المبادرة الفرنسية السعودية.. أي حظوظ لنجاحها في لبنان؟

Saudi Crown Prince, Mohammed bin Salman, receives French President Emmanuel Macron in Jeddah, Saudi Arabia
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (يمين) والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

بيروت – تلقت القوى السياسية في لبنان بحذر المبادرة الفرنسية السعودية لحل الأزمة الدبلوماسية بين بيروت والرياض، والتي أعلنت بعد لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة جدة أمس السبت، واتصالهما برئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي الذي وصف الخطوة بالمهمة نحو ترميم علاقات بلاده مع السعودية.

ورأى محللون أن جولة ماكرون الخليجية أظهرت محاولة جديدة لترسيخ موطئ قدم لباريس في المنطقة من بوابة لبنان، والمراهنة على انتزاع دعم خليجي لمبادرته الحالية بعد نحو عام ونيف على تعثر مبادرته الأولى عقب انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020.

وعبر مبادرته الجديدة يدفع ماكرون -حسب مراقبين- نحو عودة السعودية إلى لبنان سياسيا وماليا، بعد أشهر على تشكيل حكومة ميقاتي.

وجاءت المساعي بعد يوم من إعلان وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي استقالته نزولا عند طلب ماكرون وقبله ميقاتي.

بنود إشكالية

وحسب مراقبين، تضمن البيان الفرنسي السعودي اللبناني مسائل إشكالية قد تجعل "خريطة الطريق" محفوفة بالعقبات، خاصة في ما يتعلق بموقف حزب الله منها.

وارتكزت المبادرة على البنود الآتية:

  • قيام الحكومة اللبنانية بإصلاحات شاملة، ومكافحة الفساد، ومراقبة الحدود
  • الالتزام باتفاق الطائف الذي رعته الرياض عام 1989
  • حصر السلاح بمؤسسات الدولة، وتعزيز دور الجيش اللبناني حفاظا على أمن واستقرار لبنان
  • ألا يكون لبنان منطلقا لأعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدرا لتجارة المخدرات
  • الالتزام بقرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680 والقرارات الدولية ذات الصلة
  • إنشاء آلية سعودية فرنسية للمساعدة الإنسانية تخفيفا لمعاناة الشعب اللبناني

استنساخ

بدورها، تعتبر الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بومنصف أن ذكر البيان القرارات الدولية -ومنها 1559 الداعي لحل المليشيات والتنظيمات المسلحة- يجعل خريطة الطريق السعودية الفرنسية استنساخا لما طرح سابقا من المجتمع الدولي دون القدرة على تنفيذها، خصوصا المتعلقة بنفوذ حزب الله.

وقالت بومنصف إن تجاوب بن سلمان مع المبادرة "بدا مجرد مجاملة لماكرون، لأن تطبيق بنودها كاملة مرتبط بشروط صعبة، مما جعل لبنان مجرد بند للمقايضة السعودية الفرنسية".

من جهته، استغرب أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي علي فضل الله أن تبني السعودية مواقفها بناء على بقاء وزير أو استقالته.

ووصف فضل الله في حديث للجزيرة نت استقالة وزيرين بعام واحد (وزير الخارجية السابق شربل وهبة ثم قرداحي) "استرضاء للسعودية" بـ"السابقة التاريخية بين الدول".

ميقاتي والنأي بالنفس

في المقابل، دعا نقولا نحاس النائب بكتلة الوسط البرلمانية (برئاسة ميقاتي) إلى عدم التقليل من جدية وأهمية المبادرة الفرنسية السعودية، مؤكدا للجزيرة نت أنها وضعت وفق منهج مدروس للبناء على نتائجها تباعا.

ورفض نحاس الحديث عن الخطوات التالية، لكن الاحتمالات مفتوحة برأيه، سواء لجهة عودة السفراء واتخاذ إجراءات عملية لتعزيز العلاقات السعودية اللبنانية.

وقال إن أهم مكسب حققه لبنان بالتوافق بين بن سلمان وماكرون وميقاتي هو فتح الأفق لتمرير ما انقطع مع الخليج، وتخفيف التوترات.

وتحدثت بعض المعطيات عن حصول ميقاتي على ضمانات داخلية -وتحديدا من قبل خصوم السعودية- لعدم التعرض لها بالإساءة، خصوصا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري (حليف حزب الله) لعب دورا كبيرا بصياغة مخرج لاستقالة قرداحي.

