلحة النووية جديرة بالاستقصاء:

سياسات متماثلة

أول تلك المفاهيم أن السياسات النووية للدول متماثلة، وأن ليس هناك فرق في السياسات التي تقرها الولايات المتحدة وتلك التي تنتهجها روسيا والصين، وأن ثمة "تكافؤا أخلاقيا" بين السياسات الثلاث.

فالأمر الذي يردع الرئيس الأميركي جو بايدن هو ذاته الذي يثني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الصيني شي جين بينغ، أو حتى الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بحسب فرانكلين ميلر وبيتر هويسي.

حسنا –يقول كاتبا المقال- إذا ظن أحد أن لا اختلاف بين السياسة الدفاعية وتلك الهجومية، فقد يكون ذلك صحيحا بالنسبة لهم، لكن هناك اختلاف هائل في واقع الحال.

فسياسة الردع النووي الأميركية، بمفهومها الواسع، لم يطرأ عليها تغيير فعليٌ منذ سنوات الرئيس كينيدي. ويزعم الخبيران الدوليان -في مقالهما- أن الأسلحة النووية الأميركية تفيد في ردع أي هجمات نووية على الولايات المتحدة وحلفائها. كما أنها تصلح -بوصفها خيارا أخيرا- في منع "هجمات إستراتيجية غير نووية كبيرة".

وتسعى الولايات المتحدة عبر سياساتها وبرامجها تلك إلى أن تُظهر لقادة الجهات المعتدية المحتملة أنه لن يكون هناك فائز في أي حرب نووية، وأن أي عمل من أعمال العدوان المسلح عليها أو على حلفائها قد ينذر بتفاقمه إلى حرب نووية، ومن ثم تَعرُض الدولة المعتدية للدمار والهلاك.

وفي المقابل، فقد تطورت الإستراتيجية النووية الروسية خلال العقد ونصف العقد الماضي، بحيث أصبحت تسعى جاهدة إلى تهديد وترهيب جيران موسكو، الذين يتصادف أن يكون العديد منهم حلفاءً للولايات المتحدة.

أما إستراتيجية الصين النووية فيكتنفها الغموض على الدوام، إلا أن هناك معلومات استخبارية "قوية" تفيد بأن بكين تدرس نموذج السياسة الروسية لاقتباسه.

مفهوم رد الفعل

وثاني المفاهيم الخاطئة، ذلك الذي يرى أن أيًا ما تعكف روسيا والصين على تطويره ونشره من تلك الأسلحة إنما هو محض رد فعل على ما أقدمت الولايات المتحدة على بنائه ونشره أولا.

وسيكون من اليسير تفنيد هذا المفهوم الخاطئ، فبنظرة خاطفة للعقدين الماضيين سرعان ما يتبين أن روسيا والصين شرعتا في تحديث وتوسيع قوتيهما النوويتين حوالي عام 2010 حينما كانت الولايات المتحدة تتحدث فقط عن الحكمة من تحديث قوتها النووية "العتيقة".

والآن بعد 11 عاما تقريبا، نشرت كل من روسيا والصين صواريخ باليستية حديثة عابرة للقارات، وصواريخ باليستية تنطلق من الغواصات، وأسلحة نووية تشن من الجو وقاذفات نووية، وأسلحة إستراتيجية نووية جديدة.

وفي أثناء ذلك، بدأت الولايات المتحدة في بناء منظومات جديدة، إلا أن أيا منها لن يُنشر قبل منتصف العقد الحالي على أقل تقدير.

الردع النووي

وثالث تلك المفاهيم الخاطئة هو أن الاستثمار في تحديث القوات التقليدية الأميركية أجدى بكثير من الاستثمار في القوات النووية.

على أن هذه الحجة تُعزى إلى العديد من عوامل الخلاف؛ فهي أولا تتجاهل الحقيقة الأساسية ألا وهي أن قوات الردع النووي الأميركية تشكل خلفية تستند عليها الولايات المتحدة في كل تفاعلاتها مع روسيا والصين.

فعندما ما يفكر أي من الزعيمين الروسي والصيني في شن عدوان مسلح على الولايات المتحدة أو حلفائها، فعليه أن يضع في حسبانه أن اعتداءً من هذا القبيل ربما يتفاقم إلى حد استعمال السلاح النووي، مما قد يؤدي إلى القضاء على النظام الحاكم، بل والدولة نفسها التي يحرصان على حمايتها والتحكم فيها.

