شاهدة على أهوال الحرب في سوريا: لقد غسَّلت الكثير من الأموات

الثورة لا تموت أبدا، حتى بعد موتي سيتولى الجيل القادم زمام الأمور وليس لدي شك في أن بشار الأسد سيسقط في نهاية المطاف

epa05496216 Workers dig the multi-layered graveyard of Douma city, outskirts of Damascus, Syria, 18 August 2016. The Local Council of Douma started digging multi-layered graves as a solution for the massacre that happened in August of 2015 when more than 100 Syrian were killed in airstrikes on the Rebel-held city of Douma, 60 people were buried in two mass graves in that night. The graveyard always contains at least 40 empty graves in case of mass killing. The graves contains eight stairs, and is organized to bury the unknown on top in case they were identified later.  EPA/MOHAMMED BADRA
عفراء الأحمد: بعض القتلى دفنوا من دون غسل ودُفن آخرون على شكل أشلاء (الأوروبية)

مغسلة أموات يائسة، وبستاني غاضب، ومتمرد متفائل، ورافضون للخدمة العسكرية أعياهم الاختفاء؛ هؤلاء أصناف من سكان الرقة، وهم شاهد حي على أهوال حرب عاشتها المدينة طوال العقد الماضي.

هكذا لخص الكاتبان ويلسون فاش وكلاوي شروق تقريرا أعداه من مدينة الرقة السورية، التي عاشت ويلات الحرب السورية، ولم تفق منها حتى الآن.

وبدأ الكاتبان تقريرهما بصحيفة ليبراسيون الفرنسية (Liberation) بقصة عفراء الأحمد، وهي مغسلة أموات، حيث قالا إنها كانت تداعب بأصابعها الرفيعة أبدان القتلى المتفحمة وتلك التي لم يترك بها النزيف دما، ناهيك عن العظام المهشمة والأشلاء المجمعة.

لقد رأت بأم عينيها أشخاصا يسلمون أرواحهم لبارئها مطلقين صرخة ألمهم الأخيرة، لتتعامل معهم بعد ذلك، فمهنتها منذ ما يقرب من 20 عامًا تغسيل الموتى، حسب التعاليم الإسلامية.

وتقول عفراء (50 عامًا) "لقد غسلت الكثير من القتلى في حياتي، لكن مع الحرب أصبحت الأمور أصعب"، وتضيف أنه "مع كل قصف يموت 15 أو 20 أو 30 شخصًا، صغارًا وكبارًا. لقد دمرت الحرب المدارس والمنازل، وتعرض الناس للتعذيب، ودُفن البعض من دون غسل، ودُفن آخرون على شكل أشلاء".

هذه مهنتها التي ورثتها عن والدتها التي كانت هي الأخرى مغسلة موتى قبل أن يأتي اليوم الذي ماتت فيه وغسلتها ابنتها عفراء وتتولى من ذلك الحين مشوار حياة يطبعها الماء والدم والكتان.

ولم تفت 10 سنوات من الحرب في عضد عفراء، ولا نقصت من تصميمها على أن تكون آخر من يكرم الموتى بتغسيلهم وتحنيطهم.

وهذه أيضا حال زوجها عبود، الذي يعمل هو الآخر في تغسيل الموتى، حيث يقول "ذات يوم تم استدعائي لتغسيل 17 شخصًا قتلوا في غارة جوية. ومع انتهائي منهم وصل 10 آخرون". ويعترف عبود بأن التعامل مع 27 جثة في يوم واحد مثّل صدمة له، وهنا أومأت زوجته برأسها قائلة "كنا نغسل ونبكي".

ولا تعرف عفراء ولا عبود كم عدد الجثث التي توليا تغسيلها خلال عقد من الصراع، ويؤكدان أنهما لم يرفضا قط التعامل مع أي ميت، إذ إنهما على الحياد، وعملا في ظل النظام والمعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية، والآن في ظل قوات سوريا الديمقراطية.

الثورة لا تموت

ورغم مرارة الوضع وما تمخضت عنه ثورتهم من المآسي، لا يزال بعض السوريين يرون أن الثورة مستمرة، وأنهم سيحققون هدفهم عاجلا أو آجلا، ويقول محمد فراج آل حمود "الثورة لا تموت أبدا، وحتى بعد موتي سيتولى الجيل القادم زمام الأمور. ليس لدي شك في أن بشار الأسد سيسقط في نهاية المطاف".

وينتقل الكاتبان إلى مكتب محمود هادي، الناشط المخضرم ومدير منظمة غير حكومية محلية، حيث تدل رائحة القهوة التي تسود الغرفة على نقاشات ساخنة بين الشباب، وفقا للمراسلين.

وينقلان عن هادي قوله "رغم الإخفاقات، تمكنا من كسر جدار الخوف، فمنذ أن سيطر حزب البعث على سوريا لم يعد الناس يجرؤون على الكلام أو الكتابة أو القراءة، الآن نحن نجرؤ، نحن نبتسم، لم نفقد الأمل والثورة مستمرة، الثورة ليست بالسلاح إنها بالأشخاص، والآن ها نحن نرى نشطاء في أوروبا يعملون بجد لتقديم مجرمي النظام إلى العدالة، وبعد كل هذه التضحيات يستحيل أن نعود إلى الوراء".

ويواجه الشباب في الرقة وفي المناطق التي يسيطر عليها النظام إكراههم على الخدمة العسكرية، لكن كثيرا منهم يرفضون ذلك، ويقضون حياتهم مختبئين لا يجرؤون على الخروج أو التنقل بحرية، وهو ما يقول عنه أحدهم في الرقة "إنه أمر لا يطاق".

وينقل الكاتبان عن هذا الشاب (28 عاما) قوله "أشعر بالأسى لأنني في بلدي ومع ذلك لا يمكنني التحرك بحرية. إذا استمر هذا الوضع فسأفكر في دفع أموال لمهرب من أجل الهجرة، إنني مرهق، فبعد أن عشت 10 سنوات في حالة من الرعب الدائم، ها أنا محروم حتى من مغادرة منزلي".

المصدر : ليبراسيون