لوبس: الأسد سلالة الرعب.. لماذا أصبحت سوريا في حالة خراب؟

الوثائقي يستخلص أن من يتتبع قصة سلالة الأسد التي حكمت سوريا 50 عاما، سيعرف لماذا أصبحت سوريا في حالة خراب اليوم.

A girl holds a poster during a demonstration against the government of Syria's President Bashar al-Assad outside the Syrian embassy in London May 7, 2011.
طفلة سورية تحمل لافتة أمام سفارة بلادها بلندن في بداية الثورة وقد كتب عليها "توقف عن القتل يا بشار" (رويترز)

بالعودة إلى أرشيف استثنائي، استطاع المخرج البريطاني نيك غرين، بمسلسل وثائقي، إظهار قصة تطور بشار الأسد؛ ذلك الفتى الذي لا يشعر بالثقة والذي لم يكن متوقعا له الوصول إلى السلطة، ليصبح قاتلا جماعيا.

وتستعرض مجلة "لوبس" (L’Obs) الفرنسية هذا الفيلم الوثائقي المكون من 3 أجزاء، وتقول إنه يظهر أن من يتتبع قصة سلالة الأسد التي حكمت سوريا 50 عاما، سيعرف لماذا أصبحت سوريا في حالة خراب اليوم.

وفي هذا الفيلم الذي تم إنتاجه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، تقول محررة التقرير سارة دانييل، إن جزأه الثالث بعنوان "ماذا بقي له من الإنسانية؟" يبدأ بمقابلة مع الطبيب السوري زاهر سحلول الذي التحق بكلية الطب في لندن مع الرئيس السوري بشار الأسد وكان يعرفه جيدا، وهو يقول فيها "هذا مثير للسخرية. كنا زملاء واليوم أحدنا يقصف المستشفيات والآخر يعالج ضحايا القصف".

وترى المجلة الفرنسية أن المفارقة المثيرة أن هذا الشاب كان خجولا إلى درجة أنه يطأطئ عندما يخاطبه أي إنسان، وأخرق إلى درجة أنه يكاد تفلت منه الأوراق التي كان يقرأ فيها أثناء جنازة شقيقه، كما أنه لم يكن في نظر والده حافظ يعوّل عليه ليكون رئيسا، فكيف أصبح هذا الأخرق الزائف الذي لا يوثق به، بعد أن كان يريد أن يصبح طبيب عيون، طاغية على يديه دماء ما يقارب نصف مليون سوري؟

سوء تقدير ملازم

وتضيف لوبس أنه عند وفاة باسل شقيق بشار الأسد في حادث سيارة عام 1994، كان أول سؤال طرحه حافظ الأسد على نفسه "هل هذا انقلاب؟"، لأن باسل كان هو من يرى فيه استمرارية الخلافة، وهو من أُعدّ منذ سن مبكرة لتولّي المنصب بعده، فقد كان طاغية بالفطرة ورث غطرسة أبيه وقسوته، وكان يحب الأسلحة والسيارات والخيول، ولم يتردد في إلقاء أحد رفاقه في السجن عندما هزمه في مسابقة خيول، لكن شغفه بسيارات السباق أودى به في النهاية.

ومع أن أخت بشار كانت أقرب إلى مستوى قسوة الأب، فإن كونها أنثى جعل حافظ الأسد يكتفي بطبيب العيون، خاصة أن ولديه الآخرين كان أحدهما مدمن مخدرات يعاني مشكلات نفسية والآخر كان صغيرا جدا، كما تقول لوبس.

ويظهر الفيلم الوثائقي التدريب الحثيث على الدكتاتورية الذي تلقّاه بشار، في الجيش أولا، إذ تُعرض صور لا تصدق لحافظ وهو يطلب من المجندين الجدد قتل جراء الكلاب، ومن النساء أن يحطن أعناقهن بالثعابين ويقطعن رؤوسها بأسنانهن، لإظهار تصميمهم وطاعتهم العمياء للقائد.

بعد ذلك تأتي الازدواجية في السياسة، إستراتيجية الهامبرغر كما يسمونها، وهي تقوم على حسن استقبال المحاورين وإظهار قوة الصداقة، لكن دون منحهم أي تنازل، كما لو نزعت اللحوم من الساندويتش، وهي التي طبقها بشار عام 2003 عندما استقبل رؤساء الدول المشاركة في التحالف بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، فقد رفض الانضمام أخيرا أمام رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وأطلق سراح الجهاديين سرًّا من السجون السورية لينضموا إلى صفوف المقاتلين المناهضين للولايات المتحدة في العراق.

وكان في الأمر -كما تقول لوبس- سوء تقدير، إذ عبر الجهاديون بعد الثورة السورية الحدود من جديد عائدين إلى سوريا، لكن سوء التقدير الذي كاد أن يقتل بشار الأسد هو قراره إدخال سوريا في حرب أهلية لم تترك له في لحظة من اللحظات إلا أقل من 20% من الأراضي لولا التدخل الروسي الذي أنقذ نظامه.

قاتل جماعي بدم بارد

في بداية الثورة ظن بعضهم أن الأسد سيختار الإصلاح بدلا من القمع، لكن والدته حثته على اختيار صوت القسوة كما ارتكب شقيقه الأصغر ماهر الكثير من الفظائع، ويظهر الفيلم الوثائقي أنه كان على علم بكل شيء وكان هو المسؤول، حتى إن حجم جرائمه كان أكبر مما يستطيع الفيلم توثيقه.

فقد دمّر طبيب العيون الصغير النحيل الخجول أحياء بأكملها -كما يظهر الفيلم- وقتل المئات من المتظاهرين، واستخدم غاز السارين والاغتيالات الموجهة، حتى أصبح قاتلا جماعيا بدم بارد، وتجاوز بذلك الأب إلى مدى بعيد.

وتورد المجلة الفرنسية جزءا من الفيلم يتناول حالة أسماء، السيدة الأولى التي نشأت في بريطانيا والتي كان من المقرر أن تتخرج في جامعة هارفارد، لكنها فضلت الزواج بالأسد، وبدت لطيفة مهتمة بشعبها إلى درجة الانغماس في المجتمع للتعرف على هموم الشارع.

وتختتم لوبس بأن مجلة "فوغ" (Vogue) أجرت مقابلة مع أسماء وسمتها "وردة الصحراء"، إلا أن ذلك تزامن مع إضرام بائع الفاكهة التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه، لتنطلق "ثورة الياسمين" هناك، وسرعان ما انتشرت الثورة في سوريا إثر اعتقال وتعذيب أطفال درعا الذين كتبوا على جدران مدرستهم "حان دورك يا دكتور"، وعندئذ -كما تقول الكاتبة- سكت ضمير هذه المرأة المثقفة وتحولت إلى شراء الحلي الفاخرة من محالّ هارودز، كما يبدو.

المصدر : لونوفيل أوبسرفاتور