"طريق العودة" من بيروت.. هكذا تفاعل اللبنانيون والفلسطينيون مع العدوان الإسرائيلي على أرضهم؟

متظاهرون في جنوب لبنان يحاولون تجاوز الجدار الفاصل نحو الأراضي الفلسطينية (مواقع التواصل الاجتماعي)

لا صوت يعلو في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شمالي لبنان على صوت البثّ المباشر من قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، ومختلف البلدات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، التي يتعرض أبناؤها لأعنف عدوان إسرائيلي منذ نحو أسبوعين.

وداخل هذا المخيم، الذي لم تُمحَ منه آثار دمار خلفته المواجهات العنيفة منتصف 2007 بين الجيش اللبناني ومجموعة فتح الإسلام وأدت لتشريد نحو 27 ألف لاجئ فلسطيني، يتقلب اللاجئون إثر متابعة الأحداث الدامية في وطنهم الأم، بين الانكسار والأسى مع ارتفاع عداد الشهداء والجرحى، وبين الشعور بالغلبة والفخر مع رد فصائل المقاومة الفلسطينية بإطلاق عشرات الصواريخ على المدن والمواقع العسكرية الإسرائيلية.

أطفال داخل مخيم نهر البارد يتفاعلون مع الأحداث في فلسطين على طريقتهم (الجزيرة)

داخل المخيم

يجلس الفلسطينيان حاتم الأسدي (66 عاما) وقاسم عبد الرحيم (70 عاما)، عند رصيف في مخيم نهر البارد، ويتبادلان أطراف الحديث عن تجدد أملهم بالنصر والعودة، بعد عقود من الخيبة والاستسلام، وفق تعبيرهما.

والأسدي الذي يعود أصل أجداده إلى قضاء عكا، وُلد في مخيم عين الحلوة جنوب البلاد، ثم لجأ إلى مخيم نهر البارد، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

ورغم معاصرته لحروب عدّة، يصف ما تشهده فلسطين المحتلة مؤخرًا بجرائم الحرب، "لكننا نريد قساوتها لضرورتها، لأنّ عدونا غاصب وينكر وجودنا، ولا بد من مقارعته بالدم والتضحيات".

يدرك الأسدي أن "المعارك العسكرية تثبّت حقّ الفلسطينيين"، ويعبّر عن خشيته للجزيرة نت أن تُصاغ "المفاوضات السياسية لاحقًا على حساب قضيتنا بحجة وقف إطلاق النار".

يوافقه رفيقه عبد الرحيم، ويتحدث عن قلقه على شعب مظلوم ومُنتهك في أرضه، ومتروك في بلاد اللجوء من دون سند، "لكننا نؤمن بأن تحرير فلسطين والعودة إليها يتحققان فقط بسواعد شبابها الذين أثبتوا جرأة لا نظير لها".

على بُعد مئات الأمتار منهما، تشارك الفلسطينية خنساء غنومي (47 عاما) -وهي مسؤولة مكتب المرأة في حركة الانتفاضة الفلسطينية في مخيم نهر البارد- في تنسيق الاحتجاجات والمسيرات الداعمة لفلسطين داخل المخيم، وتعبّر عن فخرها بتوجه عدد كبير من الباصات التي نقلت لاجئي المخيم للمشاركة في التحركات عند الحدود الفاصلة بين فلسطين المحتلة وجنوب لبنان.

لكن غنومي تمسح دموعا عن وجهها وهي تتابع أخبار أهالي حي الشيخ جراح وقطاع غزة، من قصف للمباني السكنية وارتكاب أشنع المجازر الدموية، و"كأننا نتعرض عبر التاريخ لعملية تطهير عرقي ممنهج لطرد ما بقي منّا في فلسطين، عبر سحل أو قتل المدنيين أطفالا ونساء ورجالا".

وترى السيدة خنساء أن المخيمات هي عنوان العودة إلى بلدهم، وقالت للجزيرة نت إنها تشعر بصبر الأمهات اللواتي يقدمن أولادهن شهداء فداء لأرضهم، وتتمنى لو تخترق مع ابنها الوحيد وبناتها الثلاث سياج الحدود للقتال إلى جانبهم.

شبان فلسطينيون يتسلقون الجدار الفاصل بين جنوب لبنان والأراضي الفلسطينية (رويترز)

الدم بالدم

في مكان آخر، لا يهدأ هاتف مسؤول حركة حماس في مخيم نهر البارد عبد الرحمن الشريف من إجراء الاتصالات مع الداخل الفلسطيني، ومختلف الفصائل في المخيمات بلبنان، لتنسيق تحركاتهم عبر غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية.

وأولوية الفصائل خارج فلسطين، هي تحريك الشعوب العربية والعالم ضدّ العدوان الإسرائيلي السافر، وفق تعبيره، "لأنها قضية وجود وحق، لكل العرب، مسلمين ومسيحيين".

