مقال في فورين بوليسي: العقوبات الأميركية تقتل السوريين الأبرياء

معاناة النازحين السوريين جراء القصف المتواصل
معاناة النازحين السوريين جراء القصف المتواصل (الجزيرة)

في مقال بمجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) كتب حسن عبدالله إسميك أن "العقوبات الأميركية تقتل السوريين الأبرياء"، قائلا إن قانون قيصر الذي أصدرته الولايات المتحدة لن يضر الأسد ولكنه يضر المدنيين.

ويحكي إسميك، وهو رجل أعمال أردني وكاتب له أعمدة في الصحافة العربية، أن صديقا له وجد ميتا في سريره هذا الشتاء لأنه لم يجد ما يدفئه، وعلق بأن العقوبات الأميركية تؤذي الناس العاديين بدلا من حكومة بشار الأسد، ولا تصل إليهم الكهرباء إلا لساعة فقط أو أقل في اليوم.

وتابع أن أحد أقربائه في دمشق اتصل به الشهر الماضي وطلب منه مساعدة طفل سوري، عمره عامان، تستخدم أسرته موقد الكاز القديم للطهي وليست لديهم غلاية لتسخين الماء للاستحمام لأن ترشيد الكهرباء في سوريا بلغ أعلى مستوى له بسبب عجز الحكومة عن تأمين الوقود المطلوب لتوليد الكهرباء نتيجة للعقوبات الدولية.

ومثل أي طفل في عمره كان محمد يلعب مع إخوته في بيت مظلم لا تزيد مساحته على 90 مترا فسقط في حوض مليء بالماء الحار كانت أمه سخنته على الموقد وتركته للحظة لبعض شؤون المنزل، ولكن في ظلمة البيت لم ير محمد الحوض فكانت المأساة وسمعت أمه صراخه فهرولت إليه وسارع إليه أباه على مقعده المتنقل بسبب إصابته في رجله من الحرب، وسارعا به إلى مستشفى المجتهد الحكومي في دمشق وهو ينزف من الحروق التي أكلت جلده وازدادت حالته سوءا فاحتاج إلى نقل دم.

قانون قيصر لم يجلب العدالة وبدلا من ذلك جلب الجوع والظلام والطاعون والبؤس والسرقة والاختطاف وتدمير أمة.

وهناك وقف الأطباء حائرين أمام حروقه ومعاناته، وكان الدم ملوثا فكان لزاما أن ينقل فورا إلى مستشفى خاص ولكن أنّى لهم المال لفاتورة العلاج هناك ووالده يبيع الطماطم على عربة يد.

وأشار الكاتب إلى أن قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 سوّق له باعتباره فوزا لقوى العدالة ضد حكومة وحشية. ولكن القانون لم يجلب العدالة وبدلا من ذلك جلب الجوع والظلام والطاعون والبؤس والسرقة والاختطاف وتدمير أمة.

وقال إن المساعدات الدولية لم تعد تصل إلى سوريا بالقدر الذي كانت عليه في السابق، لأن العديد من الوكالات تخشى من الوقوع في خطأ قانون قيصر.

الوحل والفقر يفاقمان معاناة النازحين السوريين على الحدود التركية
الوحل والفقر يفاقمان معاناة النازحين السوريين على الحدود التركية (الجزيرة)

وعلق بأن الأمر ليس عن الأسد، فكما أننا لا نختار مكان الولادة، فإن السوريين لم يختاروا حكومتهم. وفي مواجهة العقوبات سيعتمد الأسد على الدعم الإيراني، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من الضرر لسوريا مع استمرار معاناة المواطنين العاديين.

وتابع الكاتب في شرح تفاصيل المعاناة التي لقيها الطفل محمد في سوريا إلى أن تمكن من إحضاره إلى مستشفى في بيروت حتى بلغت فاتورة العلاج 100 ألف دولار ومع ذلك لم يستطع الطفل مقاومة المعاناة إلى أن توقف قلبه في النهاية من تفشي العدوى. وأردف بأنه لن يكون آخر طفل سوري يموت نتيجة الحرمان الذي سببته العقوبات.

يجب رفع العقوبات الأميركية غير المجدية ومنح السوريين فرصة جديدة في الحياة وإعادة بناء ما دمرته سياسات القوة القبيحة

وحول الإطاحة بالأسد، يرى الكاتب أن إستراتيجية الولايات المتحدة لدفع السوريين لإسقاطه لم ولن تنفع، وبإلقاء نظرة عبر الحدود نجد إيران الآن تسيطر على معظم العراق ولبنان.

وتساءل مستنكرا: هل تريد واشنطن خلق فراغ في سوريا حيث يعيد وكلاء تركيا أو إيران الحرب الأهلية، مما يجعل إيران أقرب إلى مواجهة إسرائيل مباشرة؟

وعلق بأن تغيير النظام لم ينجح في سوريا، ويجب ألا تؤدي شكاوى الغرب من الأسد إلى عقاب جماعي لأمة بأكملها. وأضاف أن أسرة محمد هي واحدة فقط من بين ملايين الأسر الذين لديهم آباء مصابون ومعوقون.

وأضاف إسميك أن هذا النهج الساذج للسياسة يفشل في فهم واقع الشرق الأوسط أو إظهار الاهتمام بحياة الأطفال العاديين مثل محمد. ومع ذلك جددت بريطانيا وفرنسا وألمانيا عقوباتها بدلا من إدراك أنها لا تجدي نفعا. وهذا هو تعريف الجنون الذي يُنسب غالبا إلى ألبرت أينشتاين: "فعل الشيء نفسه مرارا وتكرارا وتوقع نتائج مختلفة".

واختتم إسميك مقاله بأن الرئيس الأميركي جو بايدن عايش تجربة فقدان اثنين من أبنائه وهو الوحيد الذي يمكن أن يقدر حزن الآباء السوريين، ولذا يجب عليه رفع العقوبات الأميركية غير المجدية ومنح السوريين فرصة جديدة في الحياة، لإعادة بناء ما دمرته سياسات القوة القبيحة.

المصدر : فورين بوليسي