والعامل الثاني هو أن جميع القدرات التقليدية، وكل الخطط الأخرى، تقوم على افتراض أن الردع الإستراتيجي النووي صامد ومنيع. فإذا أخفق الردع النووي فعندئذ لن تتمكن قوة تقليدية من العمل كما هو مخطط لها وقد لا تعمل على الإطلاق.

الثالوث الإستراتيجي النووي

والمفهوم الخاطئ الرابع هو أننا لم نعد بحاجة إلى الثالوث الإستراتيجي النووي، وهو مصطلح عسكري يعني القاذفات الإستراتيجية والصواريخ الباليستية والغواصات النووية.

ويأتي الصاروخ المضلَّل في عدة أشكال، أولها أن هناك ادعاءً بأن الغواصة والقاذفة في الثالوث الإستراتيجي النووي كافية للردع. والحقيقة هي أن قاذفة الثالوث النووي ليست على أهبة الاستعداد في الوقت الحالي، لكن يمكن استدعاؤها للقيام بذلك.

وإلى أن يحين موعد استبدال منظومة صواريخ كروز العتيقة التي تطلق من الجو بأسلحة مواجهة بعيدة المدى، فإن قوتها الرادعة تتقادم.

الاستنفار

أما المفهوم الخامس الخاطئ فهو أن الصواريخ الباليستية الأميركية العابرة للقارات موضوعة في حالة استنفار قصوى، وأنها أكثر خطورة على الولايات المتحدة من خطرها على أعدائها.

ولعل هذا المفهوم يأتي عادة من اعتقاد زائف. فعلى سبيل المثال قد ينطلق إنذار كاذب مما يجعل الرئيس بدوره يصدر أوامره بتوجيه ضربة نووية. وقد تعرضت الولايات المتحدة لتجربتين زائفتين من هذا النوع، إحداهما بسبب تعطل رقاقة إلكترونية، والثانية جراء خطأ بشري. وكلتا الحادثتين وقعتا في عامي 1979 و1980.

ومنذ ذلك الحين لم ينطلق إنذار كاذب، ولا يتوقع أن تمر الولايات المتحدة بمثل هذه التجربة مرة أخرى نظرا للتحسينات التي أدخلت مؤخرا على أنظمة التحذير.

تحديث الغواصات

وسادس تلك المفاهيم الخاطئة أنه يمكن إجراء التحديث المطلوب على قوة الردع الأميركي المنطلق من البحار عبر بناء ما لا يقل عن 12 غواصة صواريخ باليستية جديدة من طراز كولومبيا فقط.

بيد أن التركيز على هذا النوع من الغواصات، رغم ضرورتها، يتجاهل حقيقة أن منظومة صواريخ "ترايدنت" الباليستية بحاجة هي الأخرى إلى تحديث واستبدال في نهاية المطاف.

سياسة منع الحرب

ويستند سابع المفاهيم الخاطئة على اعتقاد سائد بأن الولايات المتحدة تؤمن بخوض حرب نووية. ويعد هذا الاعتقاد من قبيل تلك الأفكار الزائفة التي ظلت الدوائر المنادية بنزع الأسلحة النووية تروج لها طيلة عقود.

وتشير تلك الدوائر في ادعائها إلى أن واشنطن ظلت لعشرات السنوات تعمل على تطوير "خيارات محدودة" في حال فشل قوتها الرادعة. وما من صانع سياسة أميركي جاد في التاريخ الحديث كان يؤمن بأن أي حرب نووية يمكن السيطرة عليها.

ومما لا شك فيه أن خطر استخدام عدد قليل من الأسلحة النووية، التي قد تتطور إلى حرب شاملة مدمرة للحضارة الإنسانية، يعد من أمضى الروادع لأي زعيم يفكر في شن عدوان نووي أو تقليدي على أميركا أو حلفائها.

إن بيت القصيد في السياسة النووية للولايات المتحدة يكمن في منع نشوب حرب بين القوى الكبرى، وإن محدودية خيارات واشنطن تعزز الغاية من هذه السياسة بطريقتين:

الأولى، بالنظر إلى أن قادة الأعداء المحتملين يمتلكون خيارات نووية متعددة، فمن الضروري أن تحتفظ الولايات المتحدة بمجموعة مرنة من الخيارات؛ حتى يدرك أولئك القادة أن أميركا لديها قدرة موثوق بها للتصدي لأي سلاح يطورونه ومن ثم منعهم من اللجوء إلى مثل تلك الخيارات.

والثانية، أنه في حال فشل الردع النووي مبدئيا، فسيكون من واجب الرئيس الأميركي العمل على الحد من مقدار العنف والدمار ليكون عند أدنى مستوى ممكن.

المصدر : ناشونال إنترست