والمفارقة في المعركة الأخيرة، بحسب حديث الشريف للجزيرة نت، أن فصائل المقاومة أرست قواعد جديدة قائمة على معادلة "الدم بالدم والهدم بالهدم"، بعد أن "تجاوزنا مفهوم الرد بالوقت والزمان المناسبين، لأن كل الأزمنة والأمكنة صارت مناسبة لكل اعتداء نتعرض له".

وقال الشريف إن المقاومة الفلسطينية تجاوزت منطق "رد الفعل"، وأصبحت نديّة في المعادلة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإن "ذكرى النكبة هذا العام تسطّر عهدًا جديدًا في مخاض التحرير والعودة، ولو بعد حين، بدل البكاء على الأطلال".

ويشير الشريف إلى أن فصائل المقاومة راكمت قوتها على مدار 7 سنوات خلت (من 2014)، وهو ما سمح أن تطال صواريخها أهدافا على بعد 250 كيلومترا، "دفعت الإسرائيليين للاختباء في الملاجئ"، مؤكدا أن "الآتي سيفاجئ العدو بما هو أعظم".

شبان يلقون زجاجات حارقة من جنوب لبنان تجاه شمال فلسطين (الأوروبية)

لبنان يتفاعل

وواقع الحال، تتصدر الأحداث الفلسطينية اهتمام اللبنانيين، رغم غرق بلادهم بأزمات غير مسبوقة تاريخيًا، وهي تشهد تفاعلا واسع النطاق على منصات التواصل الاجتماعي تنديدا بالجرائم الإنسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين.

أما ميدانيا، فقد شهد لبنان على مدار 3 أيام خلت مسيرات ضمت لبنانيين وفلسطينيين عند الحدود الجنوبية الفاصلة مع فلسطين المحتلة، وسط إجراءات مكثفة للجيش اللبناني في القرى الحدودية، وانتشار واسع لقوات اليونيفيل العاملة جنوب لبنان.

وقد عمد بعض المتظاهرين إلى تجاوز السياج الأمني، وصعدوا على الجدار الحدودي الإسمنتي، وحطموا كاميرات المراقبة ونصبوا الأعلام الحزبية والفلسطينية. وأسفرت هذه التحركات عن سقوط الشاب اللبناني محمد طحان شهيدا (يوم الجمعة)، وعدد من الجرحى، بعد أن رشق جنود إسرائيليون المحتجين بالرصاص المطاطي، كما أطلقوا القنابل الدخانية والمضيئة في محيط المكان.

وهنا، يشير الفلسطيني أحمد وهبي (34 عاما)، وهو من مخيم عين الحلوة جنوب لبنان وشارك في المسيرات عند الحدود، إلى أن "المتظاهرين من اللبنانيين والفلسطينيين كانوا يرغبون بخرق السياج الفاصل لدخول الأراضي الفلسطينية لولا عنف الجنود الإسرائيليين"، وأكد للجزيرة نت أن هذه التحركات ستبقى مستمرة، رغم كل العوائق، "لأن الهدف هو نصرة أهلنا في الداخل الفلسطيني مهما كلف الثمن".

من مسيرات في العباسية جنوب لبنان عند الحدود الفاصلة مع فلسطين المحتلة (الجزيرة)

جرأة الشباب

ويوجد في لبنان 12 مخيما للاجئين الفلسطينيين من الشمال حتى الجنوب، وتشهد على تفاعل مع الأحداث الفلسطينية، سواء برفع الأعلام وصور الشهداء وشعارات حق العودة أو بتنظيم المسيرات والوقفات الاحتجاجية.

وبحسب آخر إحصاء رسمي للسلطتين اللبنانية والفلسطينية (2017) -من خلال لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني- تضم هذه المخيمات نحو 174 ألف لاجئ؛ إلى جانب نحو 27 ألف لاجئ فلسطيني هجروا من مخيماتهم في سوريا إلى لبنان منذ 2011، وفق أرقام وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

وفي السياق، تقول الفلسطينية زهور عكاوي، وهي عاملة اجتماعية في مؤسسة بيت أطفال الصمود، في مخيم شاتيلا جنوب بيروت، إن وتيرة التفاعل مع المعارك الدامية في الداخل الفلسطيني تتصاعد داخل المخيمات على وقع ارتفاع حدّة المعارك في فلسطين.

وأضافت للجزيرة نت أن "الشباب الصغار هم المحركون الأساسيون لمختلف الحركات الاحتجاجية، وقد أثبتوا أن قضيتهم لا تموت مع تعاقب الأجيال، وإنما يتوارثونها بوعي أكبر لحقهم، لأن تطور الإعلام الرقمي يفضح جرائم العدو أمامهم، وهو يدفع إسرائيل لمحاولة حجب الصورة بأي ثمن".

المصدر : الجزيرة