ولفت نحاس إلى أن ميقاتي يتطلع لالتزام القوى بسياسة النأي بالنفس التي أرساها ميقاتي منذ 2011 "لأنها الضمانة الوحيدة لصون مصالح لبنان وعلاقاته".

وأوضح أن ميقاتي لن يتراجع عن السعي إلى وصل علاقات لبنان بمحيطه العربي والخليجي، واصفا ذلك بأحد أهم التحديات لحكومته، نظرا لدورها الإيجابي بكل الملفات، كما عبر عن تفاؤله بعقد جلسة حكومية قريبا.

دوافع انتخابية

وبينما يقف لبنان على مسافة أشهر من الانتخابات البرلمانية في 2022 تتفق بومنصف وفضل الله على أن مصلحة جميع الأطراف -محلية وإقليمية- هي وضع حد للتوترات، مؤكدين أن الخطوة الفرنسية السعودية ليست مبادرة بقدر استشراف الواقع اللبناني قبيل الانتخابات.

ويعتقد فضل الله أن فرنسا ليست قوية بما يكفي لفرض خريطة طريق، وهي تهز القارب فقط لترقّب إمكانية تحصيل النتائج، وفق تعبيره.

وتحدثت بومنصف عن معطيات حول نجاح ماكرون بإقناع السعودية للتقدم والضغط معنويا وفق المنطق الآتي "لا يجوز ترك لبنان بمرحلة حساسة قبل الانتخابات، وفي ظل ضعف المكون السني وهشاشة قياداته الفاعلة (على رأسها تيار المستقبل) يعني تقديم هدايا مجانية لحزب الله وإيران خلفه".

وتربط بومنصف الإلحاح الفرنسي لتسجيل نقاط تقدم في لبنان بإحباط ماكرون بعد مبادرته الأولى التي لم تؤتِ ثمارها، وإدراكه متأخرا أن لبنان يخضع لتوازنات إقليمية ولا يسير بطرف واحد.

تقديرات حزب الله

وفي هذا السياق، يتساءل كثيرون في بيروت عن موقف حزب الله، لأن تفعيل تأثير الرياض يشكل تحديا لنفوذه مع إيران، خصوصا بعد تعبير السعودية وفرنسا عن قلقهما من تطوير البرنامج النووي الإيراني.

وتجد بومنصف أن ثمة مراقبة لقدرة حزب لله على الذهاب لسياسة النأي بالنفس قبل الانتخابات البرلمانية مقابل ترقّبه أي تطور إقليمي كبير قد يقلب المعطيات رأسا على عقب.

من جانبه، يرجح فضل الله أن تكون واشنطن قد أعطت باريس فرصة لإعادة تفعيل دورها في لبنان قبل الانتخابات، وأن تكون السعودية بالاتجاه عينه.

وذكّر بأن ثمة فريقا لبنانيا كبيرا -على رأسه حزب الله- يعترض على الأداء السعودي، وتحديدا بعد احتجاز رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في الرياض عام 2017.

يغض الطرف

ووصف فضل الله بنود البيان المشترك بغير المهمة لحزب الله، وقال إن "الحزب يقرأ التطورات والمفاوضات الإقليمية بعناية، ولا يتيح استفزازه، ويغض الطرف عن السياسات التي لن تقدم وتؤخر بالنسبة له".

في المقابل، شككت بومنصف بقدرة لبنان على الالتزام بالشروط السعودية الفرنسية، لكن حزب الله -برأيها- تلقى صفعة خليجية كبيرة، وأحس بأن الحمل ثقيل.

وتوقع فضل الله أن يترقب حزب الله الخطوات السعودية التالية، ويضع احتمالين، الأول: إذا أقبلت الرياض إيجابا على لبنان فقد تحرجه فينكفئ عن التصعيد، والثاني: إذا أصرت على سقف عال من الشروط وطالبت بمزيد من التنازلات فقد تكون ردة فعله مختلفة، وتفتح البلاد على احتمالات متناقضة، لأن السعودية -برأيه- لن تحدث تطورا إيجابيا سريعا تجاه لبنان دون ثمن كبير.

المصدر : الجزيرة